الجيش الكويتي: الصواريخ الباليستية العابرة فوق البلاد في نطاقات جوية مرتفعة جداً ولا تشكل أي تهديد    إدارة مكافحة المخدرات بولاية البحر الأحمر تفكك شبكة إجرامية تهرب مخدر القات    المريخ فِي نَواكْشوط (يَبْقَى لحِينَ السَّدَاد)    اردول: افتتاح مكتب ولاية الخرطوم بضاحية شرق النيل    شاهد بالصورة والفيديو.. وسط ضحكات المتابعين.. ناشط سوداني يوثق فشل نقل تجربة "الشربوت" السوداني للمواطن المصري    (يمكن نتلاقى ويمكن لا)    المريخ يكرم القائم بالأعمال و شخصيات ومؤسسات موريتانية تقديرًا لحسن الضيافة    خطوة مثيرة لمصابي ميليشيا الدعم السريع    عناوين الصحف الرياضية السودانية الصادرة اليوم الأثنين 16 يونيو 2025    برمجة دوري ربك بعد الفصل في الشكاوي    سمير العركي يكتب: رسالة خبيثة من إسرائيل إلى تركيا    مجلس إدارة جديد لنادي الرابطة كوستي    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالفيديو.. الجامعة الأوروبية بجورجيا تختار الفنانة هدي عربي لتمثل السودان في حفل جماهيري ضخم للجاليات العربية    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    شاهد بالصورة.. السلطانة هدى عربي تخطف الأضواء بإطلالة مميزة مع والدتها    شاهد بالفيديو.. كشف عن معاناته وطلب المساعدة.. شاب سوداني بالقاهرة يعيش في الشارع بعد أن قامت زوجته بطرده من المنزل وحظر رقم هاتفه بسبب عدم مقدرته على دفع إيجار الشقة    رباعية نظيفة .. باريس يهين أتلتيكو مدريد في مونديال الأندية    بالصورة.."أتمنى لها حياة سعيدة".. الفنان مأمون سوار الدهب يفاجئ الجميع ويعلن إنفصاله رسمياً عن زوجته الحسناء ويكشف الحقائق كاملة: (زي ما كل الناس عارفه الطلاق ما بقع على"الحامل")    المباحث الجنائية المركزية بولايةنهر النيل تنجح في فك طلاسم بلاغ قتيل حي الطراوة    على طريقة البليهي.. "مشادة قوية" بين ياسر إبراهيم وميسي    المدير العام للشركة السودانية للموارد المعدنية يؤكد أهمية مضاعفة الإنتاج    من حق إيران وأي دولة أخري أن تحصل علي قنبلة نووية    وصول 335 من المبعدين لدنقلا جراء أحداث منطقة المثلث الحدودية    ترامب يبلغ نتنياهو باحتمال انضمام أمريكا إلى العملية العسكرية ضد إيران    أول دولة عربية تقرر إجلاء رعاياها من إيران    كيف أدخلت إسرائيل المسيرات إلى قلب إيران؟    خلال ساعات.. مهمة منتظرة لمدرب المريخ    السودان..خطوة جديدة بشأن السفر    تنفيذ حكم إعدام في السعودية يثير جدلاً واسعًا    3 آلاف و820 شخصا"..حريق في مبنى بدبي والسلطات توضّح    ضربة إيرانية مباشرة في ريشون ليتسيون تثير صدمة في إسرائيل    معركة جديدة بين ليفربول وبايرن بسبب صلاح    بالصور.. زوجة الميرغني تقضي إجازتها الصيفية مع ابنتها وسط الحيوانات    معلومات جديدة عن الناجي الوحيد من طائرة الهند المنكوبة.. مكان مقعده ينقذه من الموت    بعد حالات تسمّم مخيفة..