كل شيء بدأ يتغير ولم تعد المسلمات كما ألفناها، والبدايات لا تقود إلى النهايات كما كان يحدث في السابق والغرب قد يدرك كل ذلك ويسلك للحرب شعارات السلام وإلى تجويع الشعوب، ونحن هنا ما زلنا نتمسك بالمباشرة ونحصد السراب لسوء تقديراتنا وما زالت ثقافتنا الشعبية تدفع بنا في اتجاه المسلمات التي انهارت وأضحت سراباً وبالرغم من ذلك نبتلعها كلها صالحها وطالحها دون أن نصنفها ونقيس عليها تطورات الحياة العصرية التي نحياها فنستبعد ما تجاوزه العصر من أمور دنيانا ونعض بالنواجذ على ما يصلح حالنا. داخل ثقافتنا الشعبية مأثورات لها قيمتها المعنوية في تراثنا ما زال البعض يرددها ويستدل بها ويعضد حجته ومنطقه بها وهي في الحقيقة تجاوزتها تطورات الحياة ومستجداتها، فينبري أمامنا من يقول لنا (ركيب سرجين وقيع) وآخر يثني بمثل ثان (مساك دربين ضهيب) هذه حكايات قديمة ولكنها للأسف تطرق بقوة حتى في السياسة ناهيك عن الاقتصاد وواقع الحال يقول عكس ذلك تماماً ويدفع بك لتركب أكثر من سرج لتستقر، وتسلك أكثر من درب لتصل فالسرج الواحد في هذا الزمان المتقلب يطرحك على رأسك والدرب الواحد سينتهي بك إلى فلاة ليس فيها غير رجع الصدى، وفي الاقتصاد تعلمنا أن الاعتماد على محصول واحد سيجلب أضراراً غير متوقعة وفي السياسة حصدنا السلام بأكثر من اتفاقية وفي أكثر من مدينة ومع أكثر من طرف. المسلمات جميعها أضحت ألا تسلم بشيء، أن تتوقع كل شيء، تتوقع الانفصال وأنت تعمل للوحدة وتتوقع الحرب وأنت تعمل للسلام أو أنت تفاوض، يجب أن تسلك ألف درب لتصل وتركب ألف سرج لتستقر وتبلغ غايتك، وفي العسكرية هناك ما يعرف بالتزامن وهو أن تعمل في أكثر من شيء في آن واحد وهذا ما نرجوه من حكومتنا في هذا الظرف بالذات وعليها أن تعمل للوحدة بكل ما تملك من طاقة وجهد ولكنها يجب أن تتوقع الانفصال وتعمل لمواجهة تداعياته وبالذات تلك التي تتصل بأمن واستقرار البلاد وتبني فرضيات للمهددات التي يمكن أن تحدث وتستعد لها تماماً، وفي جانب الاقتصاد كان من المفترض أن تعمل على إنتاج النفط المكتشف في الشمال مثلما فجرت حقوله في الجنوب وإذا حدث ذلك سيكون عاملاً قوياً في تحقيق الوحدة وكذلك عليها من الآن تطوير الموارد الأخرى لتحدث الفرق وتعوض ما يمكن أن نخسره في حال انفصال الجنوب. نأمل أن تكون لحكومتنا بجانب خطتها لتحقيق الوحدة خطط بديلة في كافة المجالات وأن تكون جاهزة لكافة الاحتمالات وحتى إذا اختار الجنوبيون الوحدة فإن لذلك أيضاً تداعياته التي تتطلب الجاهزية وتأمين البلاد في شمالها وجنوبها من ردة عنف دعاة الانفصال بمن فيهم بعض دول الجوار الرخيص ولأجهزتنا الأمنية تجاربها وجولاتها الناجحة مع منعطفات كبيرة حققت فيها جاهزية عالية ومرت تلك المنعطفات بسلام والآن أمامها الاستفتاء بكل تعقيداته ومؤامراته والاختبار سيكون أكبر وأدق بالقدر الذي يتطلب قراءة كافة السيناريوهات والإعداد الجيد لكافة الترتيبات وألا تنشغل بالوحدة فهي شأن سياسي في المقام الأول وعليها أن تنشغل بتداعيات الوحدة والانفصال وهذا هو الأهم. عموماً هي مرحلة دقيقة في تاريخ بلادنا يجب أن نقابلها بعقلانية وحكمة بعيداً عن العاطفة وهي مرحلة تتطلب قرارت شجاعة تصدر عن شجعان دون التفاتة لأولئك الواقفين على الرصيف لنصل إلى كلمة فارقة إما وحدة جاذبة أو انفصال آمن والسلام.