لا تزال مواقف الجامعة العربية من القضايا السودانية مواقف سلبية إلى درجة كبيرة، بحيث إنها ظلت تفتقر لروح المبادرة والحزم في كثير من الأحيان، وغالباً ما تنحصر أدوارها في كونها أقرب إلى ردود الأفعال أكثر من كونها مبادرات تسعى من خلالها إلى مجابهة التحديات بهدف البحث عن آفاق الحلول، فالموقف الأخير للجامعة العربية من الاعتداء على منطقة هجليج على سبيل المثال وليس الحصر. كان موقفاً سلبياً للغاية بحسب كمال حسن علي سفير السودان لدى مصر ومندوبه في جامعة الدول العربية، والذي انتقد ما وصفها بالمواقف الضعيفة من جانب الدول العربية في إدانة العدوان على هجليج في مؤتمر صحفي عقده في - وقت سابق - بمقر السفارة السودانية بالقاهرة قائلاً: إن مواقف الدول العربية من الاعتداء على منطقة هجليج كانت أقل من مواقف دول أخرى أبعد جغرافيا سواء في قارتي آسيا أم أوروبا، ضاربا المثل في هذا الصدد بالموقف الإيراني، موجهاً انتقادات عنيفة للجامعة العربية مبيناً أن البيان الأول الذي صدر عنها في هذا الشأن كان دون المستوى قبل أن يتم تداركه في بيان آخر تضمن إدانة قوية للعدوان، ولكنها في الآخر أيضاً قد اكتفت ببيانات الشجب والإدانة فقط في هذا الصدد ولم تقم بأي خطوات أخرى حثيثة من أجل السودان، رغماً عن أنه يعد أحد أعضائها البارزين إلا أنها ظلت على موقف الحياد من قضاياه. من واقع الحال لا يليق بالجامعة العربية أن تكتفي بالمناشدات بضبط النفس، وإدانة العدوان وما إلى ذلك من التصرفات، بينما أسباب الحرب تلوح كل يوم فلا بد لها أن تخرج عن مواقفها التقليدية هذه، ففي الوقت الذي تبنى فيه مجلس الأمن الدولي بالإجماع قرارا يطالب السودان و جنوب السودان بوقف الأعمال العدائية في خلال ثمان وأربعين ساعة وحل خلافاتهما ضمن مهلة ثلاثة أشهور تحت طائلة عقوبات، في حال لم يلتزم أي من البلدين بالقرار يعلن المجلس أنه يعتزم اتخاذ تدابير إضافية بموجب المادة (41) من ميثاق الأممالمتحدة، جاءت ردة الفعل المتأخرة للجامعة العربية بعقدها لاجتماع وصفته بغير العادي أعلنت من خلاله تضامنها الكامل مع السودان في مواجهة أي اعتداء يتعرض له، كما قد أعلن الأمين العام للجامعة العربية نبيل العربي بعد زيارته للخرطوم أن موقف الجامعة هو التأييد التام للسودان في كافة قضاياه بجانب الرفض القاطع لكل التدخلات الأجنبية في الشأن السوداني , ودعم كافة الخطوات التي تؤدي إلى حل القضايا الخلافية بين السودان ودولة جنوب السودان، ثمة تساؤلات هنا ظلت تطرح نفسها بإلحاح عن الوضع الراهن، أبرزها: ما هي الآليات التي ستحقق من خلالها جامعة الدول العربية مساندتها للسودان، وهل فعلاً أنها تمتلك كروت الضغط التي تمكنها من التأثير على مجريات الأمور، أم أنها ستكتفي كعادتها ببيانات الشجب والإدانة في كل مرة. وبعد يومين فقط من الزيارة التي قام بها الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي للخرطوم، وما صاحب ذلك من تصريحات ووعود بدعم الجامعة لإقليم دارفور، جاءت الانتقادات المصوبة نحوها من القوى السياسية السودانية تتهادى، فقد