إغلاق مطعم مصري شهير وتوقيف مالكه    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    رئيس مجلس الوزراء يؤكد أهمية الكهرباء في نهضة وإعادة اعمار البلاد    إنهاء معاناة حي شهير في أمدرمان    وزارة الصحة وبالتعاون مع صحة الخرطوم تعلن تنفيذ حملة الاستجابة لوباء الكوليرا    فجرًا.. السلطات في السودان تلقيّ القبض على34 متّهمًا بينهم نظاميين    رئيس مجلس الوزراء يقدم تهاني عيد الاضحي المبارك لشرطة ولاية البحر الاحمر    وفاة حاجة من ولاية البحر الأحمر بمكة    اكتشاف مثير في صحراء بالسودان    رؤيا الحكيم غير ملزمة للجيش والشعب السوداني    مسؤول سوداني يطلق دعوة للتجار بشأن الأضحية    محمد دفع الله.. (صُورة) تَتَحَدّث كُلّ اللُّغات    في سابقة تعد الأولى من نوعها.. دولة عربية تلغي شعيرة ذبح الأضاحي هذا العام لهذا السبب (….) وتحذيرات للسودانيين المقيمين فيها    شاهد بالفيديو.. داعية سوداني شهير يثير ضجة إسفيرية غير مسبوقة: (رأيت الرسول صلى الله عليه وسلم في المنام وأوصاني بدعوة الجيش والدعم السريع للتفاوض)    تراجع وفيات الكوليرا في الخرطوم    أثار محمد هاشم الحكيم عاصفة لم يكن بحاجة إلي آثارها الإرتدادية علي مصداقيته الكلامية والوجدانية    وزير المالية السوداني: المسيرات التي تضرب الكهرباء ومستودعات الوقود "إماراتية"    "الحرابة ولا حلو" لهاني عابدين.. نداء السلام والأمل في وجه التحديات    "عشبة الخلود".. ما سرّ النبتة القادمة من جبال وغابات آسيا؟    علامات خفية لنقص المغنيسيوم.. لا تتجاهلها    ما هي محظورات الحج للنساء؟    قُلْ: ليتني شمعةٌ في الظلامْ؟!    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ظاهرة استخدام دولة جنوب السودان للقوة المسلحة كأداة للسياسة الخارجية : احتلال دولة الجنوب لمنطقة حقل هجليج البترولي السوداني أنموذجا

بالرغم من تحريم المواثيق الدولية والمنظمة الدولية (UN) لاستخدام القوات المسلحة للدول أو الالتجاء إليها أو التهديد بإستخدامها في العلاقات الدولية (الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة المادة 41 والمادة 42)، إلا في حالة الدفاع عن النفس (الفصل السابع المادة 51), نجد أن العديد من الدول في عالمنا المعاصر تستخدم قواتها المسلحة كأداة من أدوات سياستها الخارجية لتحقيق أهدافها القومية أو لتنفيذ مخططات تتعلق بداعيمها وحلفائها الإقليميين والدوليين, وذلك إما عن طريق الاستخدام المادي المباشر لقواتها المسلحة, أو التهديد باستخدام قوتها المسلحة محاولة منها لإجبار الطرف الآخر بالرضوخ والاستجابة لمطالبها, وظاهرة استخدام القوات المسلحة كأحد أدوات السياسة الخارجية ظاهرة منتشرة وقائمة في العلاقات الدولية, منذ الأزمنة السحيقة وحتى عصرنا الراهن, وهي ظاهرة تهدد بها أو تستخدمها الولايات المتحدة الأمريكية في سياستها الخارجية في عصرنا الحالي لتحقيق سيطرتها على مجريات الأمور العالمية ونشر ثقافة العولمة والنموذج الغربي الليبرالي خاصة ضد الدول المقاومة والممانعة لتمدد قيم الثقافة الغربية التي تتعارض مع قيم ومعتقدات ثقافتها الوطنية, وإن ما حدث في منطقة حقل هجليج البترولي السوداني من احتلال وتخريب للمنشآت النفطية السودانية في العاشر من أبريل من العام 2012 م من قبل قوات دولة جنوب السودان والحركات الدارفورية المدعومة من جانبها واعتراف دولة جنوب السودان بذلك, بالإضافة لتهديد رئيس دولة جنوب السودان السيد سلفكاير مليارديت باستخدام القوة لاحتلال أبيي بالرغم وجود قوات إفريقية إثيوبية بها, كل ذلك يصب في خانة تهديد السلم والأمن الدوليين التي تحرمه المواثيق الدولية, وهو عمل غير أخلاقي وغير شرعي ويتنافى مع القيم والأعراف والمواثيق الدولية التي تحرم من استخدام القوة أو التهديد بها في العلاقات الدولية.
