لا تزال ولاية كسلا تشكل ملمحا مربكا للسواح والضيوف فهى مدينة على درجة عالية من الجمال ولكنها تفتقر بشدة لنقاط الضوء التي تميط اللثام عن عوالمها السحرية، دخلناها والشمس تختبئ في الركن البعيد فغمرنا الظلام لأن الوضع الطبيعي في الولاية هو أن تجد الكهرباء مقطوعة – كانت وجهتنا هذه المرة مطارح قبيلة الرشايدة ومن بعدها الحدود الشرقية حتى وجدنا انفسناعلى تخوم (تسني) المدينة الارترية الشهيرة. (الأهرام اليوم) عاشت مغامرة البحث عن طريق في حدود السودان الشرقية، وقد كان لافتا للأنظار تمدد الطريق الذي يربط كسلا بإرتريا، وبعض البيوت المعروشة (بالقش) والتى يحتمي فيها الفقراء من نيران التهميش وقسوة الخريف. محلية الرشايدة في كسلا تأسست في العام (2006) وتعتبر تلك القبيلة الحدودية واحدة من القبائل العربية التى استقرت على سواحل البحر الأحمر وتمددت في شريط طولي يتداخل مع دولة أرتريا من جهة الجنوب الشرقي بينما فضلت بعض المجموعات أن تقطن في دلتا طوكر وجنوب كسلا حتى الحدود الشرقية المتاخمة لأراضي قبيلة الشكرية واللحويين في منطقة البطانة، وقد نالت القبيلة اول حكم ذاتي لها بعد توقيع اتفاق اسمرا في أكتوبر (2006) وهو اعتراف الحكومة بهم كمكون اجتماعي يتبع جغرافيا للسودان.. ازياؤهم على النسق والطراز العربي، ويرتدون (العقال) و(القطرة) ويحملون في اياديهم سبحا فاخرة، ويشتهرون بالكرم والشجاعة، يتبادلون السلام بطريقة مختلفة بحيث تلتصف أنوفهم ببعض، كأنهم يكشفون عن عطر المحبة والإخاء – وقد دعمت القبيلة الرئيس البشير ووالي ولاية كسلا محمد يوسف آدم بنسبة (100%) أيام الانتخابات. كان الخريف ينزع نحو صباح جديد ونحن نستقبل مع أبناء القبيلة في قرية (بوبا) افتتاح بئر ارتوازية من قبل مبرة الرشايدة الخيرية والتي تبرع بها الشيخ عوض بن سلمان من دولة الكويت.. وبحسب بعض المصادر فإن هذه المبرة هي التي تستلم الأموال التي تأتي من الخارج وقد حدثت نتيجة لذلك أزمة بين بعض القيادات داخل القبيلة، كانت أول عبارة تصدر من وزير الدولة بوزارة البيئة والغابات والتنمية العمرانية مبروك مبارك سليم وهو يترجل من السيارة والجميع يستقبله بعبارة (السيد الوزير) قوله (أنا مناضل). من جانبه وجه مبروك نقدا شديدا لعمل (المبرة). جاء ذلك في كلمته على شرف الافتتاح الذي حضره والي الولاية محمد يوسف آدم، وكشف مبروك أنه أثناء الحرب ذهب للكويت طلبا للمال ولكن الحكومة الكويتية رفضت منحه المال بسبب علاقتها الجيدة مع الخرطوم ورفضهم دعم التمرد، واضاف ان البيوت التى شيدتها (المبرة) ضيقة جدا ولا تصلح للسكن وقال إن المساجد قامت بدون دراسة وأن هنالك صندوقا لدعم المدارس ولكن ليس هنالك مدارس. من جانبه وجه والي الولاية محمد يوسف آدم بتوصيل خط المياه إلى داخل القرية وأمن على حديث مبروك بعدم قيام اي مشروع دون دراسة كافية وقال إنهم يريدون أن تصبح كسلا من أجمل مدن العالم ويتغنى بها الشعراء من جديد، مشيرا إلى انه سيتم تشييد محجر في هذا المكان كأحد أهم المحاجر الشمالية للتصدير وفيه مدبغة ومسلخ للتصدير مباشرة. من جانبه رفض العمدة حامد أحمد النقيشي اتهامات مبروك لهم وقال إن المبرة ليس لها علاقة بالعمل السياسي ولا تعين شخصا على آخر، هدفها الأساسي تقديم