بعد نجاح ثورة الخامس والعشرين من يناير، والتي أطاحت بأحد أعتى طغاة العصر، يرى الكثيرون أن ثورة أرض الكنانة «مصر» تكاد تجهض نهاراً جهارا، وأن حلم شعب مصر في مجتمع الحرية والعدالة والديمقراطية يكاد يتبخر. إذ يرون أن شعب مصر اليوم بين خيارين أحلاهما طعمه العلقم. فإما العودة إلى «الوراء» وانتخاب الفريق أحمد شفيق المدعوم من الجيش والمجلس العسكري والأقباط والليبراليين، أو العودة إلى ما وراء «الوراء» وانتخاب الدكتور محمد مرسي، ممثل حزب الحرية والعدالة المعروف بالذراع السياسي لتنظيم الإخوان المسلمين. فشفيق لن يشفِق على الشعب المصري إذا تم انتخابه في استنساخ عهد «مبارك آخر» بكل ما حمله من فساد سياسي واقتصادي واجتماعي. فالأكيد هو عودة أركان النظام ومراكز القوى السابقين لممارسة الرأسمالية الطفيلية والإقطاعية والصفقات المشبوهة وعمليات التزوير والارتهان وإذلال الشعب والتغول على السلطة القضائية، لينتهي كل ذلك بإعفاء رموز النظام السابق من الأحكام القضائية الصادرة بحقهم، رغم اعتقاد البعض بعدم عدالتها. فشفيق رمز نافذ في عهد الاستبداد وآخر رئيس وزراء فيه، فما المرتجى منه بخلاف ذلك. وفي المقابل فإن مرسي إذا ما تم انتخابه فإنه سيرسوا وسيسير بهم في خطى الدولة الثيوقراطية، وتجارب الإسلاميين المعروفة، من صلف وغرور تسنم الحكم والانفراد بالسلطة واستغلال النفوذ وشراء الذمم لإضعاف بل ولقتل الأحزاب الأخرى، وممارسة كل صور الفساد المالي والسياسي. إن اتهامات شفيق للإخوان بالكذب والتضليل والعودة للظلام والطائفية والانغلاق والرجوع إلى الخلف والإقصاء والإبعاد والفوضى وتعطيل مصالح الناس.. إلخ رغم أنها كلمات حق أريد بها باطل، إلا أنها قد تلامس بعضاً إن لم يكن كل الحقيقة. ويستدل على سير جماعة الإخوان في خطى من حولهم، بالعناوين الكبيرة التي بدأت بها مسيرتها في طريقها للحكم.. وذلك عندما أطلقت أول كذبة «بيضاء» بأن الإخوان غير طامعين في الرئاسة ولا في الحكومة».. ومن ثم نكوصهم عن ذلك بفقه الضرورة (تغير الظروف).. والعنوان الثاني ما صرح به أمين عام الجماعة بألا حديث عن ضمانات». وبجانب أن كون ذلك عنواناً آخر فإنه يثبت كذلك أن «ولاية الفقيه» المفزعة قادمة. وللحقيقة، فإن الثورة لم تجهض بوصول شفيق ومرسي إلى الجولة الأخيرة من الانتخابات الرئاسية فحسب، بل أن السماح للمجلس العسكري بالانفراد في كل القرارات الرئيسية منذ استلامه السلطة، وتأخر إقرار وتطبيق قانون العزل السياسي، وعدم اتفاق القوى الثورية على تقديم مرشح لانتخابات الرئاسة متفق عليه، والموافقة على تعديل جزئي لمواد لدستور، وليس إصدار دستور جديد، كلها عوامل حملت بذور إجهاض الثورة في جوفها. والحقيقة الثانية أنه وبأي الخيارين (شفيق أو مرسي) فمن المؤكد استمرار احتقان الشارع المصري، وقد يطول ذلك الاحتقان، ومآلات ذلك وبالضرورة.. تعطل عجلة الإنتاج وتوقف السياحة وتدني مستوى الخدمات، وبالتالي تدهور الاقتصاد المصري وازدياد إفقار شعب الكنانة. عموماً إنها نتائج ممارسة لعبة الديمقراطية التي ارتضاها الجميع، ولا بديل سوى المواصلة لآخر شوط فيها.