إحتلال دولة جنوب السودان لهجليج تكتيك أم إستراتيجية؟
منذ انفصال جنوب السودان عن دولته الأم جمهورية السودان بكل سلاسة وهدوء في التاسع من يوليو من العام 2011 م, لاحت في الأفق العديد من الإشارات السالبة التي تدل على أن العلاقات بين الدولة الوليدة في جنوب السودان وجمهورية السودان التي إنبثقت من بين ثناياها دولة جنوب, سوف تعترض مساراتها العديد من العقبات المخطط لها بإحكام. فبالرغم من حضور رئيس جمهورية السودان السيد المشير عمر البشير لاحتفال تكوين الدولة الوليدة بجنوب السودان, واعتراف جمهورية السودان رسمياً بالدولة الوليدة, كان خطاب رئيس الحركة الشعبية ورئيس الدولة الوليدة في جنوب السودان السيد سلفاكير مليارديت في احتفالات تكوين دولة جنوب السودان يصب في اتجاه تعميق الاختلافات بين دولة جنوب السودان الناشئة والدولة الأم التي انبثقت من بين ثناياها, حيث أشار رئيس الحركة الشعبية ورئيس الدولة الوليدة السيد سلفاكير مليارديت في خطابه أمام رئيس جمهورية السودان الذي جاء ليشارك في احتفالات تكوين الدولة وكل الوفود العالمية الأخرى أنه لن ينسى إخوانه في دارفور والنيل الأزرق وجنوب كردفان, وهذه الإشارات التي جاءت في خطاب سلفاكير تم تنفيذها على أرض الواقع بعد فترة وجيزة من هذا الإحتفال, حيث أشعلت الحركة الشعبية الحاكمة في جنوب السودان نيران الحرب والتمرد عبر دعمها لقوات الحركة الشعبية في شمال السودان التابعة لها في مناطق النيل الأزرق وجبال النوبة, بالإضافة لإيوائها لحركات دارفور المسلحة, والتي شكلت منها فيما بعد ما يعرف بتحالف كاودا الذي تحول فيما بعد لتنظيم الجبهة الثورية, بينما تضمن أيضاً خطاب ممثلة الولايات المتحدة في احتفال تكوين الدولة الوليدة السيدة سوزان رايس إشارات لم تخل من السلبية بحكم دور الولايات المتحدة كدولة عالمية قائدة وكوسيط في إنهاء الحرب الأهلية التي قادت لانفصال جنوب السودان عبر اتفاقية السلام الشامل (CPA) الموقع في التاسع من يوليو من العام 2005 م بضاحية نيفاشا الكينية, حيث قالت في مضممون خطابها أن انفصال جنوب السودان انتزع عنوة, وأن دولة جنوب السودان سوف تلقي الدعم والاهتمام من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, وما جاء في خطاب السيدة رايس في احتفال انبثاق دولة جنوب السودان انعكس على أرض الواقع بعد فترة وجيزة أيضاً, حيث إنحازت الولايات المتحدة الأمريكية الوسيط في عملية السلام السودانية لجانب دولة الجنوب مباشرة بعد الانفصال, حيث رفعت كل العقوبات الاقتصادية وحظر تصدير الأسلحة عن دولة الجنوب مباشرة, بينما أبقت على كل العقوبات التي تفرضها على جمهورية السودان, مما يدلل على أن الولايات المتحدة الأمريكية استخدمت التكتيك لفصل جنوب السودان عبر اتفاقية السلام الشامل (CPA), وذلك نتيجة لفشل الحركة الشعبية من التمكن على السيطرة على زمام الأمور في جنوب السودان، وربما في كل السودان بواسطة وسيلة العنف المسلح أسوة بالحركات المسلحة الأفريقية الأخرى التي تلقت الدعم منها وتولت مقاليد الحكم في بلادها عبر الثورة المسلحة.
