كتب الأستاذ محمد حسنين هيكل ذات مره يعرف الكاتب الصحفي الناجح فذكر أنه يتمتع بصفات منها الإيمان بعمله والشفافية فيما يكتب والصدق مع النفس وتمليك القارئ كل الحقائق ثم عدم التأثير عليه حتى ينحاز لرأى معين ثم يختار اللغة البسيطة التي يفهمها القارئ لكي يسهل عليه تملك المعلومة. بعض الشماليين لهم رأى سالب فيما يخص العلاقة مع الجنوب يصنفون إخواننا الجنوبيين خطاً ويعتقدون أن الشمال قدم الكثير للجنوب ولم يحصد سوى الريح ويصفون الأخوة بأنهم متمردون بطبعهم وأنهم لا يتعاطفون مع الشماليين وجاحدون (ينكرون المعروف) وأن الشمال تحمل الجنوب منذ عشرات السنين وبذل جهداً خارقاً للنهوض به وأن في الانفصال عن الجنوب فوائد جمة للشمال وإنعتاق من أسر هذه العلاقة التي خسر فيها الشمال كثيراً مادياً ومعنوياً بل فقد الكثير من أبنائه بسب الحروب التي استمرت حوالي خمسين عاماً..... الخ. ويعتقد الكثير من الشماليين أن هذه أفكار عنصريه و لا يحملون مسؤولية سوء العلاقة بين الشمال والجنوب لكل الجنوبيين ويعتقدون أنها مسؤولية القلة من العنصريين الجنوبيين ، وللأسف فإن هذا انعكس سلباً علي العلاقة بين الشماليين والجنوبيين فأضحت متوترة فيها توجس وفيها تفسير مغلوط لكل تصرف من قبل الجنوبيين أو الشماليين ولا يدخل هنا بالطبع العدوان على هجليج، مما جعل صيغة التعامل بين الشماليين و الجنوبيين أحياناً بها الكثير من الغلو....وأحيانناً التعالي....وازدراء الآخر ومعاملته من الموقع الأعلى. بعض محرري وكتاب بعض الصحف يتناولون أخبار دولة السودان الجنوبي بطريقة تخلو من الحياد ولا أقول طمس الحقائق وسوف أحاول في السطور التالية إيراد بعضاً منها كما ظهرت في الكتابة الخاصة بأخبار الجنوب أو التعليقات والحوارات واستطلاعات الرأي في كل شأنٍ له صلة بدولة جنوب السودان . وأود قبل الدخول في لب هذا الموضوع أن أسجل اعترافا عله يبرر ما سوف أكتبه وبصراحة عن هذا الموضوع، فلقد ظللت أكتب كثيراً وفي مواضيع متعددة نثراً وشعراً ولم أدوام علي نشر ما أكتب إلا في الفترة الأخيرة التي لا تتعدى الأشهر القليلة ،مما دفعني لكتابة هذا الموضوع مما قرأته في الصحف في الفترة الأخيرة عندما اشتد التوتر بين دولتي جنوب وشمال السودان وظل هنالك سؤال في خاطري يلح علي طالباً الإجابة ولم أحر له جواباً يمكن أن يكون نهائياً في مثل هكذا موضوع، والسؤال هو، من أي منطلق تتناول الصحف السودانية الشأن الجنوبي؟، هل تعتبر دولة السودان الجنوبي دولة جارة لها كل الحقوق وعليها كل واجبات الجوار الجغرافي؟، أم هي دولة نتاج تمرد بعض قادتها السياسيين والذي انتهي بفصل جنوب السودان عن شماله في 9يوليو 2011 م وعليه يجب أن تعامل كدولة متمردة شقت عصا الطاعة عن الوطن الأم؟ . في 23/1/2012 وفي عددها رقم 6639 كتبت صحيفة الصحافة الخبر التالي: * قمة بين البشير وسلفاكير بأديس أبابا لطي خلافات النفط. يقول الخبر : وزارة النفط تؤكد عدم تأثر الإمدادات، وجوبا تشترط اتفاقا عادلاً لاستئناف الضخ ؟ لقد كتب الخبر بأسلوب هادئ بالرغم مما فيه من تناقض ! ، كيف لا يتأثر الإمداد والضخ متوقف؟ ، ثم لماذا لم يناقش موضوع النفط للتوصل لحلول للمشاكل المتعلقة به بعد إعلان نتائج الانفصال التي مر عليها عامًا كاملاً؟ ،ثم تنشر الصحيفة حوارا مع د. الجزولي دفع الله (رئيس وزراء حكومة الفترة الانتقالية بعد انتفاضة 6 أبريل و التي لم تبذل مجهودا يذكر لحل مشكلة الجنوب) فيكتفي بوصف الانفصال بالحدث المزلزل بعد مرور كل هذه الفترة على إعلان نتائج الانفصال ،ولكن يسجل للدكتور الجزولي حديثه المفعم بالأسى عن ما وصل إليه الحال في السودان و الذي كان من نتائجه إعلان انفصال الجنوب. * وفي عدد الصحافة رقم 6678 و الصادر في 2 مارس نقرأ في الصفحة الأولى العناوين التالية (وفي تقديري أن أحداث هجليج بدأت في أول مارس 2012م كما تبين عناوين الأخبار كما و ردت في هذا العدد و قد بدأت بهذا الترتيب : * الجيش ينفي ادعاءات الجنوب بالتوغل داخل أراضيها. * استيفن اوبراين (وزير الدولة للتنمية الدولية البريطاني) ، طالب السودان و جنوب السودان إيقاف دعم المتمردين من الطرفين مشددا على أن المواجهات لن تحسم المسألة و لن تجلب السلام! * وتقول مي علي في تقريرها (الخرطوموجوبا... الحرب أولها كلام) ما يلي: جاء رد الخرطوم العسكري سريعا على الهجوم الذي تبنته الجبهة الثورية بمساعدة لوجستية من جوبا- حسب اعتقاد الحكومة – على جنوب كردفان، ولعل أكثر ما تخشاه دولة جنوب السودان في إطار تصعيدها العسكري مع جارها الشمالي هو استخدام الأخير سلاح الطيران الجوي الذي يضرب بعمق في داخل الدولة حديثة النشأة (منطقة فاريانغ في ولاية الوحدة الغنية بالنفط التي تعرضت لقصف جوي من قبل دولة السودان)!! * ويأكد ما ذهبنا إليه سابقاً ما نشر في صحيفة السوداني الصادرة في 28 مارس 2012م و كانت العناوين الرئيسية كما ما يلي : * المخابرات تكشف أدق تفاصيل اعتداء الجيش الشعبي وقد جاء ذلك في تقرير محمد عبد العزيز و لينا يعقوب. * صرح وزير الدفاع للسوداني: أن القوات المسلحة تسيطر على منطقة هجليج النفطية بنسبة 100% ودحض مزاعم الجيش الشعبي بدخول المنطقة و السيطرة عليها وأكد للسوداني أمس جاهزية القوات المسلحة لصد أي هجوم على الشريط الحدودي مع دولة الجنوب! * وكتب بمهنية عالية الكاتب الصحفي المعروف السر سيد أحمد في نفس العدد في مقال بعنوان (العودة إلى أجواء توريت) ما يلي: وهكذا وبعد الزيارة التي وصفت بالناجحة لوفد حكومة الجنوب إلى الخرطوم ورفعت الآمال بتطبيع العلاقات يطاح بهذا التوجه ويصار إلى التصعيد العسكري والذي يجعل من وقف التفاوض أول الضحايا، ثم يقول، إنه مع قيام جوبا بخفض الإنفاق بنسبة 50% إلا أنه ليس واضحا إلى أي مدى تستطيع جوبا الصمود في غياب عائدات النفط التي تمثل كل شيء تقريبا من الدخل القومي، ومن المعروف أن النفط قد لعب دورا أساسيا في الدفع باتجاه السلام وهو ما ظهر في تقرير مركز الدراسات الإستراتيجية الدولية في فبرار 2001 الموسوم (دولة ونظامين) الذي أوصى الحركة بالانخراط الجدي في مفاوضات السلام بعد أن بدأ النفط يلقي بانعكاساته على ميدان المعركة وقد تبنت إدارة بوش التقرير ورمت بثقلها ورائه حتى تم إبرام اتفاقية السلام في 2005م. * وفي صحيفة آخر لحظة الصادرة في نفس التاريخ كتبت عدة مواضيع عن الجنوب وكذلك نشرت حوارات وتصريحات نذكر منها ما يلي: * يقول بروفيسور إبراهيم غندور: « لقد هاجم الجيش الشعبي هجليج ،إن الحركة الشعبة ما فتأت تبرهن كل يوم علي إنها حركة عنصرية حاقدة لا يهمها إلا تنفيذ أجندة أجنبية لا علاقة لها بالمنطقة ومصلحة الشعبين واستغلت الحركة البسطاء في الهجوم على هجليج لكسر إحدى مقومات الاقتصاد