لا أعرف من سيدفع الدية .. لكن الذين قضوا في بئر الذهب المشؤومة، لن تبرأ جراح فقدانهم .. مهما (رمينا) الأسباب على خطئهم في تقدير الأمور ! الذاهبون خلف أحلام الذهب، مواطنون .. وأناس مثلنا، احترقوا بالعطالة وانغلاق فرص العمل، ولسعتهم نيران الفاقة، واكتووا بلهيب الغلاء، فأرادوا الصمود في حياة لا تقيم وزنا لمن لا يملك القرش ! فاجعة لا يمكن تجاوزها ببساطة، أو ابتلاع حلها، بطي ملف التحري حولها، والاكتفاء بأن ما حدث (قضاء وقدر) ! كل الأشياء تحدث بقضاء وقدر، لكن هناك دائما أسبابا، والأسباب قد تكون بفعل فاعل، وهذا الفاعل كلنا شركاء معه، فالمجتمع الذي يجعل بنيه في مهب الريح، وينتظر فقط مبادراتهم المدروسة أو الرعناء .. ليبقوا على قيد الحياة، فإن نجحوا سارع إليهم بمعاول الغلاء والضرائب، وإن غرقوا نفض أيديه عنهم .. مثل هذا المجتمع .. شريك أساسي في ما يحدث .. من أذى أو موت لبنيه. بالله عليكم، هل كان هؤلاء المنقبون العشوائيون، الذين تركوا الحياة وسط ذويهم، ليقفزوا إلى المجهول درءا للفاقة، هل كانوا سيفعلون ما فعلوا، لو كانت لهم وظائفهم التي توفر لهم رواتب يقبضونها آخر الشهر، أو لو كانت لهم أنشطتهم التجارية أو الاقتصادية أو الحرفية، التي توفر لهم اللقمة الطرية أو حتى الناشفة ؟! الذي يحمل كفنه، ويذهب في رحلة المجهول، بحثا عن ذهب قد يأتي، وقد يكون ثمنه إزهاق الروح، هو شخص مضطر لركوب الصعاب، وما أكثر المضطرين لركوب الصعاب في السودان ! أغرب الأشياء أن نلقي بأبنائنا مكتوفين في اليم، ثم نقول لهم إياكم أن تبتلّوا بالماء !! نكويهم بالغلاء والعطالة والحصار .. ونلطم الخدود حين يتسربون إلى المناجم البدائية الخطرة، أو حين يسافرون للمجهول .. الذي أصبحت (إسرائيل) ضمن محطاته الجاذبة !! السؤال بشكل مباشر : هل نريد لأبنائنا الحياة أم الموت ؟ والإجابة : نريد لهم الحياة، ولكن المجتمع لم يكتف بالتخلي عن مساعدتهم على تلك الحياة، رغم أن ذلك من صميم حقهم، بل أسهم المجتمع، وعلى رأسه الحكومات الولائية وأمها الحكومة المركزية، في تجفيف كل مورد، يمكن أن يلجأ له الباحثون عن لقمة .. أو الطامحون لشهقة أكسجين .. تحميهم من الموت اختناقا ! احصروا العطالى من الشباب، والمختنقين من جور الاقتصاد والتخطيط، وفكروا في طريقة لتمويل إعانات شهرية ولو متهالكة لهم، كي لا يضطروا للتحول إلى قنابل موقوتة تهدد أمن المجتمع، أو يضطروا للانتحار .. في أماكن التسرب الحدودي لإسرائيل برصاص الحرس .. أو في غيّابة الجب .. بحثا عن الذهب !