لقد اتسعت دائرة إستهداف دولة جنوب السودان لجمهورية السودان بدءاً من اندلاع العنف المسلح في ولاية جنوب كردفان، ومن بعده في ولاية النيل الأزرق بواسطة جناح الحركة الشعبية في الشمال السوداني بدعم مباشر من دولة جنوب السودان, وقيام دولة جنوب السودان الوليدة بإيواء الحركات الدارفورية المسلحة ودعمها هي وجاراتها يوغندا, واتسعت دائرة استهداف جنوب السودان لجمهورية السودان عبر الانتقال من الإستراتيجية غير المباشرة التي تعمل على تغذية الحروب على طول حدودها مع جمهورية السودان عبر دعم الجماعات المتمردة على الدولة السودانية في النيل الأزرق وجبال النوبة ودارفور, إلى مرحلة استخدام الإستراتيجية المباشرة المتمثلة في الاستخدام المادي للقوات المسلحة لجنوب السودان مباشرة في الحرب على السودان, وهذا ما حدث بالفعل في هجليج, فبالرغم من المفاوضات الجارية بين حكومة السودان ودولة جنوب السودان, واتفاق الطرفين على وقف العدائيات, وزيارة كبير مفاوضي دولة جنوب السودان السيد باقان أموم للخرطوم ودعوته للرئيس السوداني لزيارة جوبا, إلا أن بمجرد عودة السيد باقان لبلاده, يفاجأ السودان بدخول قوات جيش جنوب السودان لمنطقة حقل هجليج البترولي السوداني التي تعتبر منطقة سودانية ليست محل تنازع بين الدولتين, هذا الاستخدام الهجومي المفرط للقوة المسلحة لدولة جنوب السودان لإحتلال أرض نفطية سودانية ليست محل تنازع بين الدولتين, يعتبر دولياً عمل لا أخلاقي وغير شرعي من قبل دولة جنوب السودان, وهو عمل يهدد السلم والأمن الدوليين ويمثل تعدياً على مبادئ وقواعد القانون الدولي الذي ينظم العلاقة بين بين وحدات المنتظم الدولي ذات السيادة على أراضيها, وبالرغم من إدانة المجتمع الدولي والإقليمي لهذا العدوان الذي قامت به دولة جنوب السودان عبر إحتلال هجليج التي تقع ضمن السيادة السودانية, إلا أن إحتلال هجليج يطرح العديد من الأسئلة المحورية التي تحتاج لإجابات واضحة, أول هذه الأسئلة يتمحور حول لماذا يدعم جنوب السودان الحركات المسلحة الدارفورية والحركة الشعبية في شمال السودان ولماذا تناصر الولايات المتحدة الأمريكية هذه السياسة, وثاني هذه الأسئلة يدور حول هل قرار وقف تصدير النفط الجنوبي عبر خط أنابيب النفط في الشمال السوداني هو قرار نابع من دولة الجنوب, وإذا كانت الإجابة بنعم فما هو الهدف من ذلك القرار, أم أن هذا القرار نابع من إرادة الولايات المتحدة الأمريكية الدولة التي دعمت إنفصال الجنوب ليكون أرضاً فاصلة لمصالحها النفطية في المنطقة, وإذا كان الأمر كذلك فما هي الدوافع الأمريكية من دعم اتخاذ مثل هذا القرار؟, ثالثاً ما الذي يفسر وقف دولة الجنوب لتصدير النفط عبر شمال السودان بالرغم من مساهمة النفط بحوالي 98 % من ميزانية جنوب السودان؟, وهل هنالك من يساند دولة جنوب السودان في تحمل العواقب والنتائج المترتبة من إيقاف ضخ النفط عبر الشمال السودانى؟ ومن تلك الجهات التي تساند ذلك القرار وما هي دوافعها؟
إن إحتلال هجليج من قبل دولة جنوب السودان واعترافها بذلك, أمر يشكل خطورة كبيرة ليست فقط على السودان فحسب, بل على كل دول الإقليم, حيث ربما تمهد هذه الظاهرة لانتشار ظاهرة حسم الصراعات والتمدد على حساب أراضي الدول الأخرى باستخدام القوة المسلحة على حساب الطرق السلمية لفض النزاعات القائمة بين دول القارة الإفريقية, مما يمثل تهديداً للأمن والسلم الإفريقى, الذي تسعى الدول الأفريقية لتحقيقه من خلال مجلس الأمن والسلم الأفريقي (AUPSC) عبر فض النزاعات بين الدول الأفريقية بالطرق السلمية, ويبقى