الرئيس المصري حسني مبارك صاحب قدرات عالية في رسم الأمور بالشكل الذي يريده مهما كانت درجة العواصف والغليان التي تلوح أمامه، فهو لا يزال حتى الآن مصراً على إغلاق ملف الخلافة في بلده ولا ينوي في القريب العاجل إصدار مرسوم جمهوري بتعيين نائب له في الموقع الرئاسي!! والمراقب لا يستطيع إلتقاط علامات الكهولة وتقدم العمر في ملامحه وقد ظهر الرئيس مبارك في كامل لياقته بعد العملية الجراحية التي أجريت له في المانيا خلال مارس المنصرم. وقد وصف برلسكوني رئيس وزراء ايطاليا الرئيس مبارك عندما قابله في روما قبل شهرين بأنه مازال شاباً. وقد ذكر الرئيس المصري في ذلك اللقاء للصحفيين عن الشخص الذي يفضله لموقع الخلافة بأنه سيختار من يفضله الله. وأضاف قائلاً بأن هذا سؤال لطيف!! عطفاً على ذلك يتضح بأن الرئيس مبارك لا يريد حسم قضية الخلافة في مصر التي صارت على شاكلة صندوق مغلق لا يعرف أحد ماذا يوجد بداخله!! وكلما ارتفعت وتيرة التساؤلات والاستنتاجات الكثيفة في الشارع المصري حول مصير موقع النائب الخالي تكون النتيجة صفراً على الشمال!! ولا أحد يستطيع الحصول على الإجابة الصحيحة ولماذا أصبحت قضية إعلان خليفة الرئيس مبارك ضرباً من الألغاز والأساطير!! أهمية إختيار النائب في قطر مؤثر على غرار مصر تنبع من ارتباط الخطوة بضبط الاستقرار ومقابلة اشكاليات الفراغ الدستوري وإحداث الترياق القوي في حالة وقوع الخطوب والملمات، والشعب المصري بكل إرثه الحضاري ورومانسيته السياسية يحبذ أن يشاهد ما وراء الأفق، فالرئيس مبارك قد تولى زمام الأمور في أرض الكنانة قبل 29 عاماً بعد اغتيال سلفه الرئيس أنور السادات في حادثة المنصة عام 1981م. وفي غضون ذلك راجت تكهنات قوية على جميع المستويات حول تألق نجومية جمال مبارك نجل الرئيس حسني مبارك حيث طرح بشكل لا يقبل القسمة على قمة المرشحين لتولي منصب النائب في السلك القيادي للدولة المصرية. ويتبوأ جمال مبارك موقع أمين السياسات بالحزب الحاكم وله دور فاعل في بطارية الحكم. وقد دفع به الرجال المخضرمون وأصحاب الوجاهة الاجتماعية في أروقة الحزب الوطني إلى الأمام. ويطرح جمال مبارك نفسه راعياً لعملية الإصلاح السياسي في مصر ويرى بأن جيل الخيول المرهقة يجب أن يذهبوا إلى دولاب الاستشارة!! وفي السياق تزاحمت الشائعات الرائجة بعد فترة زمنية عن دخول منافس جديد على كرسي الخلافة في مصر وهو اللواء عمر سليمان رئيس المخابرات المصرية فقد توسع نفوذه كثيراً في مركز القرار نتيجة لولائه الثابت للرئيس مبارك وقد ابتدع سليمان اسلوب الدبلوماسية المخابراتية في معالجة القضايا الخارجية الحساسة فقد أسند إليه الملفان الفلسطيني والسوداني، وقد ذكرت مجلة «فورين بوليس» الأميركية بأن اللواء عمر سليمان يمثل أقوى شخصية استخباراتية في الشرق الأوسط وقالت بأنه استطاع أن يكسب مكانة واسعة حتى بات واحداً من المرشحين الحقيقيين للرئاسة المصرية!! حقائق الأشياء تؤكد بأن خريطة الترشيحات حول الخلافة في مصر لم تتأطر حتى الآن على وتيرة ثابتة فالشاهد أن رياح التكهنات والاستنتاجات حول هذا السياق لم تعد تصمد أمام منهج القيادة المصرية الذي يحاول دفع القضية إلى مصاف حالة الإنكار!! لم تعد شخصية جمال مبارك على أولوية الترشيحات في سلم الخلافة كما كانت من قبل فهل خرج من المنافسة على خلافة والده أم أن مسألة وصول جمال مبارك للسلطة في المستقبل مبرمجة على صيغة زمنية وسياسية محددة!!؟ وها هو الكاتب المصري ذائع الصيت الأستاذ محمد حسنين هيكل يضع علامة فيتو على ترشيح جمال مبارك قائلاً «ما أتيح لجمال مبارك لم يتح لغيره بحسب السلطة والصولجان» واستشهد هيكل بحديث الرئيس مبارك بأن مصر لا تورث السلطة لأي أحد!! وعلى الصعيد أشار الدكتور علي الدين هلال أمين الإعلام بالحزب الحاكم في مصر بأن مروجي التوريث ينطلقون من تشخيص خاطئ، مبيناً أن انتقال السلطة في بلاده سيكون عن طريق الانتخابات الرئاسية وليس التوريث أو التعيين، وأضاف الدكتور هلال قائلاً إن بعض المثقفين مازالوا يحنون إلى ضرورة وجود نائب للرئيس. وفي السياق تلوح اشارات الدكتور حسام بدراوي القيادي البارز في الحزب الوطني الحاكم في مصر التي تستحق التقييم العميق حيث ذكر أن فكرة الخلافة والتوريث ليست ديمقراطية، وأردف قائلاً «لا يوجد شيء اسمه جماعة جمال مبارك في أروقة الحزب الوطني الحاكم وأن الرئيس القادم لمصر سيتم اختياره عن طريق المواطنين». (جريدة الشرق الأوسط بتاريخ 24/5/2010م) والخلاصة مهما كانت السيناريوهات والبرامج حول انتقال السلطة في مصر خلال الفترة القادمة فإن إدخال عنصر الجيش المصري صار وارداً بشكل كبير في الحسابات فضلاً عن الأخذ في الاعتبار إمكانية مصادقة الشعب المصري على إسلوب التوريث ومن هنا فإن خروج جمال مبارك من المنافسة في خلافة والده صار أمراً ينطوي على الاحتمالات والمفاجآت والأشياء الأخرى..