كلما سمعت عن شاب أو شابة في قفص (العطالة) .. أيقنت أن قنبلة فتاكة على وشك الانفجار ! ليس من وسيلة فعالة تقتل الشعوب .. وتصيبب البلاد بالفشل .. مثل فيروس العطالة، وكلما استشرت هذه الآفة في البلاد .. فإنها مؤشر لفشل نظامها الحاكم .. ومؤشر لفشل السياسات الاقتصادية .. ومؤشر لضرورة التحرك .. أو التنحي من السلطة وتركها لمن يقدر على التحرك ! كل الدنيا لا ترفع عينها عن مؤشرات العطالة .. صحيح أن الآفة ليست سودانية، بل تتمدد في كل أقطار الدنيا، لكن (الدنيا) تعرف كل شيء عن أعداد العاطلين، ومؤهلاتهم، وتخصصاتهم، وتراقب مؤشرات الزيادة والنقصان في أرقامهم، وتجعل جزءا مهما من ميزانياتها لدعمهم .. إلا السودان الذي لا يعرف أحد فيه كم عدد العاطلين .. وإلى أين تسير مؤشرات وجودهم، وما دور الدولة في نزع فتيل قنبلتهم ! مصيبة المصائب، أن الآفة تضرب (البطارية) في حركة النماء، أي القوى الفاعلة والمنتجة في الوطن، وهم الشباب، ومصيبة المصائب، أن العطالة لا تقف في تخريبها على رفع الاحتياج المادي لمواجهة أعباء الحياة .. لكنها تنمو لتحفز أصحابها على السلوكيات الأخرى .. والتي تكون خصما على البلاد، وثرواتها، وأمنها، واستقرارها . في عهود مضت .. كان الوعي بقنبلة العطالة كبيرا، ورغم أن البلاد لم تكن قد عرفت (نشوة) البترول التي طارت مع ساعات الفجر .. إلا أن الوعي كان متألقا، والتاريخ القريب يكشف تجارب رائدة في التوظيف، والاستفادة من طاقات الشباب، ومن ذلك تجربة الشريف حسين الهندي، أشطر وزير مالية في تاريخ محاربة العطالة بالسودان، والتي أثمرت بندا تاريخيا في الميزانية هو بند العطالة .. وتم من خلاله استيعاب الآلاف من القوى الفاعلة المعطلة في الوطن. توظيف الخريجين والخريجات من فئة الشباب، خطوة إذا لم تعد بالخير، فإنها حتما تمنع الشر، وإذا كانت الميزانيات تطير في الأجهزة التي تخدم الحاشية، وحاشية الحاشية، فالأولى أن يتم توجيهها للشباب .. إما بالإعانات المباشرة للعطالى منهم، أو بتمكينهم من العمل .. وخلق فرص أمامهم .. تحجيما للعفاريت المتوثبة من تلك الآفة. تذكرت العطالة والعاطلين، وأنا أقرأ أمس خبرا طريفا، وهو أن امرأة أميركية عجزت عن إيجاد فرصة عمل، لجأت إلى نشر سيرتها الذاتية على لوحة إعلانات على الطريق العام. قناة (دبليو جي أكس تي) التي أوردت الخبر، قالت إن كيم ويلبرون من جاكسونفيل، وهي مهندسة مدنية سابقة فقدت وظيفتها قبل 3 سنوات، استثمرت 250 دولاراً لتعليق سيرتها الذاتية على لوحة إعلانية على الطريق العام. الأمريكية، طبعا، ليست مثل العطالى السودانيين، فهي تحظى بإعانة حكومية، وتستطيع أن تتمتع بكل ما يتمتع به الآخرون من الغذاء والعلاج والعناية، والدليل أنها دفعت 250 دولارا ثمنا للوحة سيرتها الذاتية . اللوحة الطريفة حملت عبارة تقول : "هل تبحث عن موظف محترف؟ لقد انتهى بحثك" ! الأمريكية العاطلة قالت إنه يجب أن يقدّم الشخص عملاً فريداً ليحظى بوظيفة في هذه الأيام، ولذلك أقدمتُ على هذه الخطوة. العطالة (خشوم بيوت)، فمن يقرض العاطلين السودانيين 250 دولارا .. ليعلنوا عن حاجتهم وشكواهم ؟!