ولا تبدو غريبة تبادل الاتهامات ونظرات الشك والريبة التي تتبادلها أمريكا والخرطوم ما بين الفينة والأخرى. وقد ظلت العلاقة بين الدولتين في حالة شدٍّ وجذب. فتارة تهدأ وفي أخرى ترتفع وتيرة الحدّة؛ الأمر الذي جعل كلتيهما لا تثقان في مواقف بعضهما البعض. ودائما ما تمضي الخرطوم لاتهام واشنطن بأنها تسعى لزعزعة السودان بل وتعمل جاهدة لذلك، وما أن تجد فرصة إلا واغتنمتها لتحقيق مآربها الرامية لذلك؛ الأمر الذي جعل الخرطوم في كثير من المحافل والأحايين تصرح بأن انفصال الجنوب جاء وفقا لمخطط وضعته امريكا ونفذته الحركة الشعبية. مؤكدة أن أمريكا دائماً تسعى لمصالحها مهما تعالت الاثمان، وتواصلان لمسيرة عدم الثقة بين الدولتين فإن الخرطوم إبان الأيام الفائتة اتهمت واشنطن صراحة بأنها تسعى لإسقاط نظام الخرطوم، وبل تعمل لذلك، وتجدد اتهام الخرطوملواشنطن على خلفية تحذير أطلقته واشنطن لرعاياها بالعاصمة السودانية ودعتهم لأخذ الحيطة والحذر، بيد أن مصادر حكومية نافذة قللت من التحذيرات التي أطلقتها واشنطن لرعاياها بالخرطوم، ومطالبتها لهم بأخذ الحيطة في أوقات تنقلهم بالعاصمة السودانية. وكانت واشنطن قد أطلقت تحذيراتها لرعاياها بالخرطوم، وحثتهم على أخذ الحيطة والحذر؛ وذلك بعد أن اندلعت بعض المظاهرات الاحتجاجية في العاصمة السودانية الخرطوم، وبعض الولايات في السودان عقب الإجراءات الاقتصادية التقشفية الجديدة التي أقرّتها الحكومة السودانية، والتي رفعت بموجبها الدعم عن المحروقات وزيادة أسعار السكر. والخرطوم، التي طالما شككت في نوايا واشنطن تجاهها، اعتبرت تحذير الأخيرة لرعاياها لا يعدو أن يكون نوعاً جديداً من ألاعيب واشنطن تجاهها. واتهم المؤتمر الوطني الحزب الحاكم في السودان الإدارة الامريكية بقيادة مخطط يهدف لزعزعة الرأي العام العالمي حول السودان، واظهاره وكأنه يمر بحالة من الاضطرابات وانعدام الأمن. وأكد الناطق الرسمي باسم المؤتمر الوطني بروفيسور بدرالدين إبراهيم أن واشنطن تدعم خط المعارضة لإسقاط النظام. وأشار إلى وجود حملة في المواقع الالكترونية تبث من خلالها معلومات مغلوطة وغير صحيحة عن الأوضاع في البلاد، منوها إلى أنها تهدف لتشويه صورة السودان ودعم خط المعارضة إلا أن حديث المؤتمر الوطني لم يبدُ رائقاً للمحلل السياسي "عزالدين المنصور". وأكد في حديثه ل(الأحداث) أمس أن خطوة واشنطن تصب في إطار الروتين الذي تتعامل به أمريكا مع كل رعاياها في مختلف الدول والتي ترى أن من واجبها تجاه رعاياها أن تطالبهم بأخذ الحذر والحيطة عندما تكون هنالك أحداث احتجاجية أو مظاهرات في أي دولة، مؤكداً أن واشنطن اتخذت ذات الخطوة في مختلف الدول التي اندلعت فيها المظاهرات والاحتجاجات.. وتلك الفرضية هي ذات ما مضى إليها المحلل السياسي الدكتور صديق تاور. وقال في اتصال هاتفي مع ال(الأحداث) أمس إن مطالبة واشنطن لرعايها بتوخي الحذر في الخرطوم