فصل جديد من قصة الحصار الأمريكي الخانق لحكومة السودان، يطل من الكونغرس الأميركي؛ الذي سبق وان مارس ضغوطاً لا تحصى على حكومة الخرطوم ليس آخرها مشروع قانون محاسبة السودان والذي حال الموافقة عليه سيتيح التدخل العسكري لتقديم المساعدات الإنسانية لمتضرري الحرب في ولايتي جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأمس الأول وافقت لجنة لمجلس النواب الأمريكي على قطع المعونة الاقتصادية عن أي بلد يستضيف الرئيس السوداني عمر البشير، وقد وافقت لجنة الاعتمادات والتي تعتبر من أقوى لجان الكونغرس، على ذات البند في إطار مشروع قانون المعونات الخارجية الذي سيخفض الإنفاق على وزارة الخارجية الأمريكية والمساعدات الخارجية نحو تسعة في المائة. ووافقت لجنة مجلس النواب على التعديل المتصل «بالبشير» في تصويت عقب التعديل الذي طلبه النائب فرانك وولف لكنه أقر في لجنة الاعتمادات فقط وليس في مجلس النواب بكامله وهو تعديل يستثني المساعدات الإنسانية وفي نفس الوقت يستثني الزيارات حال ان يشهد وزير خارجية الولاياتالمتحدة أنها تمت في إطار دفع عملية السلام بين شمال وجنوب السودان أو إنها تمت بغرض جلب الرئيس البشير أمام القضاء. وبنى وولف «الجمهوري» «مقترحه على ان العزلة الدولية حال فرضها على «البشير» ستؤدي الى سقوطه حسب قوله. وقال «ينبغي ألا يسمح له أحد بالدخول. هذه قضية أخلاقية.» ويشترط القرار تقديم نسخة منه إلى مجلس الشيوخ ليوافق عليه الديمقراطيون قبل أن يعتمده الكونغرس كصيغة معتمدة، في وقت حذر بعض المشرعين من العواقب غير المقصوده للسياسة الأمريكية، وقالت النائبة الديمقراطية نيتا لاوي «إننا جميعا نتفق على ان الوضع في السودان يبعث على الأسف» وأضافت «ان البشير زار خلال الثمانية عشر شهراً الماضية بلدانا كثيرة منها إثيوبيا والصين ومصر وتشاد ومالاوي وقطر وليبيا والسعودية العراق، لو كان التعديل الذي اقترحه زملائي موجودا قبل أن يقوم بهذه الزيارات لتسبب في قطع التمويل الأمريكي لكل هذه البلدان.» ويرى مراقبون أن مشروع القرار إذا مر في مجلس النواب فمجلس الشيوخ - تحت سيطرة الديمقراطيين - سيقر نسخته الخاصة من مشروع الاعتمادات وفي هذه الحالة ربما يسقط التعديل عندما تجتمع لجنة مشتركة من مجلس الشيوخ والنواب لدمج القرارين. وإذا بقي التعديل كما هو فبإمكان اوباما استخدام حق الفيتو لإسقاط مشروع المساعدات الخارجية بكامله طالما ان نتيجة التصويت لم تتجاوز الثلثين. وكحل وسط بإمكان الحزبين حسبما يرى محللون استفسرتهم «الأحداث» إضافة «مادة تسمح للرئيس بتجميد هذا الإجراء طالما رأى انها تخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة وهو ما تم في قوانين أخرى كثيرة. والبيت الأبيض عادة يرفض تقييد سلطته الدستورية في رسم السياسة الخارجية للبلاد. ويبقى احتمال عدم سماح الحكومة الامريكية للقرار بالمرور راجحاً لا سيما وانه سيؤثر على سياسة أمريكا الخارجية مع بعض الدول التي تتلقى المعونة الأميركية. خصوصاً وان الانتخابات الاميركية على