هنالك سؤال محوري يدور حول كيف تتجرأ دولة جنوب السودان الوليدة من احتلال أراضي دولة أخرى متجاهلة كل الأعراف والمواثيق الدولية دون أن تكون مسنودة من جهات أخرى, وكيف لدولة ناشئة وضعيفة الإمكانيات تتجرأ على الهجوم على أراضي دولة جمهورية السودان دون أن تجد سند من قبل الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة) اللاعب الرئيسي في تحريك الأحداث والتفاعلات في الإقليم, والمتواجدة بكثافة في منطقة البحيرات ودول وسط أفريقيا ومنطقة القرن الأفريقي لتحقيق مصالحها الحيوية في هذه المناطق, والتي يشكل النفط أحد أهم أولياتها, ولذلك هي تعمل على تغيير موازين القوة والخارطة الجيوسياسة في هذه المناطق باستمرار, بينما يلوح سؤالاً آخر في الأفق عقب قيام القوات المسلحة السودانية بتحرير منطقة هجليج العسكرية من قبضة جيش جنوب السودان وإنزال هزيمة قاسية بجيش الحركة الشعبية في يوم الجمعة الموافق العشرين من أبريل من العام 2012 م, في هجوم شنته القوات المسلحة السودانية من ثلاثة محاور لإسترداد منطقة هجليج النفطية السودانية راح ضحيته ما يقارب من 1200 عسكري من جنوب السودان وتدمير معظم آليات وعربات الجيش الشعبي والقوات الدارفورية الأخري المدعومة من طرفه, حسب ما نقلته وسائل الإعلام السودانية والخارجية من مصادر عسكرية سودانية, هذا السؤال يتمحور حول لماذا تعالت الأصوات داخل الولايات المتحدة الأمريكية بعد تحرير الجيش للسوداني لمنطقة هجليج, خاصة تلك الأصوات التي يقودها السانتور الأمريكي فرانكلين جرهام المطالبة الولايات المتحدة الأمريكية بضرب كل المطارات السودانية التي تقلع منها الطائرات العسكرية السودانية المقاتلة التي أستخدمت في الدفاع عن الأراضي السودانية المعتدى عليها من قبل دولة الجنوب بحجة أنها تقتل المدنيين الأبرياء, أليس دخول جيش جنوب السودان لهجليج لم يزهق أرواح المئات وشرد الآلاف من أبناء شمال السودان, أليس تخريب منشآت النفط في هجليج ووقف إنتاج النفط بعد هجوم الحركة الشعبية للمنطقة سوف يسهم في زيادة معاناة 33 مليون سوداني، اقتصاديا, أم أن مدنيي الجنوب هم أهم من مواطني شمال السودان بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية نتيجة لإنتمائهم للهوية العربية الإسلامية التي تتعارض مع أسلوب ومنهج ثقافة الغرب الليبرالية, يبدو أن الجانب العقدي يلعب دوراً مهماً في الصراع القائم الآن بين الجنوب والشمال, وأن الأصوات الأمريكية التي تتعالى من أجل ردع المعتدى عليه تتحكم فيها العاطفة العقدية وصراع الحضارات الذي تغذي نيرانه الحركة الصهيونية العالمية من أجل أن تتمكن من السيطرة على العالم بعد إرهاق المسلمين والمسيحيين سوياً بالصراعات فيما بينهم, أما إذا كان هدف دولة الجنوب من إحتلال أراضي السودان وتدمير مكتساباته وإمكانياته الإقتصادية النفطية والزراعية وإزهاق أرواح أبنائه, هو إسقاط المؤتمر الوطني حسب إدعائهم, فهذه بالطبع هي ليست مهمتهم, وإنما هي مهمة الشعب السودانى, وهو كما يعلم الجميع شعب قادر على التغيير متى ما أراد ذلك, وليس في حاجة دول ناشئة لا تملك القدرة في توفير أدنى سبل المعيشة لمواطنيها في أن تساعده على التغيير, المنطق يقول إذا أردت أن تساعد شعباً فلم تشن عليه حرباً وتدمر بنيته الاقتصادية؟!, يبدو أن الحجة واهية, وأن الهدف هو تطويع شعب بأكمله في إطار ثقافة العولمة التي تتعارض مع ثقافته وهويته الوطنية, وأن جنوب السودان مستخدم في إطار تنفيذ هذا المخطط بإرادة حكومة الحركة الشعبية التي تستولي على مقاليد الحكم فيه.
