{ بالله عليكم كيف استطاعت دعائم وأساسات استديو النيل الأزرق الأنيق، كيف استطاعت أن تتحمل هذا (الانفجار) الإبداعي الرهيب و(أغاني أغاني) بالأمس يصل القمة وقمة القمة في حلقته الثالثة وهو يستضيف سلطان الطرب كمال ترباس هذا الفخيم الذي (يعادي) بالفخامة من هم جلوس حوله بل هو المبدع الذي تنتقل منه جينات الإبداع كده ساي في الهواء لتلتصق بمن يجاوره أو يجاريه وإن كنت أشك أن يجاريه أحد تطريباً وفناً وجمالاً. { والحلقة تميّزت بأن السر قدور قدمها بمزاج عالٍ وله في ذلك ألف حق طالما أن في معيته هؤلاء النجوم أصحاب الأصوات الخطيرة التي تجلّت وأبرقت وولعت بأغنيات ترباس تلك التي لها سحرها على الأصوات والحناجر كما تفعل بالقلوب والدواخل حينما جعلنا ب(يا أمي الله يسلمك) نشاركه الوجد والشجن والبكاء. { على فكرة ترباس ربما أنه ردد هذه الأغنية من قبل مئات المرات وربما أنه بكى (جواه) أيضاً مئات المرات لكن ما الذي جعل دموعه تغلبه وتفضح نبل عواطفه ودواخله الشفيفة هذه المرة؟ نعم هو أحمد الصادق صاحب الحنجرة المبحوحة ولكأنها معطونة بمزيج الشوق واللهفة. { هو من جعل ترباس يبكي في لحظة إنسانية صادقة لا علاقة لها بالزيف ليمنحك بذلك شهادة على رؤوس الأشهاد بأنك يا ود الصادق مبدع ورائع وصاحب صوت يحمل تأشيرة دخوله الى القلوب دون موانع أو حدود. { ولكم أن تتخيلوا كيف أن هذا الرجل الأنيق الفخيم يتلاعب بنا كما تتلاعب الريشة بأوتار العود حينما نقلنا بإبداعه من (مُود) نفسي في أقصى اليمين الى مود آخر في أقصى الشمال ونحن نكفكف دموعنا ونندمج في فاصل من الأهازيج والتبشير (وجنا الباباي) تسوي فينا البدع ولكأننا لم نعرف الحزن يوماً وما بعيوننا غدد دمعية. بالله عليكم هل هناك إبداع أكثر من هذا؟ { دعوني أقول هل هناك بلد فيه مثل هذا الجمال الما منظور مثيله؟ صدقوني إن قلت إن حلقة (أغاني وأغاني) مساء الجمعة تصلح أن تكون (مرافعة) نقدمها في كل زمان ومكان ونتحدى بها أياً كان بأننا ملوك الغناء وملوك الغناء الجميل الذي يصل الناس ويحرك فيهم المشاعر ويدغدغ الأحاسيس ويتملكهم الى درجة اللا وعي. { على فكرة الحلقة كانت رائعة لدرجة أنني لم أشاهد غيرها حتى فترة الإعلان التي (تغيظني) ما فوتها خوفاً من أن يفوتني جزء ولو يسير من البرنامج فتكون قد ضاعت عليَّ لحظة إبداعية هي بحساب الثواني قليلة ولكنها بمقدار الجرعة الإبداعية كبيرة وليس لها قياس. { فأي سحر حملته تلك الحلقة وأي ساحر تملك حواسنا الست وهواتفنا النقالة تتناقل، وبسرعة البرق، أخبار تلك الجلسة حتى لكأنها أمس الأول أصبحت حديث المدينة والكل يسأل: «شفت ترباس في أغاني وأغاني الليلة»؟ وحتى من فاته البث الأول كان حريصاً ألاّ يفوّت الإعادة لأنه دي لو فاتته تكون فاتته مشاهدة لوحة رسمت وشكّلت معظم الإبداع السوداني الخرافي وهنا تكمن أهمية أن يكون الفن قريباً من الناس مؤثراً فيهم بالدرجة التي تشكل دواخلهم والأهم أن يكون لسان حالهم الذي يبث شكواهم والنوى.. أفراحهم والهوى.. عشقهم وويلات الجوى. { فله درك يا ترباس وأنت تتألق متحكراً بين النجوم ولله درك يا أحمد الصادق وأنت كبير تغني كما الكبار ولله درك يا صباح وأنت تختالين بصوت بينه والأذان إلفة والقلوب محبة وشكراً السر قدور وأنت تمنحنا الضحكة غير المصنوعة والقفشة التي لا تتكئ على وسائد ثقالة الدم والشكر لله من قبل ومن بعد أن جعلني من بلد أهله جميلو المُحيّا طيبو القلوب صادقو العواطف مبدعون بدرجة اللامعقول.. يا بلد زول بريدك زيِّي مافي! كلمة عزيزة { أخيراً جداً تم منع الإفطارات التي تقيمها الوزارات ويدفع فيها ما يدفع لمتعهدي الطعام والكراسي وما يصاحبها من فرق كوميدية يجلبها هؤلاء ليضحكوا فيهضموا ثقيل ما تناولوه من طعام فاخر. وللأمانة كنت استعجب أن تصرف خزائن الوزارات مبالغ طائلة لإفطارات الأحق والأولى بها الفقراء المنتشرون في أطراف المدينة أو حتى أولئك المشردون الذين ربما نرفض اقترابهم منا لكن المجتمع بشكل أو بآخر هو المجرم الرئيسي في ما وصلوا اليه من قمة المأساة. هذا القرار الإيجابي بدرجة امتياز أرجو أن تعقبه قرارات أخرى لظواهر كثيرة يُهدر فيها المال العام عياناً بياناً ولا عزاء للفقراء!! كلمة أعز { الإذاعة السودانية واحدة من قلاع الإشعاع والتأثير الثقافي الكبير على المجتمع السوداني وكثيرون ممن تعاملوا معها سمعتهم يقولون إن العلاقة التي تربط العاملين بها أكثر نظافة من العلاقات داخل حيشان أخرى. لكنني مضطرة أن أسأل كيف يُبعد أو يُستبعد أمثال علم الدين حامد عن الإذاعة السودانية هو واحد من فرسانها وصُنّاع تاريخها؟ أعتقد أن الأصعب ليس هو الإبعاد ولكن النكران من الأبناء والتلاميذ.. إن شاء الله تكونوا فهمتوا مقصدي؟ وبالتأكيد لي عودة.