ظلت مبانيها المطلة على المجلس القومي للصحافة والمطبوعات تعلو يومياً بينما تتقاصر أدوارها الفعلية أو تكاد تختفي تماماً بعد أن ملأت الدنيا ضجيجاً خلال العام الماضي 2011 إبان توليها لملف الحوار مع الأحزاب للمشاركة في الحكومة الحالية والمسماة ب(العريضة)، رغم غياب أحزاب تاريخية كبيرة عنها، والتي ربما صارت من التاريخ خلال الأيام المقبلة بعد نية الحكومة تقليصها جراء الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها الدولة بعد انفصال الجنوب وخروج النفط المورد الأساسي للدولة طوال الأعوام الماضية، إنها مستشارية الأمن، وما أعادها إلى واجهة الأحداث الآن قرار رئيس الجمهورية بإعفاء مستشاريه كافة من مهامهم. غير أن مستشاره للشؤون الأمنية، والذي كان يدير تلك المستشارية، فقد تم إعفاؤه منذ وقت طويل قبل هذه الأزمة التي أطاحت برصفائه، غير أن المستشارية مازالت موجودة ومبانيها تتطاول كل يوم بالرغم من الخطة التقشفية التي تتبعها الحكومة، هذا الأمر جعل الكثيرين يتساءلون: هل اختفى دور المستشارية؟ وهل الدور الذي تقوم به يرقى لأن يخصص لها مبنى بهذه الضخامة؟!، غير أن السؤال المهم الذي يتبادر إلى الأذهان: أين هي مستشارية الأمن؟ وماهية أدوارها، وهل تلاشى دورها بعد إقالة مستشار الرئيس للشؤون الأمنية الفريق صلاح قوش والرجل الثاني أيضاً اللواء حسب الله عمر في حالتين نادرتين جراء قياداتهما لحوار الأحزاب للمشاركة في الحكومة؟!.. والغريب في الأمر أن الرجلين تمت إقالتهما بنفس الطريقة. فالاثنان أطاحت بهما زلات لسانهما. فالأول تحدى حزبه، وعلى رأسهم رجل الإنقاذ النافذ ونائب رئيس الحزب د. نافع على نافع ما قاد للإطاحة به، بينما أطيح ب(حسب الله) بعد أن قال "إن تعارضت الشريعة في حوارهم مع الأحزاب فلتذهب". وهو ما نفاه الرجل لاحقاً، خاصة وأن المستشارية قامت بأدوار كبيرة أشهرها الحوار مع الأحزاب، والذي قاد في نهاية المطاف بدلاً عن مشاركة الأحزاب في الحكومة إلى الإطاحة بالرجلين من على قيادة المؤسسة، خاصة وأن هناك كثيراً من الهمس الذي دار وظل يدور طوال فترة رئاسته "قوش" للمستشارية بعد إقالته أيضا من على سدة جهاز الأمن والمخابرات الوطني في ظروف غامضة بعد أن رشحت أنباء بان أدوار الرجل تضخمت، وما عاد بالإمكان في ذلك الوقت السكوت عنها، ذلك الهمس الذي أشار صراحة إلى أن "المستشارية الأمنية" تم انشاؤها إرضاءً للرجل، خاصة وأنه كان يحمل أسراراً بالغة الحساسية والدقة، يمكن أن تتسبّب في كثير من المشكلات للدولة لو أن الرجل خرج عليها. غير أن عضو المستشارية السابق والرجل الثاني فيها اللواء حسب الله دافع عن المستشارية وعن فعالية أدوارها حتى الآن. وقال في حديث ل(الأحداث) عبر الهاتف أن النهج الذي دعت له المستشارية في السابق، والطرح الذي كانت تطرحه، وبرنامج الحوار الذي صممته مازال وسيظل المخرج والوحيد وكل الدعوات الموجبة التي ظهرت فيما يتعلق بالحوار مع الأحزاب لم تخرج في أصلها وفق حسب الله عن البرنامج