أنا أعرف.. وأيضاً يدرك الكثيرون أن الغالبية الكبرى من الشعب الأمريكي على وجه الخصوص يعانون من داء السِّمنة.. البدانة المفرطة.. ومؤشرات لاستهلاك الغذائي الكثيف للمواطن تحدد هذه النسبة المتزايدة، حتى الفقراء بحسب تقديراتهم المجتمعية كالزنوج والقوميات الأخرى تزن أجسادهم الكثير من الكيلوجرامات المتكدسة بها، فهو شعب أكول من الدرجة الأولى.. لِمَ لا فلم يعاني على الإطلاق من شظف العيش، أو خواء البطون وضمور المحفظة، السكر والخضروات واللحوم أسعارها زهيدة سهلة التناول، ومتوفرة على نحو كبير، لا يعرفون لها غلاء أو عدم. مساحات الرفاهية في كل شيء مليئة حد التدفُّق، فحكومته تحترم وجوده وإنسانيته ولا تتوانى في إذلال الشعوب التي تشكو من ضعف كامل في الفكر السياسي أو الموارد الطبيعية، حكومة نهمة تستبيح كل شيء لأجل شيء واحد فقط هو شعبها، ولها «كرش» كبير ذو سعة مهولة وأسنان غلاظ مضغت بها على نحو فاضح دولة العراق على مدى سنوات الاحتلال.. و«لاكت» أفغانستان كثيراً فلم تستسغها للآن، وأمامها على المائدة التو جنوب السودان، ودارفور هناك تئن هي الأخرى وهي تنتظر واقعاً لا محالة واقع. وموضوع الاستفتاء لجنوب السودان مهما أُثير حوله من إفادات لبقائه ضمن أرض الوطن أو انشطاره فإننا لا نقوى على تحميل أحد الخيارين التأكيد الجازم ولكننا نأمل ونبتغى وحدة الأرض. فلا يعلم إلا الله مغبة تجزئة الوطن وشرذمته بفعل المظان الماكرة لمخططات الغرب الاستعمارية. استراتيجية الغرب المتكئة على ساعد أمريكا التي تبطش بيد اليهود واضحة المقصد، فلا جدوى من تكرار تفاصيلها وسرد خباياها كثيراً، فقد مجتّها نفوسنا، فلم نعد نقوى على الأسف وملامحنا في كل شيء باتت ساكنة، واليهود لديهم مقولة أثبت صحة فحواها ما يجري الآن في العالم من سيطرة كاملة من لدنهم، قالوا إذا كانت الولاياتالمتحدةالأمريكية ستحكم العالم فيجب علينا أن نحكم أمريكا، وقد حدث، فمن جوف الكونغرس تخرج التشريعات التي يتدبرون بها إدارة شؤون العالم وجعلها عامة وشاملة يخضع لبنودها القوي والضعيف، والعالم الثالث كما يدعون هو أكثر ضعفاً وتصدعاً وليست له قابلية الرفض أو الاحتجاج، فحق الرفض في كل الأمور والقضايا التي يمور بها العالم قد حسم لخمس دول فقط جلست بشكل دائم على كراسي مجلس الأمن الذي مقره نيويوركالأمريكية، هذا المجلس الذي ينحدر من الأممالمتحدة ويتفرّع لعدة لجان من ضمنها فرق القوات الدولية التي مهمتها القضاء على الحروب والنزاعات التي تهدد السلام العالمي وأين السلام العالمي يا مجلس؟! والقتل والتشريد والقمع يقع على مشهد ومسمع الكل في أماكن محددة. هذه هي استراتيجيتهم التي تخدم على قدر كبير أجندتهم الخاصة ذات الرؤى الاستعمارية الاستحواذية حسب وجهات نظرهم المتعددة، إلا أننا نحن هنا في إفريقيا على وجه الخصوص ليست لدينا رؤى وخطط محددة لدرء المعضلات التي تخيّم على حياتنا دعك من مواجهة المد القادم من وراء البحار بعناصره المختلفة وخططة المزدوجة التي تبرز للعيان بمساعداتها وإغاثاتها ووجهها الباسم، ومن وراء ذلك تعبث أيادي هؤلاء بما تنوء به الأرض من موارد معدنية كاملة العينة والثراء. وبما أن إقليم دارفور يحمل ما يحمل من مواصفات هذه الأرض، جعل الأمريكان يوفدون رؤوس رجالهم لتحسس الموقف الحالك الذي يعيشه ويكابده الإقليم فلا تزال أتون الحرب تشتغل في بقاعه، وتجزع قبائله وما