هلّ هلاله ونزلت بركاته برداً وسلاماً على كل المسلمين، فرحة كبيرة اجتاحت الناس في كل بقاع الدنيا فرحاً بهذا الشهر العظيم. الكل في حركة مكوكية ودؤوبة استعداداً له واستعداداً لطقوسه المعتادة في كل بلد. في السودان لرمضان إحساس مختلف ومميز عن بلاد الدنيا، وتجدوني منحازة لتراب هذا الوطن بصورة كبيرة، إلا أنني على حق، فالحراك الذي نشهده قبل رمضان من تحضير البهارات والزُرِّيعة وعواسة الحلو مر، إلى شراء الأواني المنزلية الخاصة به؛ لا نجدها في أي مكان، وحتى معاناة اليوم الأول، والجرسة، وارتفاع درجة الحرارة، وصَرَّة الوش، والمشاكل الكثيرة في الطرقات؛ لها طعم مختلف. أما الساعات الأخيرة للأذان فهي حكاية وقصة، بل ورواية، وغالباً ما تكون فيها نوادر نرددها بعد أن تبتل العروق ونضحك فيها بأعلى الأصوات. القهوة والشاي والونسة بعد المويات والاستعداد للتراويح وبنات الحلة وثقافة المشي والتسالي ومتابعة المسلسلات وقيام الليل، كلها تفاصيل تميزنا كسودانيين. ورغم ذلك نهرب منه مجبرين، وأحياناً بإرادتنا لنصوم خارج أسوار الوطن، آلاف السودانيين وجدتهم في مطار الخرطوم وأنا أصطحب والدتي في رحلة البحث عن الشفاء إلى القاهرة في أول أيام رمضان في الرابعة عصراً. امتلأت الخطوط المصرية حتى آخرها، والغريب في الأمر أن كل المسافرين سودانيون ميّة الميّة، هربوا من رمضان السوداني غير مبالين بطقوسه المميزة، في ظل التكنولوجيا والبحث عن الراحة في ظل ارتفاع درجات الحرارة المخيف وقطوعات الكهرباء رغم وجود سد مروي ووزارة الكهرباء المستحدثة وتطور العالم من حولنا. فرّ السودانيون إلى الدول العربية المجاورة، وتركوا الآبري والتبلدي واستبدلوهما بالعصائر الطبيعية والاسترخاء في المكيفات ومشاهدة أحدث الأفلام العربية ليلاً والتسحر في أرقى الأماكن والسهر حتى الفجر. ترك معظم السودانيين عاداتهم وحتى الموجودين في السودان تغيروا، فلا وجود لصواني الإفطار إلا في بعض الأحياء هنا وهناك، وفي الأقاليم، تلاشى الكرم السوداني الذي كنا نفاخر به، بسبب الضنك وقلة الحيلة وصعوبة المعيشة، وكثيرون يعيشون على الكفاف. والغريبة أنه في الماضي كان بعض أهل البرّ يوزعون أكياس رمضان للضعفاء وقليلي الحيلة، واندثرت تلك الظاهرة أيضاً. دون أسباب واضحة شاهدت مئات النساء في مكان قبل رمضان بيوم واحد، وظننت أن هناك مشكلة فأسرعت لأجد أنهن في انتظار أحد رجال الأعمال ليخرج من مكانه، ليساعدهن استعداداً لرمضان، ويخبرهن حارسه أنه يغط في نوم عميق،،،، وا أسفااااااااااااه. أقضى أولى أيام رمضان بعيدة عن الوطن، مجبرة كما ذكرت، بلا طعم ولا لون، ولكنني آمل أن أعود وأجد رمضان زمان الذي كنا نعيشه قد عاد هذا العام، وأتمنى أن يعود علينا بالخير واليمن والبركات، وأن نتماسك يداً واحدة تبني، وأن نقول بأعلى الصوت لا للانفصال والتشتت.