السوداني بوقف ضخ النفط، وذلك للتضييق على المواطنين». * الدفاع الشعبي: الحلو يقود الهجوم على تلودي للانتقام على ما حدث في هجليج، الخرطوموجوبا يتفقان على التهدأة ووقف التصعيد العسكري والإعلامي. * عن التصعيد والهدوء بين الخرطوموجوبا كتب محمد أبو الفضل ما يلي: من يتتبع تطورات العلاقة بين الخرطوموجوبا في الآونة الأخيرة يقف مشدوهاً أمام مشهد الصعود إلى أعلى سفح الجبل من الخلاف، ويقف مصدوما من النزول المفاجئ إلى أسفله، وفي الحالين يبدو الموقف ثابتا عند درجة الجمود، فلا الصعود يؤدي إلى مواجهة عسكرية مباشرة! ولا الهبوط دليل على حل القضايا المختلف عليها! * وقال طه النعمان في مقاله دي يحلوها كيف؟ الخلاصة في البداية و النهاية أننا و قعنا في شر أعمالنا عندما سمحنا بانفصال الجنوب، فخسرنا الوحدة وخسرنا السلام في آن معاً. * أما عوض الكريم موسى، فيلخص مقابلة وزير الدفاع في برنامج (لقاء اليوم) لقناة الجزيرة وفي حوار نشرته الصحافة السودانية بالتزامن مع الشرق القطرية كما يلي: استراتيجية السودان هي استدامة السلام مع دولة الجنوب، بحيث نحول الانفصال إلى انفصال سياسي مع تكامل اقتصادي و تواصل اجتماعي! * وفي صحيفة السوداني العدد رقم 2254 الصادر في 29 مارس 2012م كان المانشيت الرئيسي هو: مفاوضات أديس تستأنف اليوم والحكومة تتمسك بالسلام مع الجنوب. * وفي نفس الصحيفة هنالك استطلاع للرأي تحت عنوان: بعد الهجوم على هجليج... خيارات الرد... أيها اقرب نفعاً؟! (اعتبر البعض إن الرد الأمثل هو الإعلان عن خطة ثلاثية المحاور، تهدف بالرد بهجوم مماثل وخلق موقف وطني موحد و تعرية موقف الحركة الشعبية دوليا). * وفي تقرير من البرلمان تحت عنوان (على طاولة البرلمان... وهنالك استطلاع للرأي تحت هجليج... تداعيات لا تنتهي). أحمد إبراهيم الطاهر: متفائل بحذر. وزير الداخلية : الجنوبيون أجانب بعد 9 أبريل، ولكن.... إدريس عبد القادر: مازال يتمسك بطريق السلام والتفاوض. أما ممثل وزير الدفاع فيقول... السلام يأتي بالاستعداد للحرب. * أما مانشيتات صحيفة الانتباهة الصادرة في 28 مارس 2012م تقول: * الجيش يبسط سيطرته على هجليج. * الوطني: سلفاكير غير طبيعي والبرلمان يصفه بالأخرق. * مدير الأمن يكشف عن وثائق وأسرى و قتلى تؤكد تورط الجنوب في الهجوم. وفي الصفحات الداخلية: هجوم هجليج انقطاع خيط الثقة، الحكومة ردت الصاع بتعليق زيارة البشير لجوبا، هل بالفعل دولة الجنوب لا ترغب في ميل كفتي الميزان لصالح الحركة، ما سبق ذكره عبارة عن ترجمة لتقرير نشر بموقع (All African.com) قامت الصحفيتين ندى محمد أحمد و إنصاف العوض بترجمته. * ومن الأبواب الثابتة في الصحيفة العناوين التالية إلى جوبا رسالة شكر ساخرة، هجوم هجليج... عرض في الظلام، سلفاكير يتمرد على اتفاقية نيفاشا، الردع عسكريا هو الحل، لم يتركوا لك ما تقول ثم انتهى الدرس يا غبي. * ومن صحيفة الجريدة نقرأ: هجو قسم السيد – مفاوضو أدس كومبارس في قفص باقان أموم -. * أما صحيفة الأحداث الصادرة في 17 مارس 2012 فقد كتبت ما يلي: * المنبر والجنوب... الماضي يعود الآن وهو عبارة عن استطلاع رأي ملخصه (إن المنبر- منبر السلام العادل – يعمل على استمالة الرئيس البشير في حملته الشعواء ليقضي على اتفاق الحريات الأربع و يرفضه على غرار ما فعل باتفاق أديس أبابا الذي مهره مساعده