وزير الداخلية يترأس لجنة ضبط الأمن وفرض هيبة الدولة    حملة في السودان على تجار العملة    اتحاد جدة يحسم قضية التعاقد مع فينيسيوس    إيه الدنيا غير لمّة ناس في خير .. أو ساعة حُزُن ..!    (خطاب العدوان والتكامل الوظيفي للنفي والإثبات)!    خطة مفاجئة.. إسبانيا تستعد لترحيل المقاول الهارب محمد علي إلى مصر    مشاهد من لقاء رئيس مجلس السيادة القائد العام ورئيس هيئة الأركان    من اختار صقور الجديان في الشان... رؤية فنية أم موازنات إدارية؟    المنتخب المدرسي السوداني يخسر من نظيره العاجي وينافس علي المركز الثالث    الاتحاد السوداني يصدر خريطة الموسم الرياضي 2025م – 2026م    وزير الصحة المكلف ووالي الخرطوم يدشنان الدفعة الرابعة لعربات الإسعاف لتغطية    إعلان خارطة الموسم الرياضي في السودان    غنوا للصحافة… وانصتوا لندائها    ترتيبات في السودان بشأن خطوة تّجاه جوبا    توضيح من نادي المريخ    حرام شرعًا.. حملة ضد جبّادات الكهرباء في كسلا    تحديث جديد من أبل لهواتف iPhone يتضمن 29 إصلاحاً أمنياً    شاهد بالفيديو.. لاعب المريخ السابق بلة جابر: (أكلت اللاعب العالمي ريبيري مع الكورة وقلت ليهو اتخارج وشك المشرط دا)    شاهد بالفيديو.. بأزياء مثيرة وعلى أنغام "ولا يا ولا".. الفنانة عشة الجبل تظهر حافية القدمين في "كليب" جديد من شاطئ البحر وساخرون: (جواهر برو ماكس)    امرأة على رأس قيادة بنك الخرطوم..!!    ميسي يستعد لحسم مستقبله مع إنتر ميامي    تقرير يكشف كواليس انهيار الرباعية وفشل اجتماع "إنقاذ" السودان؟    محمد عبدالقادر يكتب: بالتفصيل.. أسرار طريقة اختيار وزراء "حكومة الأمل"..    وحدة الانقاذ البري بالدفاع المدني تنجح في إنتشال طفل حديث الولادة من داخل مرحاض في بالإسكان الثورة 75 بولاية الخرطوم    "تشات جي بي تي" يتلاعب بالبشر .. اجتاز اختبار "أنا لست روبوتا" بنجاح !    "الحبيبة الافتراضية".. دراسة تكشف مخاطر اعتماد المراهقين على الذكاء الاصطناعي    الخرطوم تحت رحمة السلاح.. فوضى أمنية تهدد حياة المدنيين    المصرف المركزي في الإمارات يلغي ترخيص "النهدي للصرافة"    أول أزمة بين ريال مدريد ورابطة الدوري الإسباني    أنقذ المئات.. تفاصيل "الوفاة البطولية" لضحية حفل محمد رمضان    بزشكيان يحذِّر من أزمة مياه وشيكة في إيران    لجنة أمن ولاية الخرطوم تقرر حصر وتصنيف المضبوطات تمهيداً لإعادتها لأصحابها    انتظام النوم أهم من عدد ساعاته.. دراسة تكشف المخاطر    مصانع أدوية تبدأ العمل في الخرطوم    خبر صادم في أمدرمان    اقتسام السلطة واحتساب الشعب    شاهد بالصورة والفيديو.. ماذا قالت السلطانة هدى عربي عن "الدولة"؟    شاهد بالصورة والفيديو.. الفنان والممثل أحمد الجقر "يعوس" القراصة ويجهز "الملوحة" ببورتسودان وساخرون: (موهبة جديدة تضاف لقائمة مواهبك الغير موجودة)    شاهد بالفيديو.. منها صور زواجه وأخرى مع رئيس أركان الجيش.. العثور على إلبوم صور تذكارية لقائد الدعم السريع "حميدتي" داخل منزله بالخرطوم    إلى بُرمة المهدية ودقلو التيجانية وابراهيم الختمية    رحيل "رجل الظلّ" في الدراما المصرية... لطفي لبيب يودّع مسرح الحياة    زيادة راس المال الاسمي لبنك امدرمان الوطني الي 50 مليار جنيه سوداني    وفاة 18 مهاجرًا وفقدان 50 بعد غرق قارب شرق ليبيا    احتجاجات لمرضى الكٌلى ببورتسودان    السيسي لترامب: ضع كل جهدك لإنهاء حرب غزة    تقرير يسلّط الضوء على تفاصيل جديدة بشأن حظر واتساب في السودان    استعانت بصورة حسناء مغربية وأدعت