ويبدو من قراءة الأحداث والعمليات العسكرية التي تتم من قبل دولة الجنوب على الأراضي السودانية أن هنالك على ما يبدو مزيجاً من الحرب التكتيكية (Tactical Warfare) والحرب الإستراتيجية (Strategic Warfare) والحرب الاستنزافية (War of Attrition) تنفذ ضد جمهورية السودان, مقصود منها فرض واقع جديد يخدم مسارات ومصالح النظام العالمي الجديد الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) يهدف لنشر قيم الثقافة الغربية وتعميم قيم النموذج الغربي الليبرالي في المنطقة, وأن الدولة والأمة السودانية المتبنية للثقافة العربية الإسلامية التي تتعارض مع قيم الثقافة الغربية الليبرالية, مستهدفة من قبل مشروع العولمة بغية تطويعها ودمجها في ثقافة العولمة عبر استخدام كل الأساليب, وتمسك السودان بهويته العربية والإسلامية, جعله باستمرار أن يكون في مصاف الدول المصنفة بأنها داعمة للإرهاب والمناوئة لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية, وبناء على ذلك استخدمت الولايات المتحدة الأمريكية سياسة إحتواء (Policy of Containment) النظام السوداني عبر فتج جبهات من دول الجوار في الفترة منذ عام 1995 م وحتى بدايات الألفية الثانية, ومنها انتقلت للعب دور الوسيط في إتفاقية السلام الشامل السودانية (CPA) من أجل فصل جنوب السودان بموارده البترولية ليتحقق ذلك في التاسع من يوليو من العام 2011 م, ومن ثم انتقلت لدعم قيام الحرب في جبال النوبة والنيل الأزرق ودارفور عبر دولة جنوب السودان ضمن إطار حرب تكتيكية (Tactical Warfare) كان الهدف منه إرهاق القوات المسلحة السودانية, عبر فتح جبهة قتال تمتد لأكثر من 1850 كليومتراً على الحدود الفاصلة بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, ومن ثم مزجت الحرب التكتيكية بحرب إستراتيجية (Strategic Ware fare) تمخض عنها قيام دولة جنوب السودان باحتلال منطقة حقل هجليج النفطي السوداني بواسطة قوتها المسلحة من أجل كسر عظم الإقتصاد السودانى, وبالتالي العمل على شل قدرة الدولة عن القيام بواجباتها نحو مواطنيها والدفاع عن نفسها وتعكير صفو الجبهة الداخلية مما يساعد في هز أركان الدولة السودانية وبالتالي سقوطها وتقويضها, وعليه تم استخدام الحرب التكتيكية الممزوجة بالحرب الإستراتيجية لاستنزاف قدرات الدولة السودانية بعد انفصال الجنوب لتفتيت الدولة في الشمال السوداني لعدة دويلات في إطار إستراتيجية عالمية مخطط لها من قبل الحركة الصهيونية المتواجدة في الأراضي الفلسطينية المحتلة (إسرائيل المركز) في إطار الصراع العربي الإسرائيلى.
دوافع استخدام الجنوب لقوته المسلحة في علاقته مع جمهورية السودان:
من المسلم به في الفكر السياسي العسكري أن استخدام القوة المسلحة في العلاقات الدولية لأغراض هجومية (Offensive War Capability), يكون الغرض منه دائماً هو انتهاك السيادة الإقليمية (Territorial Integrity) للدولة المعتدى عليها, والعمل على انتهاك إستقلالها السياسي من أجل تغيير الواقع الداخلي في الدولة المعتدي عليها بالقوة, وبالتالي تحقيق تغيير في موازيين القوة والوضع الجيوإستراتيجي في الإقليم ككل, لتبني عليه علاقات قوى جديدة في المنطقة عبر استهداف وتطويع الدول الممانعة لهذا التغيير أولاً, وبما أن السودان يصنف من قبل الولايات المتحدة الأمريكية بأنه أحد الدول الممانعة والداعمة لما يسمى بالإرهاب بالرغم من تعاونه مع الإدارات الأمريكية المختلفة بخصوص هذا الملف, عليه لازال السودان يتعرض لسياسة الضغوط والإحتواء من قبل الولايات المتحدة الأمريكية, خاصة عبر دولة جنوب السودان الوليدة بعد ان تحسنت علاقات السودان بدول جواره اللصيق ودول محيطه الإقليمى, عليه بدأ استخدام جنوب السودان بموافقة الحركة الشعبية المسيطرة على الحكم فيه من أجل الضغط على جمهورية السودان عن طريق دعم التوترات في جنوب كردفان والنيل الأزرق دارفور, من أجل إرهاق وتشتيت واستنزاف القدرة العسكرية للسودان, عبر