نافع علي نافع. * ونورد من صحيفة الصحافة الصادرة في 18 مارس 2012م ما كتبه د. أحمد عثمان خالد الأمين: إن الجنوب هو المهدد الأمني الأكبر لجمهورية السودان! * أما المانشيت الرئيس لصحيفة الأحداث الصادرة في 21 أبريل 2012 فهو: * هجليج... تبت يدا المعتدين. * وزير الدفاع يكشف تفاصيل معركة الحسم. * ومن عدد الصحافة والصادر في 21-4-2012 نقتبس العناوين التالية: * هجليج... توحيد لإرادة الوطن. * الرئيس: لن يمر بترول الجنوب عبر أراضينا ولو منحونا نصفه. * أوغندا تعد بمساندة الجنوب ضد السودان! * أوغلو: جهود تركية بريطانية لتسوية النزاع بين الخرطوموجوبا. * استمرار الدعم الغربي العسكري لجوبا. * الولاياتالمتحدة تحاول منع الصين والهند من استيراد النفط السوداني. * الحكومة: السودان لم و لن يعتدي على جنوب السودان. * هجليج في القيادة العامة... يوم من أيام الفرح. * الولايات تحتفل باسترداد هجليج. * هجليج... وقائع معركة التحرير. * هجليج ما بعد المعركة: يقول المحلل السياسي صلاح الدومة، إن السيناريو المتوقع هو استمرار التصعيد في المرحلة المقبلة على كافة الجبهات مقللا من فرص الجلوس لحوار من أجل التسوية السياسية استنادا على أن تحرير هجليج تم بالقتال المباشر، وليس بانسحاب تكتيكي من جوبا بفعل الأوامر الأمريكية ولا يرجح الدومه إطلاقاً اعتماد الطرفين علي آلية الحوار لحل القضايا العالقة بينهما، لأن الحوار كما يقول للصحافة: يقتضي نظرة عقلانية وموضوعية، وهو الأمر الذي لا يتوقعه المحلل السياسي من الطرفين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية، معتبراً أنهما يتحركان في اتجاهين متضادين رغبةًً في التشفي والانتقام . * ونختم بما ذكرته الأحداث الصادرة يوم الخميس الموافق 26 أبريل الجاري والذي يقول : الخرطوم توافق علي استئناف التفاوض مع جوبا خلال 3 أشهر! وقد تركت التعليق علي كل ما ذكر سابقاً حتى يطلع القارئ العزيز على الموضوع كاملاً ويرى الفرق في تناول المواضيع والأحداث التي تهم جنوب السودان من كاتب في قامة د. منصور خالد فهي تتميز بالعمق والتناول الموضوعي لمآلات الانفصال كما يراها هو وبعض القادة الجنوبيين حيث تم إهمال التفاوض وإنفاذ ترتيبات ما بعد الاستفتاء ورغم أن د. منصور خالد يعد أحد قادة الحركة الشعبية السابقين، إلا أننا يجب أن نتعلم منه الكيفية التي يكتب بها كاتب شمالي عن الجنوب لأن الكتابة علم وفن، وأسلوب المخاطبة يجب أن يكون مقبولاً من المخاطب . قدم الدكتور منصور خالد ورقة بعنوان (التفاعلات الإقليمية والدولية لاستقلال جنوب السودان) في المؤتمر الذي نظمه مركز الجزيرة للدراسات، تحت عنوان ( دولتا السودان، فرص ومخاطر ما بعد الانفصال)،....... يقول الدكتور: لكي ندرك التفاعلات التي تولدت من انفصال جنوب السودان عن شماله، يفيد، في المبتدأ أن نلقي الضوء علي الظروف التي قادت إلي الانفصال، فالانفصال نهاية مأساوية لتاريخ طويل للعلاقة بين شمال وجنوب القطر منذ استقلاله الذي إحتفينا بعيده السادس والخمسين مطلع هذا الشهر ، ويلخص تلك الظروف في الآتي مستشهداً في ذلك بكتاب السياسي المخضرم أبيل ألير (جنوب السودان، عدم الوفاء بالمواثيق) Agreements Dishonored). ..... (South Sudan , Too Many ونذكر هنا بعض الأسباب التي أدت إلي الانفصال كما وردت في الكتاب سالف الذكر: الميراث