أنها قبطية أمدرمانية.. "منيرة مجدي" قصة فتاة سودانية خدعت نشطاء بارزين وعدد كبير من الشباب ووجدت دعم غير مسبوق ونالت شهرة واسعة    مقتل شاب ب 4 رصاصات على يد فرد من الجيش بالدويم    دقة ضوابط استخراج أو تجديد رخصة القيادة مفخرة لكل سوداني    أفريقيا ومحلها في خارطة الأمن السيبراني العالمي    الشمالية ونهر النيل أوضاع إنسانية مقلقة.. جرائم وقطوعات كهرباء وطرد نازحين    شرطة البحر الأحمر توضح ملابسات حادثة إطلاق نار أمام مستشفى عثمان دقنة ببورتسودان    السودان.. مجمّع الفقه الإسلامي ينعي"العلامة"    ترامب: "كوكاكولا" وافقت .. منذ اليوم سيصنعون مشروبهم حسب "وصفتي" !    بتوجيه من وزير الدفاع.. فريق طبي سعودي يجري عملية دقيقة لطفلة سودانية    نمط حياة يقلل من خطر الوفاة المبكرة بنسبة 40%    عَودة شريف    لماذا نستغفر 3 مرات بعد التسليم من الصلاة .. احرص عليه باستمرار    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



منصور الصويِّم..التهميش في سياق الأدب
نشر في الأحداث يوم 19 - 06 - 2012

شارك مؤخراً الروائي السوداني؛ منصور الصوِّيم، من بين ثمانين كاتباً من مختلف أنحاء العالم في المنتدى العالمي السادس للرواية الذي عُقد في ليون بفرنسا مؤخراً. وجاء عنوان المنتدى تحت شعار: (المنبوذون والمهمشون). شارك الصويِّم بورقة بعنوان: «اللامنتمون والطبقات الدنيا». وقد تفرعت الورقة عن مفردة معجمية اختارها الصويِّم لتكون مدخلاً للعنوان الرئيس للعمل المشارك في المنتدى لتنشر في ما بعد في القاموس ضمن أعمال المنتدى، ووقع اختياره على مفردة «الهامش» كمدخل للبحث المقدم. دُعي الصويِّم للمشاركة في المنتدى لصلة روايته بموضوع المنتدى، فقد حظيت رواية (ذاكرة شرير) باهتمام واسع على المستويين المحلي والعالمي، فحازت على جائزة الطيب صالح للرواية في العام 2005م وترجمت إلى اللغة الفرنسية وتناولها العديد من الكتاب والنقاد بالدراسة والتحليل.
بعد المقدمة (المفردة المفتاحية) يقفز الصويِّم متسائلاً في إعادة السؤال عن دور الأدب، ومن ثَّم علاقته بالمحيطين من حوله كمعطى إنساني مُكِّوناً عنصراً يستلهمه الأدب في رمزية التأويلات التي تسعها مواعين اللغة، أي الكتابة والتعبير ورصد وسرد ما ينعكس من الواقع على سياقات الأدب. وقبل الشروع في تحليل محتوى الورقة لابد من التوقف قليلاً؛ لماذا طرح الصويِّم دور الأدب ابتداء وهو السؤال الذي يؤكد على قدمه ومحاولات طرحه في كل مرة؟ ما الأدب، تساؤل ابتدر الفيلسوف الفرنسي جون بول سارتر في مؤلفه الأشهر ما الأدب Quest-ce que la littérature ؟ حين أسقط مبدأه الوجودي حول مدى التزام الكاتب تجاه قضاياه المصيرية على فرضية المبدأ الوجودي الذي تمثله رؤاه الفلسفية وأعماله الأدبية. فلم تعد ماهية الأدب أو توظيفه في حدة التساؤل الايدولوجي في المرحلة التي تساءل وحاول الإجابة الفيلسوف الوجودي ذو النزَّعة الاشتراكية. فكما للأدب في كل عصوره ثمة سلطة دائماً ما كانت تعلوه مُشكلة مصدر خطاب وبالتالي محددة مساراً يسير عليه الأدب ومخاطباً فئة بعينها. ومن هنا نتج ما عرف بالاتجاهات الأدبية، ليست قصراً على أسلوب الأدب نفسه؛ بل وصبغه برؤى أيدولوجية شموليَّة حتى أن محاولة الفصل بين الأديب ومذهبه الأيدولوجي بدا محاولة لإلغاء أحدهما. إن الأدب لا يمكن بحال فصمه عن التأويلات الفنية والفلسفيّة على النحو الذي حاول الشكلانيون الروس أن يجعلوا من اللغة مادة للأدب، الأمر الذي أدى إلى إشكاليات أسلوبية كانت مكان دحض ومراجعة من كبار الفلاسفة والنقاد.