استطاعت البعثة المشتركة من الأممالمتحدة والاتحاد الإفريقي إخماد نار القتال والحفاظ على سلامة أجزاء كبيرة من الإقليم كما تنص بنود مجلس الأمن. الانتباه للمد القادم ضرورة حتمية يجب أن يعي خطورتها الكل. الحزب الحاكم والحركات المسلحة في إقليم دارفور الممتد قبل أن يأتي يوم تقتلع فيه رياح الغرب العاصفة كل شيء.. هؤلاء القوم يسعون لاحتواء الكل ونخشى أن نصبح جزءاً من هذا الكل إذا لم نضمِّد الجراح النازفة بفعل الاقتتال والكيد والعناد. ونخرج على الناس بمفهوم «الالتحام الموازي» الذي من خلاله تفسد كل مخطط مجنون يحدق بنا. الغرب في ظني ونحن أهل عقيدة راسخة، لا يهاب إلا إيماننا المحكم بقوة وقدرة ديننا الحنيف، ووحدة الصف، واتباع الحق، فجبروت السلاح وقوة فتكه يتفوقون بها علينا منذ قديم الزمان فالإيمان وحده هو السلاح الذي نوازي ونتفوّق به على آلياتهم الحربية وخوائهم الروحي. والأمثلة التاريخية الناصعة ماثلة للكل على صفحات التضحية والفداء التي خاضتها جيوش الحق لكسر شوكة جحافل الباطل وسلطانهم. المعالجات الحاسمة قد آن أوانها ومركزية التداول لجوانب المشكل لا تجدي في شيء ونحن عصبة يجب أن نتفق لنفتك بمحور الفتنة الذي ينتصب بمجموع آماله غير بعيد.. الحنق والارتياب يبعثران كل جهد كفيل برضاء الجميع فوحدة الهدف هو ما نروم في هذا الوقت العصيب. وثم ماذا بعد كيد الكائدين وانتصارهم في تجزئة الوطن قطعة قطعة؟! السودان الكبير الذي إذا اشتكى منه جزء تداعت بقية الأجزاء الأخرى تباعاً، ودارفور هي الآن مشكلة السودان التي تبحث عن الطاولة. لذا عندما يتحدث الناس عن الوزارات التي ذهبت لأبناء دارفور كالمالية والعدل مؤكدين النهج الذي أُتبع لعدالة التوزيع في مضمار السلطة وأن الشكوى الدائمة في هذا الجانب يجب أن توصد نوافذها!! تناسوا حقيقة أن النهج الرشيد الذي يحقق معادلة السلطة مقابل التنمية ليس باعتقال أفكار ورؤى الأشخاص نحو جهات بعينها حزبية أو قبلية أو إقليمية، وإنما تُقاس بقدرة هذا المسؤول الاتحادي في تلبية متطلبات الشعب في كل مساحة من تراب الوطن وذلك حسب الأولوية القصوى لمعالجة المشكل الذي يرزح تحت وطأته البشر، وحسب الوظيفة الوزارية التي يضطع بها المسؤول فمثلاً نحن هنا في العاصمة نشكو ونصرخ إذا امتنع صنبور الماء عن التدفق ولو لعدة لحظات وغيرنا في مكان آخر يشكو مُر الشكوى من تدني وفرة مياه الشرب دعك من استعمالاته الأخرى وما مناطق النيل الأبيض ودارفور والقضارف إلا أمثلة مشهودة لذلك.. فوحدة التنمية وليس مركزية التنمية هي الرماد الذي يمكن أن تذروه في وجه المد القادم من وراء البحار وذلك ليس بالكراسي التي يجلس عليها المسؤولون وإنما إستراتيجية الدولة لتعميم المصلحة الكلية وبدون شك إن السيدين الوزيرين محمد بشارة دوسة وعلى محمود يُحظيان بصفة التقادم «رحيق خبراتهم وتجاربهم» ووافر إدراكهم بالجوانب الإنثروبولوجية «الأجناس» والتكوينات القبيلة والصراع السياسي في منطقة دارفور فلهما دور مفصلي في دعم سبل المعالجة من خلال هذه النافذة وبالتالي حث الحكومة على ضرورة حشد التأييد الداخلي وتسوية الأمور بجهد سوداني خالص حتى تتحقق الغاية التي تُرضى الجميع ونعصب الجرح الذي ظل ينزف من حمأة الصراع والقتال في مساحة هذا الإقليم الثروة الذي يحدِّق به الغرب للانقضاض عليه واحتوائه في «كرشه» الذي انتبذ ولا يزال به مُتسع للجميع.