فتح جبهة واسعة ضد السودان من أقصى نقطة في حدوده الشرقية في النيل الأزرق, مروراً بجنوب كردفان إلى أقصي نقطة في حدوده الغربية مع جنوب السودان, بيد أن دولة جنوب السودان والدول التي تساندها ربما رأت أن هذه الإستراتيجية الغير مباشرة غير كافية وحدها لإسقاط النظام وتغيير الأوضاع الداخلية في جمهورية السودان, لذلك دعمت هذه الإستراتيجية غير المباشرة بإستراتيجية مباشرة تمثلت في الإستخدام الهجومي للقوة المسلحة (Offensive War Capability) لجنوب السودان من أجل الوصول لنتائج سريعة ومباشرة تعمل على الإسراع بإنهيار الدولة في شمال السودان, وخفض روح حكومته وشعبه المعنوية, تمهيداً لدمج وتطويع شعب السودان في إطار النموذج الغربي الليبراليى, وتمكين سيادة العنصر الإفريقي الزنجي المسيحي الحاكم في جنوب السودان (الحركة الشعبية) الموالي للغرب على حساب العناصر الأفريقية االزنجية والعربية المسلمة المسيطرة على مقاليد الحكم في شمال السودان, إذن تم استخدام الإستراتيجية المباشرة من قبل الحركة الشعبية من أجل الوصول إلى نتائج مباشرة وسريعة لحسم صراعهم مع الدولة السودانية في الشمال حسب إعتقادهم وتصوراتهم, نتيجة لأن الإستراتيجية غير المباشرة دائماً ما تأخذ وقت طويل لتصل إلى النتائج التي تهدف للوصول إليها, ولذلك تم الهجوم المباشر بالقوة المسلحة لدولة جنوب السودان على منطقة هجليج البترولية التي تنتج حوالي 70% من النفط السوداني الذي يصل إنتاجه لحوالي 115 ألف برميل في اليوم, من أجل تعطيل عجلة الاقتصاد السوداني وتوسيع رقعة مساحة أراضي دولة جنوب السودان على حساب أراضي دولتها الأم جمهورية السودان ما وراء حدود 1956 م, بالإضافة لاستخدام هجليج في إطار المساومة في القضايا الأمنية العالقة مع عدم التفريط فيها حتي إذا تم التوصل لاتفاق, إنه نفس منهج الإحتلال الإسرائيلي الذي يبتلع الأراضي العربية في فلسطين المحتلة كل يوم بصورة ممنهجة ومدروسة ويتفاوض من أجل تثبيت ما تم اقتلاعه من أراضٍ وكسب الوقت لإضافاء الشرعية على أعماله التي يقوم بها, وبالتالي جاء هجوم دولة جنوب السودان على حقل هجليج النفطي السوداني في العاشر من أبريل من العام 2012 م, بصورة مباغتة وسريعة وتم اختيار الوقت الملائم لهذا الهجوم بصورة مخطط لها بعناية، وذلك بعد وصول الطرفين لتفاهمات بينهما لوقف الأعمال العدائية وتفعيل الحريات الأربع, أي بعد بث الإطمئنان لدى جمهورية السودان المعتدى عليها.
شرعية استخدام السودان للقوة المسلحة كأداة دفاعية لحماية سيادته على إقليميه:
نتيجة لتعرض جمهورية السودان لهجوم مباشر بواسطة القوة المسلحة التابعة لدولة جنوب السودان, واحتلال هذه القوة المسلحة التابعة لجيش جنوب السودان حقل هجليج النفطي السودانى, الذي يقع على مسافة حوالي 70 كليومتراً داخل الأراضي السودانية, واعتراف دولة جنوب السودان بذلك الاعتداء بالرغم من تحريم مواثيق الأمم المتحدة من استخدام القوات المسلحة في الإعتداء على الدول في العلاقات الدولية, إستخدمت جمهورية السودان الإسلوب الدفاعي الذي كفلته لها مواثيق الأمم المتحدة (المادة 51) للدفاع عن سيادة أراضيها لتحرير منطقة هجليج من قبضة جيش دولة جنوب السودان, ولرد إعتداءات جيش جنوب السودان والحركات المسلحة التي يدعمها على مناطق أم دافوق في ولاية جنوب دارفور, وتلودي في جنوب كردفان, ويابوس في النيل الأزرق, دفاعاً عن أراضيه ومكتسابات شعبه الاقتصادية المتمثلة في النفط الذي يعتبر أحد مقومات الاقتصاد السوداني والعنصر المهم في عملية التنمية الاقتصادية في جمهورية السودان, وبالتالي كان إستخدام القوة العسكرية من قبل جمهورية السودان شرعياً ووفقاً للأعراف الدولية وميثاق الأمم المتحدة (الفصل السابع المادة 51) الذي يكفل للدول بالدفاع عن نفسها وسيادتها في حالة الإعتداء عليها, كما توجب على المجتمع الدولي بإنزال أقصى العقوبات لردع المعتدى حتى لا يقوم بتكرار الإعتداء, ولكن نجد أن المجتمع الدولي الذي تتربع