إن الأدب من بين التيارات الإنسانية في الفكر الإنساني وأدوات معرفية تحاول التفاعل والبحث عن صيغة لفهم ظواهر تحيط بالإنسان وفق المبدأ الماورائي، أي ما يغيب ويعصى على الفهم والتفسير. أعقب تساؤل الفيلسوف الوجودي أنماط من التشكلات الفكرية ربما غيرت من وجهة مسار الأدب وعلاقته بالشأن الإنساني العام وخصوصية رؤية العالم فنيا من رؤى واقعية وبنيوية وتفكيكية وإنسانية حاولت تمثل العالم فنيا وتجاوز الواقع من خلال الإبداع الفني والفكري وما ينجزه من قيم معيارية. تقاطعت هذه النظريات مع العلوم لإكساب البعد الإنساني معنا إنسانيا، لفائدة الإنسان في المطلق أو بتعبير الصويِّم كوجود إنساني يستحق الحياة.
إنَّ المدخل الذي تأسست عليه محاولات الصويِّم للإجابة عما طرحه من أسئلة بدت معقدة في - المعالجة والإحالة – استندت على تجربته الشخصيّة كروائي منتجاً للأدب من واقع أعماله والعالم السردي الذي تبنته شخوصه الروائية ولم يكتف بالمدخلات التعريفية في تناول ظاهرة التهميش من حيث السياق الاجتماعي والسياسي والتاريخي. ومن هنا يحال التهميش من ظاهرة وصفية في التعريف الاجتماعي وإسقاط سياسي عنيف لا يتوقف خطابه عند حدود التنظير، إلى معالجة مفترضة في سياق آخر لا تخفف منهجية فنية الأدوات الفنية المستخدمة في التحليل من حدته ومحاولة فهمه. والهامش من حيث التوصيف الاصطلاحي، هو أنه لا توجد البؤر المهمشة إلا في مقابل وجود مركز أو ما عرف في الأدبيات الثقافية مؤخرا بجدلية المركز/الهامش. فالتهميش ظاهرة اجتماعية انسحبت على المكونات التي يتكون منها المجتمع المدني، ومن ثم الدولة، المؤسسة المدنية التي تفرض وتطبق وتحتكر حق تفسير القوانين. وفي منحى آخر تمنحُ الاعتراف الطبيعي لرعاياها وتفصل بين مواطن المركز من حيث أنه فرد جدير – وفق الأعراف - قبل الدساتير بالتمتع بامتيازات الدولة ورعايتها. أما إنسان الهامش فترك لمكابدة ظروفه الطبيعية دون تدخل من الدولة التي لا تنتمي إليه في الأصل رغم وجوده في المكان الذي يمنح الدولة حقا لسيادة أراضيها! ركزّ الصويِّم على الآخر (إنسان الهامش) دون تأطير جهوي أو إثني أو سياسي وأشاد – برأيه- فضاءً روائياً حيث سؤال المعنى والوجود. وبهذا يكون النص الروائي تعويضاً عن المحيط الفيزيقي للإنسان من جغرافيا وأواصر عائلية ومؤسسات رسمية تصعيداً لمأساة الهامش إلى فضاء تعبيري تتجلى فيه كما يقول ذواتنا غير المهمشة.