السياسي الثقيل من إخلاف الوعود والتنكر للعهود، ظاهرة انسلاخ الدول في الماضي والحاضر، إرادة الصفوة الجنوبية في التمتع بثروات الجنوب الطبيعية وتجييرها لمصلحة شعب الجنوب والتفاعل المباشر مع دول الجوار والمنطقة والعالم Interaction & Interplay، ويقول الدكتور أيضاً، بانفصال الجنوب عن جمهورية السودان الدولة الأم أصبحت تلك الدولة، بالضرورة دولة خارجية بالنسبة لدولة جنوب السودان المستقلة ذات السيادة، ومع ذلك تظل جمهورية السودان هي الجار الأقرب إليها وينعتها الروس بالخارج القريب ( the near abroad ) مما دعي الراحل جون قرنق لتغيير تعريف مناطق التماس ( areas of contiguity )إلى مناطق التمازج (fusion). ما هي ترتيبات ما بعد الاستفتاء؟ في حالة تصويت أهل جنوب السودان علي خيار الانفصال يشرع الطرفان بشهادة الدول والمنظمات الموقعة علي الاتفاق في التفاوض بهدف الاتفاق علي الموضوعات الحيوية التالية التي تترتب على الانفصال: الجنسية، العملة، القوات المشتركة، الأمن القومي والمخابرات، الاتفاقيات الدولية،الأصول والديون، حقول النفط، المياه، الممتلكات الثابتة، وأي موضوعات أخرى يتفق عليها الطرفان، فهل تم تنفيذ هذه الترتيبات لحل كل المشاكل العالقة بين الطرفين فلو تم ذلك لما وصلت العلاقة بين الدولتين لهذا الدرك السحيق! ويعزي الدكتور أسباب فشل الدولتين في التوصل إلى اتفاق حول الحلول لهذه القضايا بعدم الفهم الصحيح للقابلية (viability) عند بعض قادة الدولتين أي أن التعاون الوثيق بينهما هو الذي سيقودهما إلى النمو المتعافي ونفى أن يكون الحدث نتيجة لمؤامرة خارجية، ثم يتحدث عن أسباب نفسية لعبت في البدء دوراً هاماً في تسميم الأجواء وقادت من بعد إلى قرارات نزوية من جانب وردود فعل من جانب آخر، لا تقل عنها نزواناً، لأن النزوات في السياسة لا تقود إلا لأفعال وردود أفعال غير محسوبة العواقب ومنها لجوء عناصر مسئولة من الطرفين إلى استخدام الإعلام (وعلى الأخص الصحافة) للتخاطب مع بعضيهما البعض في غير روية وأحكام . وعندما يكون هذا التفلت الإعلامي لحظات التفاوض حول قضايا مصيرية كثيراً ما يقود إلى عواقب جاءت عن قصد أو دون حسبان(Unintended consequences)، مثل هذه العواقب لا يعاب عليها الإعلاميون الذين يستهوى أغلبهم السبق الصحفي كما تستهوي بعضهم الإثارة، ولا يعاب عليها الصحفيون بل السياسيون الذين كان ينبغي عليهم أن يدركوا أن الصمت من ذهب، خاصة حول القضايا التي لا يمكن معالجتها إلا عبر الدبلوماسية الهادئة وأن تتوخى التصريحات الحقيقة وأن تكون قوية مؤثرة وملتزمة باحترام الآخر (factual, robust and respectful to others )، وفي الختام فإن الحقيقة أن الشمال يعتمد بنسبة 60% على إنفاقه العام من النفط، ودون عودة للروح التي سادت المفاوضات السابقة والنأي عن الكيد والكيد المضاد لا يمكن للدولتين أن يصبحا دولتان قابلتين للنمو الطبيعي! عزيزي القارئ أرجو أن لا أكون قد أثقلت عليك بذكر كل هذه التفاصيل ولكن القارئ العادي قد يجد نفسه موزع ومشتت الفكر بين كل هذه الأخبار والتعليقات والحوارات واستطلاع الآراء والتي تسير كلها في اتجاه واحد تجعل من القارئ مجرد (متلقي) لا يشارك في مناقشة ويحرم من الجدل المحمود حول أهم المواضيع التي تهم السودان وهذا يعمق ويزيد من التعصب للرأي وعدم احترام الرأي الآخر والتعايش معه.