الابواب، وهنالك دول عديدة تتلقى المعونة الامريكية مقابل مصالح متفاوتة تقدمها إلى أمريكا، وبذات الوقت تتمتع هذه الدول بعلاقات جيدة مع السودان، بينها مصر وإثيوبيا اللتين تتلقيان المعونة الامريكية بشكل راتب، يضاف إلى هاتين الدولتين دول مثل باكستان، الأردن، أفغانستان، السلطة الفلسطينية. اللافت أن القضية التي تواصل بسببها أمريكا تضييق الخناق على الحكومة السودانية هي أصلاً من اختصاص محكمة مختصة بها؛ هي «محكمة الجنايات الدولية» التي رفض البشير الانصياع لها وتنفيذ قراراتها، وذهب إلى عدة دول دون أن يعيرها أي اهتمام ما جعل الدول المستقبلة أيضاً لا تتردد فى استقباله والاحتفاء بمقدمه رغم علاقاتها الطيبة مع أمريكا وعلى رأس تلك الدول قطر، ولم تبد أي دولة اعتراضها على استقبال البشير حتى الدول التي تكتسب عضوية نظام روما الذي أنشئت بموجبه محكمة الجنايات الدولية، وبين الدول التي زارها البشير دون ان تعترض «تشاد» حيث وصلها في يوليو 2010، و «كينيا» في أغسطس من العام 2010، و «ملاوي» في اكتوبر من العام 2011، وقد رفضت الأخيرة الانصياع لقرار من الدائرة التمهيدية في المحكمة الجنائية الدولية طلبت بموجبه التعاون من أجل القبض على الرئيس البشير وتسليمه إلى المحكمة «في حال دخل أراضي ملاوي». كما أصدر القضاة، بتاريخ 25 أكتوبر 2010 و 1 ديسمبر 2010، قرارين يطلبان إلى جمهوريتي كينيا وأفريقيا الوسطى إبلاغ الدائرة بأية مشكلة تعوق أو تمنع القبض على عمر البشير وتقديمه إلى المحكمة حال زيارته هذين البلدين. وبينما رفض المتحدث باسم الخارجية العبيد مروح أمس التعليق على القرار الأمريكي المرتقب، تشير الوقائع إلى أن المحكمة الجنائية لم تنجح فى تنفيذ قراراتها التي أصدرتها، كما أنها فشلت في السيطرة على أعضائها وإلزامهم بتنفيذ قراراتها.. من واقع أن الدول التي زارها البشير وهي من بين الموقعة على ميثاق روما المنشأ للمحكمة، لكن المفارقة تكمن في تحمس الولاياتالمتحدة الاميركية لضرورة القبض على الرئيس البشير ما دعاها إلى اتخاذ عدة مواقف داعمة للجنائية ليس آخرها خطوة لجنة الكونغرس الاخيرة، على الرغم من أن أمريكا ليست عضواً في المحكمة الجنائية، فهل تقوم الولاياتالمتحدة بما عجزت عنه المحكمة الجنائية، سيما انها تمتلك عدة كروت ضغط لإخضاع الدول الأعضاء في الجنائية لعل أكثر تلك الكروت هي «الاقتصادية» وهو ما لوحت به لجنة الكونغرس في قرارها السابق ذكره. ويرى المحلل السياسي صديق تاور ان أمريكا ما أردات بذلك إلا الضغط على حكومة السودان لتحقيق مزيد من التنازلات في قضايا أخرى، بينها ما يتعلق بالقرار الاممي (2046) الذي به مناحي خطيرة على السودان حسب تاور الذي تحدث ل (الأحداث) مشيراً الى ان الخطورة على ما تبقى من خريطة السودان عقب الانفصال ما يجعل من الصعوبة بمكان قبول الحكومة بالقرار بالشكل الذي صدر به، سيما ما يتصل بالاعتراف بالحركة الشعبية قطاع الشمال وتسوية الأمن في ولايتي جنوب كردفان والنيل الازرق، وهو ما دعا أمريكا لرفع كرت ضغط جديد متمثل فيما