إذن يتحرك التعريف للفئات التي اختارها الصويِّم مادة للبحث ومصدرا إلهام لبنائه الروائي «اللامنتمون والطبقات الدنيا» في مسارات متداخلة بقصد إعادة التعريف من حيث المقاربة الموضوعية كمصطلحات علم الاجتماع وقدرة اللغة في إعادة التعريف بالفئة المستهدفة بالدراسة أو الكتابة. فالتهميش حالة من المنازعة وموقف له متغيرات تدفع به إلى أقصى درجات المواجهة تفاعلا بين المُهمَش وقوة الإزاحة الاجتماعية التي لا تني في إبقائه حيث هو. فالشاهد أن النصوص أو المعالجات التي تتناول التهميش تحاول من خلال آليات البحث التوصل إلى التحليل من خلال مركبات الظاهرة نفسها كالدراسات وعمليات المسح الاجتماعي وما يندرج تحت إطار – باللغة الاكاديمية الدارجة – البحث العلمي. ولكن كيف للأدب أن يتناول ظاهرة تخصُّ الفرد أو الإنسان ومأزقه الوجودي كما يصفه الصوِّيم؟
التصنيف الذي اختاره الصويِّم أو الفئات التي حاول النظر إليها وعلاقتها بالأدب أو الكاتب في تقييد العلاقة ودور كل منهما نحو الآخر هي كما جاء في إفادته «اللامنتمون والطبقات الدنيا» إن اللامنتمين وصف ليس بالضرورة تعبير عن هامش له هوية محددة. إن الشخض اللامنتمي يعاني من حالة اغتراب تتكامل عواملها الفردية ومؤثراتها النفسية، وأحيانا يكون الاغتراب توترا حادا بين الفرد ومجتمعه حين يتدهور التكيف المجتمعي. ولكن الطبقات الدنيا تبقى الإشارة البارزة في سطح التكوينات الإنسانية ودرجة وجودها الحيوي في سلم التراتب الاجتماعي والثقافي والسياسي. فلعل الرابط بينهما التجاذب والانفلات بين الفرد ودائرة تمثليه الاجتماعية؛ فالأول اختياري والأخير قسرِّي. يشير الصويِّم إلى أن الأدب كان دائما له دور في التغيير والانتقال مستخدما أداتي الإدراك والوعي، ثنائية من ضمن آليات المعرفة في بعدها الفلسفي وشعوراً عقلانياً مُسنداً بالتراكم المعرفي، ولم يذهب بعيدا في التوسع – ربما تقيدا بمحددات الورقة- حول كيفية تفاعل هذا الانتقال أو التغيير ضمن محددات المسارات التاريخية للأدب. ولكن يبقى الأدب محملا بعبء هذا التغيير في وجود وتزايد الإزاحة التي تنتج فئات دون الطموح الانساني. يفترض الصويِّم أن الأدب حين يكون أدبا أصيلا وخالصا وانسانيا بإمكانه خلق حالة تواصلية إنسانية يتوحد عندها الشعور بالألم أيا تكن المسافات التي تفصل بين الناس. الرؤية هنا مشبعة بتفاؤل ربما أوحت به اللغة التي يتبناها الأدب، والأدق أن شخوص الصويِّم الروائية التي تناولها في روايته (ذاكرة شرير) استطاعت أن تتوحد بالشعور الإنساني في مجمعات الشماسة (المهمشين). فالشخصيات الروائية هي في الأساس من خلق الكاتب كما يرى الناقد الروسي ميخائيل باختين في تناوله للمشكلة الشعرية لدى دستويفسكي. فإذا كانت هناك شخوص، يفترض وجود مجال حيوي أيا تكن درجة تهميشه يتجذر فيه المشترك الإنساني من لغة وثقافة وحالة من الحوار تتيح له التعبير والتعامل. وهي الوسائل التي يحتاجها الأدب في تصوير الواقع قبل تغييره، لأن المتخيل الأدبي لا يحول واقعا ما إلى إحالة مروية Narrated من واقع أدوات ذلك الواقع. فاللغة والثقافة التي تعبر بها الشخوص (المهمشة) لا تنتمي إليه من حيث السياق الدلالي لأن المفردات اللغوية - برأي الصويِّم – تتحول إلى علامات دالة عليه في المتن الروائي. وعليه تقف اللغة عاملاً محايداً وليست أداة تواصل بين ما يراه الكاتب وشخوصه في النصوص والواقع الطبيعي الآخر الذي لا يملك قدرة التوصل إلى فهم ما يجري حوله، حالة من التغييب تتطلب من الكاتب (الأديب) التعامل مع نتائجها لا مسبباتها من خلال تسليط الضوء على آلامها. وهو ما تصفح عنه اللغة في نظمها الفني وتشكلها السردي في التعاطي مع واقع الحدث الروائي. لا تتوقف المحاولات في السرد، في بناء شخصيات وفق الطريقة المبدئية للسرد حيث تحاول الشخوص تنظيم واقعها لفهم الزمن في تطور الأحداث، وما يبديه التساؤل الملتبس حول متى يبدأ الزمن في العالم الواقعي ومن أين يبدأ الراويّ، الجزئية التي تتحدى الكاتب في الإمساك بها لخلق تصور ينبض بالواقع ولا يحاكيه.
