بعد قرابة ثلاثة أشهر وأحد عشر يوماً جددت الادارة الامريكية تصريحاتها بعدم نيتها اسقاط حكومة الخرطوم بالقوة ، مستخدمة هذه المرة لسان مبعوثها الخاص في دارفور دين سميث بقوله : (وجهنا حديثنا إلى تحالف الجماعات المتمردة،- في اشارة لتحالف الجبهة الثورية- بأننا لن نؤيد الإطاحة بالحكومة بالقوة)، مبرراً قوله : (هناك احتمال أن يتوحد العرب والمسلمون في السودان حيث إنهم قد يشعرون بأنهم مستهدفون من قبل تحالف المتمردين الذي يتألف من جماعات غير عربية، بالتالي فإن تحالف المتمردين يمكن أن يستقطب العرب، بحجة أنهم يتعرضون لهجوم وكذلك الإسلام يتعرض لهجوم).. وأضاف : (الحكومة الأمريكية طالبت التحالف وخصوصا المتمردين في دارفور بأنه ينبغي أن يعمل مع الحكومة في اتجاه المفاوضات على أساس اتفاق السلام الذي وقع في الدوحة يوليو من العام الماضي).. عبارات سميث تلك ، سبق أن حملها بريستون ليمان في ديسمبر الماضي بقوله : (انتقال الربيع العربي للسودان ليس من أجندتنا، وبصراحة لا نريد إسقاط النظام ولا تغييره)، وأضاف : (نريد إصلاح النظام بإجراءات دستورية وديمقراطية) وزاد : (نريد الحرية والديمقراطية في السودان، لكن ليس بالضرورة عن طريق الربيع العربي) لينسف ليمان أية أرضية دعم أمريكي لعمل معارض مسلح في السودان بقوله : (حكومة الولاياتالمتحدة تعارض العمل العسكريّ ضد حكومة السودان، لأنه يزيد مشاكله التي يمكن أن تنتقل إلى الجنوب فتؤثر على وحدة كليهما). وبغض النظر عن تطابق حديث المسؤولين الامريكيين برغم طول المدة، والفحوي الايجابي المطمئن للحزب الحاكم في السودان، الا أن ثمة تناقضا في ذات الوقت يلج للمشهد ، من خلال التحرك الدبلوماسي الامريكي الموصوف بالعدائي تجاه الخرطوم في مجلس الامن لسن عقوبات جديدة، الامر الذي اثار حيرة المراقبين حول حقيقة النوايا الامريكية ، وعما اذا كانت تلك التصريحات بداية لتغيير في الاستراتيجية الامريكية تجاه الخرطوم .. خصوصاً وان الخرطوم سبق لها اتهام الادارة الامريكية بتقديم الدعم السياسي للجبهة الثورية .. محللون رفضوا اعتبار التصريحات مؤشراً لتغيير واشنطون في استراتيجيتها تجاه حكومة الخرطوم ، ويرون أن الادارة الامريكية ظلت حريصة على بقاء حكومة الخرطوم منذ ما قبل الانفصال ، معتمدةً على ممارسة ضغوطات بناء على المناخ السياسي الداخلي في السودان ، لتسهيل تحريكها كيفما أتفق ، ويرى المحلل السياسي د. مهدي دهب( أن الفترة الماضية شهدت تجذر قناعة لدى واشنطون بأهمية تحقيق نوع من الاستقرار في علاقتها بالخرطوم لضمان انتقال ذلك الاستقرار للطرفين الشمالي والجنوبي) مبرراً تحليله بالقول : ( ما يحدث في الشمال من اضطرابات ينعكس على الجنوب وبالتالي يمكنها أن توصف بالدولة الجنوبية الفاشلة) وأضاف : (في اعتقادي لا يوجد تناقض رغم ما يوحي به التحرك الدبلوماسي الامريكي وما تقوله تصريحات السلام هذه ، بل إن الاتجاهين يخضعان للتصور الامريكي حيال السودان ، فالعقوبات بمثابة ضغوط على الشمال وفي ذهنها المفاوضات الجارية) ورجح دهب أن تكون الضغوط تستهدف الحصول على تنازلات في ملفي النفط والحدود وتحديداً ابيي، ليتسق كل ذلك مع استهداف وزير سيادي كوزير الدفاع ، في سياق سيناريو متكامل للضغط علي الخرطوم .. بينما اعتبر كمال الدين ابراهيم - الامين العام للمجموعة الوطنية لتصحيح مسار أزمة دارفور - أن الادارة الامريكية مستمرة في التعامل بمعيارين وقال ل(الرأي العام) : (واشنطون لها طريقتان في التعامل مع الخرطوم ، فسبق أن استخدمت العصا والجزرة لفصل الجنوب ، فيما تركز حالياً على الملف الدارفوري لذات الهدف، بالتالي على الحكومة الا تصدقها والا تعتمد تصريحات مسؤوليها ، فأمريكا ترمي لأهداف بعيدة بغرض قيادة ذات خط الانفصال بدارفور)، بيد أن الرجل لم يغلق الباب في وجه النوايا الامريكية حال كانت بالفعل حميدة وأضاف : (اذا كان مطلبها حقيقياً للحركات بتبني خط المصالحات والتفاوض فهذا امر ايجابي خصوصاً وأن تحالف الحركات بطريقة تكوينه تلك يضر بالنسيج الاجتماعي للسودان ، ويؤثر في تغيير نمط الصراع الذي كان سائداً ويحوله لجهوي وعرقي وقبلي لتختفي النعرة القومية ) .. د. أمين محمود محمد عثمان - مقرر آلية المجتمع المدني الدارفوري - اعتبر تحذيرات ، واشنطون تلك للجبهة الثورية ، تعبيراً عن دهاء أمريكي في الحفاظ على الصبغة القومية للتحالف العسكري خوفاً من رد الفعل العربي، ونسفه وإضعافه بدعاوي العنصرية ، مفسراً خروج التصريحات على ضوء علاقة واشنطون بجوبا وقال ل(الرأي العام) : ( الموقف الأمريكي تجاه دارفور يحكمه بالأساس علاقتها بالجنوب ، وأي سلوك لها تجاه الخرطوم لابد من تفسيره على ضوء العلاقة الخاصة بين أمريكا والجنوب وجنوب كردفان والنيل الأزرق باعتبارها المناطق الأهم للجنوب، ولا بد أن نعي أن أمريكا لن تضحي بارتباطاتها مع الجنوب والمنطقتين لصالح الخرطوم وان قالت بذلك أو هاجمت التحالفات العسكرية المعادية للخرطوم ، بالتالي سنكون متفائلين إن افترضنا أن أمريكا لن تستهدف النظام).. مؤكداً أن ما يحدث من تناقض دبلوماسي وسياسي في التعامل الامريكي مقصود لارباك الخرطوم ليس إلاّ مدللاً على ذلك بقوله : (الادارة الامريكية تعي جيداً أن اتفاقية الدوحة بتخصيص السلطة او عبر بروتوكول اقتسام السلطة لا يسمح للحركات غير الموقعة بالانضمام لمسيرة الدوحة).