ماضية إلى نهاية الطريق الذي اختطته، لوّحت الحركة الشعبية بالإنسحاب نهائيا من البرلمان، لتصل بذلك الازمة المتطاولة بينها والمؤتمر الوطني في البرلمان إلى مرحلة حرجة، وذلك بعد أن كشف نائب رئيس المجلس الوطني والقيادي بالحركة الشعبية اتيم قرنق عن إبلاغ رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر رسميا "أن انسحاب الحركة والأحزاب الجنوبية من البرلمان نهائيا أمر وارد بسبب تصرفاته الشمولية، الى جانب تمسكهم بتنفيذ مطالبهم المعلنة المتعلقة بالقوانين"، وذلك في رسالة رسمية بعث بها لرئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر أمس الأول بحسب صحيفة الصحافة، منتقدا من خلالها إجراء الطاهر بإيقاف الوقود عن رؤساء اللجان المقاطعين، ولكن رئيس البرلمان أحمد الطاهر لم يجد من الوصف لمقاطعة نواب الحركة الشعبية إلا بقوله إن قرار المقاطعة "سياسي"، قال للصحفيين أمس بمباني البرلمان "إذا أرادت العدول عن قرارها فإن البرلمان مفتوح للعمل". وقطع أحمد الطاهر بعدم انتظارهم لأي جهة قاطعت أعمال المجلس. وكان رئيس البرلمان قد جدد أمس الاول عزمه إيقاف مخصصات النواب المتغيبن عن المجلس إثنتي عشرة جلسة متتالية وذلك عملاً بأحكام المادة (27) من لوائح المجلس، ولفت أحمد الطاهر "إلى أن عدد جلسات المجلس منذ بدء الدورة الحالية وصلت إلى إحدى عشرة جلسة"، قاطعاً بأنه سيكون حازماً عند تطبيق اللوائح، ولن يضع في اعتباره أي انتماء سياسي، مؤكداً التزامه بأداء واجبه"، والتي شرع في تنفيذها فعليا قبل يومين عندما قرر إيقاف صرف الوقود عن عدد من نواب الحركة، بحسب ياسر عرمان رئيس كتلة الحركة الشعبية بالبرلمان في تصريحات للصحفيين أمس الأول. وكانت الحركة الشعبية تساندها خمسة أحزاب من جنوب السودان قاطعت أعمال البرلمان منذ التاسع عشر من الشهر الماضي لحين تنفيذ جدول زمني لمناقشة قوانين التحول الديمقراطي والاستفتاء، على وضع جنوب البلاد الذي تتهم فيه الحركة الحزب الحاكم بالتلكؤ في إجازتها. التهديد من الحركة الشعبية بالانسحاب من البرلمان نهائيا يعتبر تعمقيا للازمة مع الوطني، الذي لا زال يتمسك بموقفه بل يذهب رئيس البرلمان أحمد ابراهيم الطاهر والقيادي بالمؤتمر الوطني أبعد من ذلك متهما الحركة الشعبية بتهربها من إقرار قانون المؤتمر الوطني تفاديا لتشكيل جهاز الأمن بجنوب السودان حسب نصوص اتفاق السلام الشامل، وهو القانون الذي قيد النظر الآن وتجري محاولات لإدخال تعديلات مقترحة عليه من قبل الاعضاء، والذي بإمكانه للبرلمان إجازته في غياب الحركة الشعبية وعليها ان تتحمل المسئولية حال تعطيله لسعيها الدؤوب طيلة العام لتعديله على حد قول الطاهر. غير أن رئيس لجنة المصالحة بالبرلمان الدكتور علي السيد يعتبر أن التصعيد الذي يتم في البرلمان بين "الشريكين" خطير وعواقبه ستكون كارثية لأن انسحاب الحركة من البرلمان نهائيا ينسف اتفاقية السلام الشامل، عازيا لجوء الحركة الشعبية إلى التهديد بالانسحاب نهائيا ناتجا عن استفزازات الوطني، ويرجح علي السيد أن ينهار البرلمان في حال تنفيذ الحركة الشعبية لتهديدها قائلا ل"الأحداث" أمس انسحاب الحركة من البرلمان بالتأكيد ستتبعه انسحابات للكتل البرلمانية الاخرى ليبقى الوطني والاحزاب الموالية له فقط"، بيد أن المحلل السياسي البروفيسور بركات الحواتي يرى أن الصراع بين "الوطني- الشعبية" انتقل إلى مرحلة جيدة من حيث النوع، فالحركة الشعبية تمارس ضغطا سياسيا وتلوّح بشكل يهدد تبعات نيفاشا في مراحلها الأخيرة، وفي ذات الوقت المؤتمر الوطني يمارس نفس الضغوطات ويستعجل شرعيته، وأردف بقوله ل"الأحداث" أمس "الصراع بينهما وصل إلى زاوية حادة لابد من قراءتها بشفافية لما يعقبها حتى ولو من قبل حمائم الطرفين، لإيجاد حل رشيد". عمر الدورة الاخيرة للبرلمان شارف على الانتهاء، فالمقرر نهاية الدورة الحالية في ديسمبر القادم، والتي منوط بالبرلمان فيها إجازة عدد من القوانين بما فيها قانون الأمن الوطني مثار الجدل الحالي، وأي تأخير في إجازتها معناه مزيد من التعثر في تنفيذ كل مراحل اتفاقية نيفاشا المتبقية كالانتخابات والاستفتاء، ويعزو البروفسيور بركات ازدياد الخلاف بين الشريكين داخل البرلمان إلى اقتراب مواعيد الانتخابات، والتي كلما اقترتبت أصبح الصراع أشرس لأنهما منذ بداية شراكتهما تعاملا "بإزدواجية" حيث كل طرف منهما يتعامل بأجندة معلنة وأخرى غير معلنة، قائلا في حديثه ل"الأحداث" أمس "مايحدث في البرلمان نقلة للخلاف بينهما إلى مربع قد يقضي على الأخضر واليابس، وكأنهما لايضعان استقرار السودان في حساباتهما". إلا أن غياب الحركة الشعبية من البرلمان منافيا لاتفاقية نيفاشا بحسب الدكتور علي السيد الذي يعتبر وجودها أساسيا بحسب الاتفاقية، محذرا الوطني من مغبة الاستمرار في أعمال البرلمان وإجازة القوانين دون الحركة الشعبية قائلا في حديثه ل"الأحداث" أمس "على الوطني ألا يلجأ إلى تمرير القوانين بالبرلمان بالاغلبية في ظل غياب الحركة"، على اعتبار أن ذلك ليس بالحل قائلا "هذا ليس الحل، الحل في جلوس الشريكين واتفاقهما لإجازة كل القوانين، وإحقاق التحول الديمقراطي"، وينظر علي السيد إلى أبعد من ذلك فاستمرار مقاطعة الحركة للبرلمان يدفعها إلى الانسحاب من الانتخابات أيضا، وبذلك ستعم الفوضى في كل البلاد، وربما تدخل في نفق مظلم قد يعجل بالتدخل الخارجي على حد قوله .