رواية (ذاكرة شرير) موضوع البحث شكلت المستوى التحليلي الذي يشكل مرجعية في مراجعة ظاهرة التهميش في إفادات الصويِّم وقراءاته للعلاقة بين الأدب ومحاولاته في الاقتراب من وقائع اجتماعية متنحية. يقول الصويِّم إن روايته قد تناولت قضايا المعاقين والشحاذين والمشعوذين ومن هم في حكم التغييب وبالطبع غير المشمولين بقوانين المواطنة. ومن هنا تركز الاهتمام من دوائر ومؤسسات عديدة بقيمة العمل ومحتواه الإنساني بتناوله لشرائح مصابة بالاعتلال الاجتماعي في واقع تمكنت فيه الرواية من كشف للتناقض الذي يعيشه المجتمع من منظور اجتماعي وديني في بلد تتنازعه هويات تعددت فيها الهوية والإثنية وشروط التكوين ودرجة الاعتراف على مستوى التكوينات الاجتماعية والسياسية. كاشفاً بذلك ونازعاً وهم الإنسان وتصوراته المركزية Anthropocentric في وجوده الذي بتعدد بالمؤثرات الكونية والروحية، ومنتجاته الثقافية في سياقيها المادي (الحضاري) والمعرفي (الثقافي). لا تحلل نفسية الشخوص في رواية (ذاكرة شرير) إلى عوامل ونزعات وشهوات فردية بسيطة، بل تفاعلاً يستدعيه النسق الاجتماعي لهذه الفئة ليتماسك بناؤها الاجتماعي بالمعايير المتاحة، وأن بدت هذه التشكلات مدانة ومجرمة من قبل النمط الثقافي السائد. ربما لم يكن التوافق غير المقصود بين المعالجة الفنية المتماسكة في بنية السرد وتشكيلة العلاقات الناظمة لمجموعة الهامش إلا بالحدّ الذي يفضي إلى اشتقاق العلامات التي ترمز إلى محددات ثقافية بعينها. ويتحول الإطار العام كالنصِّ الروائي والواقع الاجتماعي المحيط إلى حقل ملغوم تتفجر فيه الأسئلة وتُجرد القيّم من مضامينها النسبية. فحياة آدم كسحي الشخصية المركزية في الرواية (البطل) تتصاعد عاكسة لتجربة إنسانية وقد نُزِّع عنها المسكوت في طبقات العقل الاجتماعي الجمعي. ولا تخلو مسيرة حياة كسحي من مفارقات عادية محتملة الحدوث في حياة الشخص الطبيعي دون أن تحدث خللا يُؤطر للشخصية الهامشيِّة في مسلكها الحياتي العام. فالرغبة والرهبة نزعات كامنة في النفس البشرية، لا يحدُّ منها إلا المرجعيات السلطوية القائمة في مُسطّحات المجتمع ظاهرياً. ولكنّا نقف أمام خصوصية ثقافية على مدى تحرك الشخوص الروائية ودرجة استجابتها ومقاومتها للتهميش. يحدث هذا ويُعبر عنه بطرائق غير مألوفة في ممارسة الاحتجاج والرفض نسبة لاختلاف الخبرات الاجتماعيِّة والنُظُم التي تنتجها ثقافة المهمشين في رواية ( ذاكرة شرير) في مقابل نظم مغايرة وأكثر تطوراً لأنها منظومات ثقافية ينطبق عليها الوصف الأنثروبولجي للثقافة في ظروفها البدائيِّة. فثقافة المهمشين وغيرهم من الفئات المعزولة كغيرها من الثقافات التي لا تقبل الاختزال، أو الاندماج بالتعبير المعاصر في نسق الثقافة المهيمنة. ويطالب الصويِّم الكاتب (الأديب) بسلسلة من الخطوات التي يجب اتباعها للاقتراب من دائرة المهمشين لفهمهم والإحساس بآلامهم وذلك بالتماهي والذوبان الشعوري لسبكهم جمالياً في منجزه الأدبي. ومن الواضّح أن هذه الخطوات