{ قال أساتذة «مجمع اللغة العربية» وهم يحاولون تعريف لفظة (ساندوتش) التي شاعت وذاعت وأصبحت من ثقافتنا اليومية، إنها «شاطر ومشطور وكامخ بينهما». وأنا لست متأكدة تماماً من أن التفسير المذكور أعلاه صحيح أم مجرد مزحة، لكنني أسترجع هذا التعريف كلما رأيت حال جارنا العزيز «الكامخ» دائماً ما بين أمه وزوجته مثل (الساندوتش) تماماً. إنه بالأحرى مضغوط بين «شاطرة» وأخرى «أشطر»، وكل واحدة منهما تزعم أنها تكتم على أنفاسه وتسيطر على حياته وتُملي رغباتها عليه أكثر، وكل واحدة ترى أنها تحبه أكثر، وتحرص على إرضائه وتدليله أكثر، وتهتم بصحته أكثر. { والمسكين الواقع بين قوتين عظميين لا حول له ولا قوة، وتبدو حيرته جلية على مظهره الخارجي المنكسر الكئيب وهو عاجز عن إرضاء الطرفين، ولا يعرف ما هو التصرف السليم الملائم ليبقى على برِّه لوالدته ويكسب رضاها، وفي ذات الوقت يحافظ على بيته وأسرته ومحبة زوجته؟ فقد أعلنت كل واحدة منهما الحرب ضد الأخرى على جبهته القتالية، وتسلحت كل منهما بالقاذفات والراجمات والصواريخ في سبيل أن تهزم غريمتها وترفع رايات النصر على عقل وحياة (الساندوتش) المسكين وتفوز به دون الأخرى على أساس أنه غنيمة حرب باردة وأحياناً معلنة. { والمصيبة الكبرى أن معظم «حموات» هذا الزمان صغيرات ومثقفات وبارعات في العناية بأنفسهن، حتى أنهن يتخذن من زوجة الابن «ضرة» في معظم الأحيان، وما عادت أم الزوج أو الزوجة هي تلك «الجدة» بالمعنى التقليدي، فلا هي عجوز ولا شعرها أبيض ولا تحمل في جعبتها حكايات من قصص الحب والحوريات و«علي بابا» و«مصباح علاء الدين»، بل هي امرأة قوية «قادرة» لها شخصيتها وأفكارها المستقلة، واحتياجاتها المادية الخاصة، تشاهد المسلسلات التركية وتعرف تفاصيل الأخبار العالمية وتتابع «ستار أكاديمي» وآخر تقاليع مذيعات النيل الأزرق في الثياب و«الحنّة». { والمصيبة الأكبر أن الزوجات ما عدن أولئك «البنات» الوديعات تنادي إحداهن حماتها بأمي، وتجتهد في التودد إليها (والبلبصة)، وتستمع إلى آرائها وتوجيهاتها بأدب وإنصات، أصبحن (عدوات) منذ اليوم الأول، تدخل الواحدة منهن القفص الذهبي وهي عازمة على تحجيم دور حماتها أو (نسيبتها) في حياة الابن الزوج قدر الإمكان، حتى لو تطلب الأمر إظهار الصرامة واللامبالاة و(العين البيضا)، ولا سيما في الأمور المالية، ولا أعلم لماذا (تقوم الدنيا ولا تقعد) كلما أجزل الزوج العطاء لأمه، وغمرها بالهدايا أو الرعاية والاهتمام؟ هل فكرت الزوجة يوماً في أنها قد تكون في ذات الموقف عندما يتزوج ابنها لاحقاً من فتاة تحاول أن تحرمها منه ومن خيره وتدفعه للجحود وإنكار تضحيات الأمومة ومواقفها العظيمة؟! { وما بين هذه وتلك يضيع (الرجل الساندوتش)، تتراجع قراراته وآراؤه، ويتبدل حاله إلى سهوم ووجوم واستياء وضيق، حتى يصبح كارهاً لحياته قلقاً في بيته، موزعاً بين جاذبية زوجته وانتمائه الفطري إلى والدته. إنه كائن مشطور مثل وجبة سريعة، مثقل بأعباء الحب المسلطة من الجانبين، وفي انتظار من يلهتمه أولاً و(يكسر مجاديفه) و(يقصقص ريشه)، ويظل حتى انتصار أحد الطرفين يدور في حلقة مفرغة من التأنيب والاتهام بالتقصير و(الزعل) و(الحردان) وربما الدموع من حواء الأم وحواء الزوجة. { فيا هذا المسكين الواقع بين شقي الرحى، لا أمل لك في الخلاص القريب، وعليك بالصبر والاحتساب والصمت إن أمكن، ويمكنك أن تحاول التوفيق بين طرفي النزاع إن أمكن، وأحسب أن أفضل سياسات هذا الوفاق ستكون الحسم والصرامة، فالترضية و(التحانيس) لن تقنع إحداهما بالنصر والغلبة، والكذب الأبيض لن يخرجك من هذا الساندوتش ولا بد من أن تجعل للأمر حداً لا تتجاوزه إحداهما، وعليك أن تتعامل مع الأمر بحكمة، ولا تنس أن أمك هي الأحق بحسن صحبتك، وأنها الطرف الذي لا يمكن تعويضه أو الاستغناء عنه، بينما (العرائس) حاضرات ودائماً عند الطلب، فلا تكترث. { تلويح: الخالة العزيزة «أم سلمة محمد خلف الله»، شكراً لأنك جنبتيني مغبة هذه الحرب الخاسرة، وتنازلت طوعاً عن حقك في ابنك ولم أجد منك إلا الدعوات الصالحات والطيبة والاحترام، وربنا يديك العافية.