الخدمات للناس، مشيرا إلى أن الوزير ركز في كلمته على أن المساجد ما ذات ضرورة بينما يرون أن المساجد هى إنطلاقة أساسية للعمل الدعوي والاجتماعي واضاف أن الوزير في اشارة لمبروك سليم يتغول على اعمالهم ويعتبرها من صميم عمله وأنه الداعم الأساسي فيها ودائما ما يهاجمهم في الاحتفالات بصورة مسيئة «كأننا لا نعرف عملنا» مضيفا أن هذه (المبرة) ليست لها علاقة بالسلام وانما هي خيرية واتهم النقيشي مبروك بالمتاجرة السياسية في قضايا القبيلة. من جانبها أكدت مصادر الصحيفة أن هنالك خطوات جارية لإلحاق (الاسود الحرة) بالمؤتمر الوطني بعد مبايعة قادتها للوالي محمد يوسف آدم ولرئيس الجمهورية المشير عمر البشير.. وقد رصدت الصحيفة حالة المعاناة التى يعيشها بعض أفراد القبيلة وخصوصا الصغار الذين حرموا من التعليم والاستقرار، وبالرغم من ذلك فإن قرى الرشايدة تنهض بشكل ملحوظ. في الحدود الشرقية التهريب لا يزال مستمرا يوم كامل قضيناه في الطريق المؤدي إلى الجارة أريتريا وبالرغم من أن البعض نصحونا بعدم الذهاب دون تصريح لأننا سنكون ساعتها معرضين للخطر هذا إذا سمح لنا بالعبور إلى (تسني ) وهى مدينة أريترية تستطيع ان تسافر منها إلى أسمرا مباشرة، وكثير من العرسان الذين يغادرون إلى كسلا وعندما يكتشفون بأنها لا تستوعب أحلامهم يغادرونها إلى اسمرا من ذات الطريق الذي يربط كسلا بإريتريا وهو طريق اسفلتي سوف يكتمل خلال هذا العام.. القرى التى تنام على الخيط المؤدي إلى اريتريا تغط في حالة من المعاناة المشهودة وهى قرى باهتة تنعدم فيها الخدمات الضرورية. نحن الآن في قرية (تاجوج) والتى ارتبط اسمها بواحدة من حسناوات قرية عناتر التى تقع بين سفوح التاكا ورباه وعلى ضفة نهر سيتيت الشرقية وفي ادغال واحراش السنط والسدر والأندراب واللالوب واشجار البان التي تغنى بها الشعراء في اعتدال القوام. وبين قبائل الضباينة وبني عامر والشكرية والأحباش عاشت قبيلة الحمران التى انجبت تاجوج والمحلق. وفي أوساط القرن الثامن عشر للميلاد تقريباً ولدت قصة تاجوج التي خلدها المحلق بشعره الجميل. وبالرغم من أن السيارة قد تاهت في بادئ الأمر ولكننا بعد معاناة طويلة تمكنا من الوصول إلى قرية الجيرة و(أدرمان) وتجاوزنا نقاط التفتيش الاولى، وعندما صعدنا المدخل الذي يفصل بين السودان واريتريا ولاح لنا منظر المدن الاريترية، منعنا من الدخول في تلك المناطق التماسية والتى تعيش فيها مجموعات من البجا والرشايدة اختلطوا بالاريتريين والأثيوبيين، ولا تكاد تميز البعض منهم من شدة التشابه فالناس هنا في حالة تعايش وتزاوج.. اكثر العابرين إلى اريتريا هم من العرسان الذين ينشدون حياة رخية وسعيدة في اسمرا، وبالرغم من اجراءات السفر التي حاولت السلطات تقنينها بسبب شكوى أصحاب الفنادق في كسلا إلا أن جموع المسافرين لم تنقطع أبدا.. وعلى الحدود تنتشر التجارة وغالب البضائع التي تباع في أسواق كسلا ومناطقها الطرفية هي بضائع مهربة، فالتهريب أصبح مهنة بعض المجموعات السكانية، وقد انتشرت رقعته بشكل لافت في الفترة السابقة، وبالرغم من التحوطات التي تقوم بها حكومة كسلا لوقف التهريب إلا انه اخذ أشكالا مختلفة منها تهريب البشر والذي تتعدد مخاطره ايضا، من أمراض ومشاكل أمنية وسياسية وغيرها.