ذهبت اليه لجنة الكونغرس الأميركي لإجبار الحكومة على تقديم تنازلات من الصعب تقديمها دون ضغوط. ويشير إلى أن التوقيت قصد به جعل الحكومة عقب انتهاء المدة التي حددها القرار الأممي للمفاوضات مستعدة لتقديم التنازلات في قضايا التفاوض التي يتوقع ان تقابلها دولة الجنوب بمزيد من التسلط بجانب رفع الحركات المتمردة لسقف المطالب. ويتوقع تاور ان تستجيب الدول التي عنتها أمريكا بالتهديد وتقوم بإنفاذ الامر حال ذهاب الرئيس البشير اليها لجهة ان الدول تعاني ظروفاً اقتصادية صعبة لا تجعلها تقوى على الحرمان من المعونة الاميركية، ما يجعلها تراعي مصالحها وعلاقاتها مع أمريكا وتقدمها على ما عداها من مصالح. ولعل مما يشير إلى استجابة الدول الموقعة على ميثاق روما إلى ضغوط أمريكا إقدام رئيس دولة ملاوي «جويس باندا» على الإعلان عن عدم استقبال بلادها البشير الذي يتوقع ان يذهب اليها يوليو المقبل لحضور قمة تستضيفها ملاوي، وقالت «جوينس» إنها طلبت من الاتحاد الأفريقي منع رئيس الجمهورية عمر البشير من حضور القمة، وقالت إنها كتبت للاتحاد الأفريقي بشأن الأمر بسبب التداعيات الاقتصادية التي قد تتحملها ملاوي نتيجة دعوة البشير لحضور القمة. وتابعت وكأنها تستعطف البشير بأن لا يحضر إلى بلادها «دع الاتحاد الأفريقي يقرر موقفه بنفسه، إنه (البشير) ينبغي له أن يسامحنا هذه المرة حيث إننا نكافح لإصلاح الاقتصاد». وقالت «إذا كان لي أن أقول الكلمة الأخيرة فإنني أطلب التماس العذر لنا هذه المرة، حيث يمكن تمثيل السودان على أي مستوى آخر غير الرئيس». وتاكيداً لذلك فإن البشير نفسه سبق وان زار «ملاوي» العام الماضي وهي الزيارة التي أثارت انتقاداً دولياً لملاوي بأنها لا تحافظ على الالتزامات التي تنص عليها عضويتها في المحكمة. عندما رفضت الانصياع لمطالبات المحكمة الجنائية لاعتقال البشير، ما تسبب في توتر العلاقات مع الجهات المانحة بينها الولاياتالمتحدة ودول أوربية. ويشير تاور إلى أن الحكومة في وضع سياسي ضعيف وتعيش في عزلة دبلوماسية من وقع صدور القرار الأممي بالإجماع لأول مرة في تاريخ مجلسي الأمن الدولي والسلم الأفريقي، ويؤكد أن الظرف موات لرفع الكرت الاميركي من أجل التهديد الذي تفهم الحكومة السودانية مباشرة المراد به وتسارع لإنفاذه، ويشير إلى أمريكا وحكومة السودان فهما بعضهما البعض بحيث ان أمريكا متى رفعت عصاها فهمتها حكومة الخرطوم، ومضت إلى إنفاذ المراد وبذلك يتأكد أن أمريكا أحرص الدول على بقاء النظام في الخرطوم لأنه ينفذ كل ما تطلبه بالإشارة عبر الضغوطات، ويتوقع استجابة الحكومة لما ترغبه أمريكا في المفاوضات المقبلة وهي التنازلات في قضيتي أبيي وجنوب كردفان لإعطائهم تقرير المصير على شاكلة ما جرى في الجنوب، وأكد أن محاولة رسم خارطة ولايات جديدة في كردفان عبر اللجنة الرئاسية التي طافت على المناطق الغربية لولايتي جنوب وشمال كردفان ما هو إلا عملية لاستباق للقرار. وعلى أي حال فإن اعتماد القرار ليصبح سارياً وسيستغرق عدة شهور ربما تمتد حتى سبتمبر المقبل.