{ دائماً في وجود البروفيسور محمد إبراهيم خليل، رئيس مفوضيات الاستفتاء، نجلس مبهورين مستمعين وبمنتهى التركيز، تماماً كما يجلس التلاميذ النجباء في قاعات الدرس؛ فقد كان الرجل عميداً لكلية القانون بجامعة الخرطوم ستينيات القرن الماضي، وكان أبروفياً نسبة الى جمعية أبروف الأدبية نواة كثير من الأحزاب الاتحادية. { وكان وزيراً للخارجية في أول حكومة منتخبة بعد ثورة أكتوبر 1964م، فهو رابع وزراء الخارجية الكبار بعد مبارك زروق ومحمد أحمد محجوب وأحمد خير وكان أيضاً وزيراً للعدل. { وفي الفترة المايوية، التي بدأت عام 69 وانتهت في أبريل 1985م، هاجر البروف وعمل بالكويت مستشاراً لصندوق النقد الدولي، وكان من القلائل الذين لم يتعاونوا مع النظام المايوي. { ومؤكد أن الرئيس نميري عرض عليه أكثر من منصب وأن ذلك تكرر كثيراً؛ خاصةً وأن الرئيس نميري كان يحرص على تعيين الأكفاء المؤهلين ذوي الخبرة وكان الأستاذ محمد إبراهيم خليل في مقدمتهم لكنه رفض وكان ذلك الرفض تطبيقاً عملياً للإيمان بالديمقراطية. { وكان البروف من أبرز معارضي النظام المايوي خارج السودان، والرجلان بالمناسبة، الرئيس والبروف، من أسرة واحدة. { ثم سقط النظام المايوي عام 1985م وعاد الأستاذ خليل ليصبح رئيساً للجمعية التأسيسية ثم استقال وهاجر هذه المرة الى الولاياتالمتحدةالأمريكية ثم عاد منذ بضعة أعوام الى الوطن. { وكنا أكثر من مرة أبدينا استغرابنا من أن رجلاً بهذا الثقل وبهذه الأهمية السياسية والقانونية والتاريخية لا تلتفت اليه أجهزة الإعلام وتستضيفه من وقت الى آخر. { ثم اختارته الحكومة رئيساً لمفوضية الاستفتاء وكان اختياراً موفقاً. { إن وجود هذا الأستاذ في أي مجلس من المجالس يستلزم الإنصات المركّز، هذا إذا كنا نريد أن نتعلم وأن نستفيد. ومن حقنا أن نختلف معه سياسياً ولكن في النواحي القانونية فإن المجال مجاله هو بالدرجة الأولى والمعلومة الأكيدة عنده هنا. { لكننا في السودان لا نأبه لذلك، وكان من العادي جداً أن يجادل أيُّ أحد أدبياً عالماً لغوياً مثل البروفيسور عبد الله الطيب في اللغة العربية ويدعي أن ما يقوله هو عين الصواب، وقِسْ على ذلك. { ومن يومين، وفي مناسبة بودنوباوي، تحلّق حوله البعض وانضممت إليهم وسألت البروف عن تقرير المصير؟ وتعلمنا أكثر وأكثر وقد يُتاح قريباً أن ننشر كلامه. { وكان مما لفت نظري في حديثه الهادئ العذب، المثقل بالمعارف القانونية والسياسية الدولية والمحلية، قوله: «إن الشماليين لا يقرأون». { وهو أمر مؤسف في بلد كان شبابه يقيمون، في الثلاثينات، جمعيات للقراءة وكان من هؤلاء الشبان محمد إبراهيم خليل. وقد لعبت هذه الجمعيات دوراً جليلاً في تاريخنا الوطني السياسي، وكان كل، أو معظم نجوم الاستقلال، أعضاء في هذه الجمعيات. { «الشماليون لا يقرأون» يا للحقيقة المزعجة!!