أمر تلقائي تقوم به كل الدول لرعاياها في أي بلد به توترات، لكن تاور عاد بحديثه، ليؤكد أنه ليس بمستبعد على أمريكا أن يكون لديها مخطط تريد تنفيذه عبر ما مضت إليه. ليست المرة الأولى، ويرى المراقبون أنها حتماً وبالتأكيد لن تكون الأخيرة، التي تشكك فيها الخرطوم بالسياسات أو المواقف الأمريكية تجاهها.. ودائماً ما ترمق الخرطومواشنطن بنظرات متشككة ومغلفة بغلاف الريبة وعدم الاطمئنان؛ حتى وإن جاءت تلك المواقف منصبة في خانة مصلحة الحكومة السودانية. فالأخيرة لا تثق مطلقا فيما تقوله أمريكا. وتعتبرها دائما ساعية للمصالح الخاصة. وفي خطوة عدها الكثير من المراقبين مغايرة للسلوك الامريكي الذي ظل يتعامل به مع الملفات السودانية، وفي سابقة نادرة أقرّ المبعوث الأمريكي الخاص ومستشار الإدارة الأمريكية لدارفور "دين سميث" بوجود تحسن وتطور ملحوظ في الأمن والاستقرار على أرض الواقع بولاية جنوب دارفور مقارنة بآخر زيارة سجلها للولاية. وأشاد "سميث" لدى لقائه والي جنوب دارفور عبدالحميد موسى كاشا بنيالا آنذاك بجهود حكومة الولاية فى تعزيز الأمن، مطالباً بالحفاظ على هذا المستوى من الأمن والاستقرار؛ حتى يسهم فى تنفيذ البرامج والمشروعات. وطالب أطراف النزاع بدارفور بضرورة إبداء حسن النية والمرونة في المفاوضات للإسهام في جذب الاخرين للعملية السلمية، خاصة أن المجتمع الدولي يرغب في انضمام الأطراف كافة لسلام دارفور. ورغم تصريحات سميث التي جاءت مشيدة بالأداء الحكومي، إلا أن الحكومة في ذلك الوقت الذي قال فيه "سميث" ذلك. ورغم اشادته بها وبأدائها، تعاملت مع تصريحاته من وراء حاجز الشك والريبة الذي يأبى أن يتزحزح من بين الدولتين بل، وذهبت إلى أبعد من ذلك عندما اعتبرت تصريحاته ليست سوى نوع من التكتيك السياسي الذي تنتهجه أمريكا في تعاملها مع ملف قضية السودان. وفي ظل هذه الشكوك التي تحاصر العلاقة بين واشنطنوالخرطوم، جاءت أمريكا لتطلق مطالبتها لرعاياها بأخذ الحيطة والحذر أثناء التجول في الخرطوم؛ الأمر الذي أغضب المؤتمر الوطني واعتبره نوعاً من التشويش على السودان؛ وذلك ما جعل بعض التساؤلات تطرح نفسها، مثمثلة في لماذا تتعامل الخرطوم دائماً بريبة تجاه مواقف واشنطن، وهذا ما أفتى فيه المحلل السياسي "عزالدين المنصور" بأن ذلك يأتي نسبة لأن الخرطوم اعتادت على الدوام أن تتخذ واشنطن مواقف عدائية ضدها، مؤكداً أن أمريكا في كثير من الأحايين تتدخل تدخلا سافرا في الشأن السوداني الداخلي، مشيرا إلى أن الخرطوم ايقنت أن واشنطن على الدوام تتعامل معها بحسابات المصالح الذاتية. ومن جانبه، اعتبر المحلل السياسي صديق تاور أن تلك الشكوك التي تلف العلاقة بين الدولتين تعود للعلاقة بينهما منذ البداية، وذلك من خلال خطاب أمريكا العدائي تجاه الانقاذ من أن استلمت مقاليد الحكم في السودان، مؤكداً أنه، ومنذ ذلك الحين، أصبحت العلاقة بينهما معبأة بالشك وعدم الثقة.