على عرشه الولايات المتحدة الأمريكية, بدل أن يعاقب الدولة المعتدية (جنوب السودان) عقاب رادع إكتفي فقط بالإدانة ومطالبة دولة جنوب السودان بالإنسحاب, وعقب قيام القوات المسلحة لجمهورية السودان من تحرير منطقة حقل هجليج النفطي من قبضة الجيش الشعبي لجنوب السودان, وتكبيد جيش جنوب السودان هزيمة كبيرة تراوح عدد القتلى فيها من جانب الحركة الشعبية إلى حوالي 1200 قتيل على حسب تصريحات مصادر عسكرية سودانية, تعالت الأصوات من قبل الولايات المتحدة الأمريكية (إسرائيل القوة الباطشة) بضرورة فرض عقوبات على جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, بالرغم من الأولى (جمهورية السودان) معتدى عليها وهي خاضت حرباً دفاعية لتحرير أراضيها, كما أنها حتى الآن تقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية, وبالرغم من أن الثانية (دولة جنوب السودان الوليدة) هي الدولة المعتدية التي خرقت ميثاق الأمم المتحدة بإستخدامها للقوة المسلحة لإحتلال أراضي الغير التي ليست محل نزاع بينها وبين دجمهورية السودان, والتي من المفترض أن تعاقب وحدها لخرقها للمواثيق والأعراف الدولية, يبدو أن سعي الولايات المتحدة الأمريكية في مجلس الأمن عبر مندوبتها فيه ورئيسة دورته الحالية السيدة سوزان رايس فيه نوع من الدهاء السياسى, الذي يسعي لإستخدام الفصل السابع لإستقدام قوات دولية للحدود بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان, ليتم استكمال حلقات مسرحية اتفاق السلام الشامل (CPA) من أجل إستكمال مشروع الزحف نحو الشمال السوداني ومواصلة الضغط على الهويات الأفريقية العربية والزنجية المسلمة, وفق مخطط صهيوني يهدف للقضاء على كل ما هو عربي وإسلامى, بالإضافة لإحداث قطيعة في العلاقات العربية الأفريقية, وربط كل ما هو إسلامي أو عربي بقضية ما يسمي بالإرهاب, ومحاولة زج الإسلام والمسلميين في كل الأعمال التي تتعارض مع الأخلاق والمبادئ والأعراف الدولية.
الخاتمة:
جمهورية السودان تحتل موقعاً جيوبوليتكياً مهماً في القارة الأفريقية, وهي تعتبر أحد المناطق المهمة في الربط والتواصل بين العالم العربي والأفريقى, وهو دولة تزخر بالموارد الطبيعية المائية والزراعية والبترولية والمعدنية, كما أنها تتبني الهوية العربية الإسلامية ثقافة وعقيدة, وأصبحت الأمة السودانية منذ الاستقلال وحتى هذه الفترة تواجه استهداف يهدد بقاء كيان الأمة والدولة السودانية, فبالرغم من توقيعه لإتفاقية السلام الشامل (CPA) في التاسع من يوليو من العام 2005 م بضاحية نيفاشا الكينية, واعترافه بدولة جنوب السودان التي انبثقت من بين ثنايه بإرادته من أجل تحقيق السلام, لم تتوقف الحرب فيه بعد كل هذا الجهد المضني للوصول للسلام, بل اتسعت رقعة الحرب عليه عبر حدوده مع دولة جنوب السودان الوليدة, حيث تبنت دولة جنوب السودان إستراتيجية حرب استنزاف ممزوجة بحرب تكتيكية تم استخدام مجوعات الحركة الشعبية في جنوب كردفان والنيل الأزرق وحركات دارفور المسلحة وقود لها, وأخيراً تم استخدام الإستراتيجية المباشرة من قبل دول جنوب السودان, استخدم فيها جيش جنوب السودان في السيطرة على هجليج التي هي ليست محل نزاع بين الدولتين, مما ينبئ بأن مستقبل العلاقات بين جمهورية السودان ودولة جنوب السودان الوليدة سوف يشهد العديد من التوترات والصراعات, ولاسيما بعد تصريحات جنوب السودان الصريحة الرافضة للوساطة الأفريقية, ومناداتها بوساطة دولية وتشكيل قوات دولية لحراسة الحدود بينها وبين دولة السودان, وهو نفس ما تنادي الولايات المتحدة الأمريكية به, مما يدلل على أن هنالك نوعاً من التنسيق بين الطرفين بشأن استقدام قوات دولية لتحقيق غرض ما محسوب له, الشيء الذي يرفضه السودان, والذي ربما يؤدي إلى توسيع نطاق الصراع في كامل إقليم القرن الأفريقى.
} باحث وخبير إستراتيجي في شؤون القارة الأفريقية و متخصص في شؤون القرن الأفريقى


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.