أبدى حزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه عراب نظام الخرطوم قبل المفاصلة الشهيرة الشيخ حسن الترابي عدم ثقته في ترجمة تلك التصريحات إلى واقع ملموس على الأرض، وفي ذات السياق قال الأمين السياسي لحزب المؤتمر الشعبي الدكتور كمال عمر في تصريحات صحفية: إن مواقف الجامعة العربية تجاه السودان لم تكن مفصلية، لذا فهي مطالبة بدور أكثر وضوحًا حول قضية دارفور وجنوب كردفان، كما قال عمر إن لديه شعورا بأن الجامعة العربية تفتقد إلى بنية قرارات مفصلية، مشيرًا إلى أنها اتخذت بعض المواقف الجيدة في سوريا وعدد من الدول العربية، لكنها في السودان مطالبة بدور أكثر وضوحًا تجاه الديمقراطية وتحقيق السلام. واللافت للانتباه أن مواقف الجامعة العربية حيال القضايا المفصلية تأتي في الغالب الأعم متأخرة وغير مؤثرة، كما أنها اعتادت السير على خطى مجلس الأمن الدولي في تناغم واضح بحسب المراقبين، وفي هذا السياق يقول المحلل السياسي البروفسير صفوت فانوس في حديثه ل(الأحداث) أمس والذي ابتدر حديثه بأن زيارة الأمين العام للجامعة العربية جاءت متزامنة مع صدور قرار مجلس الأمن الدولي 2046، في إشارة منه إلى أن منظمات المجتمع الدولي تعمل بتناغم مستمر مع مجلس الأمن، مبيناً أن الغرض من هذه الزيارة دفع المجهودات التي يقوم بها ثابو امبيكي وسيط الاتحاد الإفريقي بين السودان وجنوب السودان في إطار مسعى الاتحاد الإفريقي لإقناع دولتي السودان باستئناف المفاوضات، لأفتاً إلى أن الجامعة العربية لا تريد أن تكون هنالك عقوبات على السودان، مؤكداًُ أنها لا تملك دورا كبيرا في حل النزاع مع دولة الجنوب، كما أن هنالك دولا كبيرة داخل منظومة الجامعة العربية ستلعب دور الحياد كمصر والسعودية حفاظاً على مصالح مشتركة التي تربطها مع دولة جنوب السودان ولن تخسرها بأي حال من الأحوال في سبيل الوقوف بجانب الخرطوم، مردفاً كما أن هذه الدول ليس لديها أي استعداد في تحويل الصراع ما بين دولتي السودان إلى صراع عربي إفريقي، قائلاً في ختام حديثه ليس من المتوقع أن تنحاز الجامعة العربية إلى السودان بينما نتوقع منها أن تلعب دورها على ذات النهج الذي تسير فيه الآن. في المقابل يرى المحلل السياسي صديق تاور بأن الجامعة العربية أشبه بمظله للعلاقات العامة أكثر تنظيما من منظمات المجتمع الدولي، مبيناً أنها دائماً ما تكون مع النظام الرسمي للدولة، لافتاً إلى أن المنطقة العربية باستثناء بعض دول الربيع العربي لا تزال تعمل في منظومة متوافقه مع الغرب، كما أن النظام السوداني ليس بعيداً عن تلك المنظومة، مؤكداً صعوبة اصطفاف دول الجامعة العربية إلى جانب السودان في أزمته مع دولة الجنوب، مشيراً إلى أن هنالك مسافة كبيرة ما بين الدول العربية وأفريقيا، قائلاً والحديث لا يزال ل(تاور) إن السودان هو السبب الرئيس وراء إضعاف هذا الدور كما أن الأداء الرسمي للدولة السودانية ساهم في إبعاد هذه المسافة ممارسة وخطاباً وسلوكاً، مشيراً إلى أن دور الجامعة العربية في السودان سيظل مقتصراً فقط على تخفيف حدة الأثر من العقوبات الدولية.