تضع حداً بين إنسانية هؤلاء المهمشين المفترضة والمصدر الذي يتعاطهم كقضايا وعينات للبحث أو مادة تلهم النصَّ الأدبي – لسبكهم جمالياً- لإنجاز مهام البحث أو حشدهم لإغناء النصّ الروائي. لا توحي محاولات الكاتب في الاستفادة من مخزون آلام الإنسانية بالقصور أو العجز عن لعب دور أكثر واقعية مع قضية يتصدى لها بأدوات محدودة التأثير. فالمحور الذي يدور حوله دور الأدب كما يفترضه الصويِّم هو الاتجاه نحو البؤر الأكثر اظلاما (المهمشين) لا في طبقات النفس الإنسانية فحسب، ولكن حتىَّ في أتون المجتمع معربا عن معاني ومفسرا بغير الزام مجمع عليه رؤيته لما يتصوره من أفكار وأن بدت متخيلة. وتقول كاتبة الغارديان آليس كوتري : «إن كتابات الصويِّم تنقب عميقاً في الأوعية الجنس- نفسية للعالم التحتي وفي التجاويف الخفية لثقافة المدن. فالصويم يستكشف المعضلة والجوانب العالمية في سياق إنساني أرحب بشكل عام وعن بنية مجتمع أفريقي من النادر أن نصل إليه. إن الوحشية والمشاهد القاسية في هذا الكتاب الرائع (ذاكرة شرير) وقدرته على رسم التداخل بين عوالم أكثر قطاعات المجتمع السوداني تهميشا ربما قورنت بالخبز الحاف في مذكرات العالم التحتي لمحمد شكري. فقد تصلح المقارنة بالنسبة إلى العاطفة الملحاحة لكتابات الصويِّم وإجادته للوعي غير الشخصي، غض النظر عن موضوعها الحسي – ولكن هناك سرد قيثاري لا صلة له بلغة محمد شكري المتدنية الفظة. خلال سنوات من البحث المكثف بعين غريزية حادة لأنثروبولوجي، فإن الكتاب عمل ملحمي وتوثيق مكثف ودقيق زرع فيه الصويم الجسد العاجز لبطله مع جهد مستنفد يرتفع لرسم أمواج هادرة لمجتمعه ككل، لينقض على التفاصيل الدقيقة لعالمه الداخلي وحياته اليومية بالتزامن مع أسلوبه الاستثنائي».
إن قراءة الصويِّم للتهميش بحسب الأطروحة المقدمة لا تقدم التهميش مقروءا في أبعاده الاقتصادية والسياسية والإثنيِّة كما هو الشأن في الكتابات التي تنظر إلى واقع السُّودان كمكان موبوء بظواهر اجتماعية سلبية يشكل التهميش أبرز نقائضها. فتجاوز إلى قضية جوهرية تخصُّ الإنسان في مأزق الهامش الذي لا ينتهي إليه التهميش كملفوظ اجتماعي بقوة التصورات الثقافة التي تتصدى لإنسان الهامش في كافة الجبهات. فتدخل الكاتب ليس تقحماً لفحص واقع لا ينتمي إليه لا يتم دون رؤية مسبقة مستخدما أدواته في الكتابة ونزعاته الواعية وفي التأمل والإدراك لنقل الواقع متحولاً إلى دلالات رمزية في النصّ السردي ناقلاً ما يعده حلقات متنافرة تتداخل في منظومة اجتماعية أخرى لا تنثني في تصعيد صراعها وصولا إلى مساواة في الفعل والشعور. لم يكن تدخل الصويِّم أو اقترابه عفوياً للكتابة عن شريحة مهمشة دون أن يُحدد المسارات التي تتأول الوسائل الفكرية والمنهجية في تقصي الشخوص والأحداث وفقاً للتقسيمات المنطقية للكتابة بما يتجاوز طبيعة الواقع الماثل ويضع بالتالي الكتابة في مواجهة التهميش بالمعنى الاجتماعي في السياق الأدبي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.