يبدو أن سحب الخلافات باتت تتجمع بوتيرة متسارعة لتظلل سماء دولتي السودان وجنوب السودان فلم تتلاشَ بعد أدخنة فوهات بنادق الطرفين بعد الاشتباك في منطقة هجليج التي كان احتلها جيش دولة جنوب السودان قبل أن تقوم القوات المسلحة السودانية بالاشتباك معه وإجباره على التراجع والخروج منها في يوم أطلق عليه (جمعة النصر) ويوافق العشرين من شهر أبريل الماضي وبعدها تدخل المجتمع الدولي ليجبر الطرفين على الجلوس حول طاولة المفاوضات مرة أخرى، بيد أن خلافا جديدا في طريقه إلى النشوب بينهما فبعد أن أعلنت حكومة الجنوب سحب قواتها من منطقة أبيي المتنازع عليها عادت مرة أخرى لتهدد باحتلالها إن لم يقم السودان بسحب قواته منها وأعلنت الأممالمتحدة في الأيام الماضية إن جنوب السودان أبلغها أنه سحب كل قواته من منطقة أبيي المتنازع عليها مع السودان، مؤكدة أنها تتحقق من هذه المعلومات. وقال مارتن نيسيركي أحد الناطقين باسم المنظمة الدولية إن قوات الأممالمتحدة على الأرض أبلغت بأن جوبا أمرت رسمياً بسحب قوات شرطة جنوب السودان من أبيي. وكانت قوات السودان قد سيطرت على أبيي في 21 مايو الماضي، مما أرغم قرابة 110 آلاف شخص بحسب الأممالمتحدة على الفرار نحو الجنوب، وتسيطر الخرطوم حتى اللحظة على المنطقة. ونالت خطوة دولة جنوب السودان التي أقدمت فيها الدولة على سحب قواتها من منطقة أبيي إشادات دولية. وقال الناطق باسم الأمين العام للمنظمة الدولية مارتن نيسيركي في بيان نشر في الأيام الفائته إن الأمين العام بان كي مون يرحب بسحب جنود السودان قواته الأمنية من منطقة أبيي ويدعو بحزم حكومة السودان إلى سحب قواتها من المنطقة» وأضاف أن بان كي مون «يشجع حكومتي السودان وجنوب السودان على استئناف المفاوضات برعاية الاتحاد الافريقي لتسوية نقاط الخلاف المتبقية بينهما، غير أن حكومة جنوب السودان لم تنتظر حتى يجف المداد الذي خطت به إعلان سحب قواتها من أبيي لتعود مرة أخرى لتصرح بانها ستعود لاحتلال أبيي إن لم تقدم الحكومة السودانية على سحب قواتها المسلحة. وقال مسؤول ملف أبيي في حكومة جنوب السودان، لوكا بيونق، -خلال حفل بمناسبة سحب قوات بلاده من أبيي- إنه إذا لم تسحب الحكومة السودانية قواتها بنهاية يوم الخامس عشر من هذا الشهر فسيطلب من حكومته التدخل عسكرياً للسيطرة على أبيي، غير أن حكومة السودان لم تبدو آبهة بتهديدات دولة الجنوب ومضت إلى التقليل منها، وقال الناطق باسم الخارجية السودانية؛ العبيد أحمد مروح إن هذه التهديدات «تأتي في سياق تضليل متعمد من حكومة الجنوب للرأي العام الدولي» وأوضح أن الانسحاب من أبيي محكوم باتفاق ترتيبات انتقالية وقِّع العام الماضي، بحيث يحصل انسحاب متزامن للطرفين من أبيي ومرَاقب من ممثلين للجانبين والقوة الأممية الموجودة في المنطقة وأضاف: «تهديدات جوبا لا تعنينا، ونحن مستعدون مبدئياً للانسحاب من أبيي بشرط أن يكون هناك انسحاب متزامن لقوات الجانبين ومراقب أممياً، وفقاً لترتيبات إدارية وأمنية متفق عليها ووضعت حكومة السودان حزمة من الاشتراطات للانسحاب من منطقة أبيي المتنازع عليها. ورهن وكيل وزارة الخارجية رحمة الله محمد عثمان الانسحاب بتشكيل إدارة للمنطقة للمنطقة وانتشار القوات الإثيوبية وإنشاء لجنة للتحقق من تنفيذ الاتفاق الخاص بالمنطقة، متهماً جوبا بتطبيق الانسحاب للمزايدة السياسية. وشدد عثمان على أن الخرطوم لا يمكنها سحب قواتها من أبيي نظراً لتطبيق جوبا عملية الانسحاب دون الالتزام بتنفيذ البرتوكول بشكل كامل، مضيفا أن ما أقدمت عليه جوبا بسحب قواتها من ابيي ليس سوى انها خطوة تريد بها إحراج الخرطوم أمام المجتمع الدولي، مؤكدا انه ليس من العقل أن تسحب حكومة السودان قواتها من أبيي دون ضمان وضع إداري مستقر مع الاخذ في الاعتبار أن مهمة القوات الاثيوبية لا تشمل الوضع الاداري. وكان الامين العام للامم المتحدة بان كي مون طالب السودان بسحب قواته من منطقة ابيي بعد ما أعلنت جوبا سحب قواتها الامنية منها. وفي ذات السياق أكد الامين السياسي للمؤتمر الوطني بولاية الخرطوم الدكتور نزار محجوب في اتصال هاتفي مع (الأحداث) أمس أن تهديدات دولة الجنوب ليست ذات وزن بالنسبة اليهم، وأن بالنسبة لهم أبيي مربوطة بخارطة طريق تم الاتفاق عليها مع الاتحاد الافريقي ومجلس الامن الدولي لذا السودان في قضية أبيي يتعامل في إطار هذا الاتفاق وينفذ ما يليه، لكن محجوب عاد بحديثه ليؤكد أن أي تجاوز تقدم عليه دولة الجنوب ستتعامل حكومة السودان معه وفقاً على ما تحافظ به على سيادة الدولة. وفي خضم هذه الخلافات التي نشبت مجدداً بين الدولتين توقع المراقبون أن يعود جيشا الدولتين للاشتباك مرة أخرى بسبب النزاع في دولة أبيي. وأكد المحلل السياسس الدكتور صديق تاور أن التصعيد الذي تمضي فيه دولة جنوب السودان ليس بعفوي بل هو تصعيد مدروس ومخطط له وتقوم بتنفيذه مجموعة القرار داخل حكومة الجنوب التي تقوم بتحركها أيدي خارجية لديها مخططات تستهدف السودان. وأضاف تاور في اتصال هاتفي مع (الأحداث) أمس أن تلك المشاكسات والتفلتات الامنية التي تسعى حكومة جنوب السودان إلى اختلاقها المراد منها استهلاك الزمن المتبقي وهو ثلاثة أشهر لحسم القضايا المتنازع فيها، وان لم يتم ذلك فإن ذلك يخول للامم المتحدة استخدام الفصل السابع الذي يسمح للامم المتحدة بفرض إملاءات دولية بقوة السلاح وهذا ما تسعى اليه دولة جنوب السودان.