الذي طرحته المستشارية، ويرى أن الناس لو يقتصروا المال والزمن عليهم الرجوع لما رتبت له المستشارية، خاصة تلك البحوث التي أعدتها المستشارية، والتي خلص العمل فيها، وأن الرؤية عندها أصبحت واضحة، داعياً أصحاب القرار إلى الاستفادة من تلك البحوث بدلاً عمّا أسماه "اللف والدوران"، والاستفادة من تلك الإعدادات التي تتواجد في (الأضابير) الآن على حد وصفة، نافيا أن يكون دور المستشارية قد تراجع عقب خروج "قوش" وشخصه ، مشيرا إلى أن دورها أن تملك الناس نهج ورؤية أن قام الناس باتباعها، فسيكون لها دور، أما أن ظلوا يصرفون النظر على تلك الرؤى، وذاك الدور فلن يكون للمستشارية دور خلال المرحلة المقبلة. فيما يرى خبير استرايجي وأمني فضل حجب هويته أن المستشارية قامت على أسس معينة وهي الآن يعاد ترتيبها وفقاً للمتطلبات والأسس الجديدة، غير أن الخبير يرى في حديثه ل(الأحداث) أن المستشارية لا تستمد قوتها من الأشخاص في إشارة إلى تراجع دورها عقب إقالة اثنين من النافذين فيها خلال الفترة الماضية، مشيرا إلى أن قوتها تستمدها من القانون، لكنه عاد وأكد أن "قوش" أضاف الكثير لها وأن دورها ما زال قائماً وفعالاً، وأن إنشاءها لم يكن لترضيات لجهة أن تلك المستشارية ذات حساسية عالية، وعليها أن تلعب أدواراً كبيرة في المستقبل القريب بل وتلعب دوراً مهماً في الوقت الراهن. في الوقت ذاته يرى اللواء محمد العباس انه، حتى وإن تراجع دور المستشارية خلال الفترة الماضية، ولم يتم تعيين مستشار للشؤون الأمنية في الحكومة الجديدة، فإن هناك ثلاث جهات تقوم بهذا العمل متمثلة في جهاز الأمن والقوات الشرطية، بالإضافة إلى الاستخبارات. ويرى أنه من الأهمية بمكان وجودها في الوقت الراهن؛ لأن الضرورة تملي وجودها، وهي غير متأثرة برحيل الأشخاص، وبالأجواء الحالية. ويذهب العباس في حديثة ل(الأحداث) إلى أن مستشارية الأمن مهمة بالنسبة لرئيس الجمهورية الذي يمكن أن تقدم له الشورى فيما يتعلق بالقرارات الأمنية، وربما السياسية في بعض الأحيان، معتبراً وجودها يخدم بصورة كبيرة إستراتيجية الدولة. وعن تأثرها برحيل صلاح قوش يري العباس أنها يمكن أن تتأثر برحليه؛ وذلك للشخصية "الكاريزمية" الطاغية لقوش بحكم المهنية الكبيرة التي اكتسبها من العمل في جهاز الأمن والمخابرات، بجانب أن هناك شخصيات يقومون بقيادة أجهزة حساسة في مراحل أكثر حساسية لذلك تظل شخصيتهم مؤثرة وطاغية، لكنه لم يستبعد أن يأتي شخص لقيادة تلك المؤسسة، مشيراً إلى أن المستشارية يمكن أن تلعب دوراً رئيساً وكبيراً خلال المرحلة الحالية والمقبلة؛ لجهة أن الشؤون الأمنية من أولويات الدول، خاصة الكبرى منها. ويبقى السؤال قائماً، هل الخطوة التي اتخذتها رئاسة الجمهورية بالغاء منصب "مستشار الرئيس" يلغي كل المستشارية "الأمنية " التي قاربت مبانيها على الانتهاء أو ربما انتهت أم ستتراجع الرئاسة أمام أهمية تلك المستشارية والإبقاء عليها بالرغم من إعفاء مستشاريها قبل إعفاء الآخرين بما يقارب العام؟!.