لم تكن هذه المرة الأولى التي تدعو فيها الحكومة ممثلة في حزب المؤتمر الوطني القوى السياسية المعارضة للمشاركة في ملتقى تشاوري للتباحث حول قضايا الساحة السياسية المرتبطة بمصير ومستقبل الوطن، فكلما تعقدت الأوضاع وتداخلت القضايا تظهر مثل هكذا دعوة. في شهر يوليو دعا المؤتمر الوطني الأحزاب كافة للتفاكر حول موضوع الاستفتاء، وإمكانية تحقيق الوحدة الجاذبة، وكما هو معلوم تم تأجيل الاجتماع حينما أصرت القوى السياسية على إشراكها في وضع الأجندة، إضافة إلى تضمين مقترحاتها التي حصرتها في موضوع الحريات وغلاء المعيشة ودارفور والاستفتاء، وتمسكت بهذه البنود كشرط للمشاركة في ملتقى بيت الضيافة، إلا أن المؤتمر الوطني رفض هذه المقترحات واعتبرها بمثابة مناورة لتحقيق أجندة حزبية ضيقة، أما الأحزاب المعارضة فقد فهمت هذا الرفض في إطار نهج وسلوك المؤتمر الوطني الذي اعتادت عليه كما قالت، يلجأ إليها عندما تصل الأزمات إلى طريق مسدود وحينما يتجاوزها يضرب بها عرض الحائط، وقد يكون إصراره على حصر النقاش في موضوع الاستفتاء عزز من شكوكها، من ناحية أخرى أفرز هذا الرفض كثيراً من التساؤلات وسط المراقبين لتطورات المشهد السياسي، من شاكلة: ماذا يضير حزب المؤتمر الوطني إذا وافق على إدراج أجندة القوى المعارضة في الملتقى؟ بعض أنصار الحزب تحدثوا عن أن القضايا التي تبنتها المعارضة تعتبر من صميم مسؤوليات الحكومة، لذلك كان من باب أولى أن يتبناها حزبهم ويوافق على نقاشها بدلاً من أن يتركها تدخل سوق المزايدات السياسية، إلا أن المؤتمر الوطني مضى في قراره وحاول انتهاج خطة التقى خلالها بقيادات الأحزاب - كل على حدة - لإقناعها بالمشاركة، أو ربما لاستقطاب بعضها لضمان مشاركتها في إطار ترتيبه للملتقى التشاوري الذي عقد الخميس الماضي ببيت الضيافة، لكن هذه السياسة لم تكن مجدية مع حزبيْ المؤتمر الشعبي والشيوعي، بينما أبدى حزب الأمة تفهماً للفكرة وفقاً لحديث د. نافع نائب رئيس المؤتمر الوطني في المؤتمر الصحفي الذي سبق الملتقى بساعات، حيث قال «تحدثنا مع الإمام الصادق حول ضرورة فرز القضايا بالتركيز الآن على قضية واحدة مثل قضية الاستفتاء التي نعتقد أنها محل إجماع كامل ونظل نتحاور حول الموضوعات الأخرى، وقد وجدنا منه تفهماً لما طرحناه ووعدنا الإمام الصادق بطرح هذه الرؤية على الحزب بعد أن استمع إلى توصياتنا، وكانت النتيجة مشاركة الحزب الذي سلمنا ممثليه بأسمائهم، أما الحزب الشيوعي فبالرغم من حديثنا معه حول عدم وجود سبب لربط قضية متفق عليها مثل الاستفتاء بقضايا أخرى غير متفق عليها إلا أنه أكد لنا بأنه قرر مقاطعة الملتقى، وإذا ترتب على هذا اللقاء موقف آخر ستتم إفادتنا». ووفقاً لصديق يوسف رئيس اللجنة السياسية للتحالف والقيادي بالحزب الشيوعي أن الحزب شرع مباشرة في تكوين لجنة من كل الأحزاب، ربما مشابهة أو موازية لفكرة الاجتماع، وقدموا الدعوة لحزب المؤتمر الوطني للمشاركة فيها وربطوا جديته في حل مشاكل البلاد بالموافقة على الانضمام إلى هذه اللجنة، وبعد أن تتوصل الأطراف إلى اتفاق يمكن أن يعلنه الرئيس البشير، لكن الوطني رفض هذه الفكرة، وقرر عقد ملتقاه ببيت الضيافة بمن حضر وسط مقاطعة الأحزاب المؤثرة في الساحة السياسية، وانضم إلى هذه القائمة حزب الأمة القومي قبل يوم من الملتقى بعد أن كان رأيه المشاركة بمستوى أقل من رئيس الحزب لإيصال رؤيتهم في ما يخص القضايا المطروحة، حسب ما ورد في الصحف، لكن قيل إن هذا الأمر كان مختلفاً حوله داخل الحزب بسبب وجود تيار مساند لفكرة المقاطعة ومؤيد لأحزاب التحالف بقيادة د. مريم الصادق. وآخر كان يرى ضرورة المشاركة ويقود هذا التيار الأمين العام صديق محمد إسماعيل ومحمد المهدي حسن نائب رئيس المكتب السياسي، وفي النهاية انتصر صقور الحزب وكان القرار الأخير مقاطعة الملتقى. وقاطعت الملتقى كذلك الحركة الشعبية التي تعتبر موضوع الاستفتاء من أهم قضاياها المصيرية في الوقت الراهن، وتمسكت بما طرحته أحزاب التحالف من شروط، الأمر الذي دعا بعض المهتمين للتساؤل: هل موضوع الاستفتاء أهم للمؤتمر الوطني من الحركة الشعبية؟ وهل نحن أمام أحزاب متفقة حول ما طرحته من أجندة لصالح الوطن أم لصالح الحزب وتكتيكات الساسة؟ وسنشهد اختلافات مثل التي حدثت أيام الانتخابات لا سيما أن بعض قيادات الحركة الشعبية النافذة سبق أن أكدت انحيازها إلى خيار استقلال الجنوب عن الشمال، فهل هذه الأحزاب متفقة معها وتريد دعمها من خلال هذا التحالف لترجيح خيار الانفصال؟ آخرون قالوا من الطبيعي ألا تتفق القوى المعارضة مع المؤتمر الوطني في ما يطرحه من قضايا للنقاش، لكن كيف يمكن أن تلتقي هذه الأحزاب التي تدعو إلى الوحدة مع حركة حسمت قرارها منذ فترة، ولهذا السبب لم تشارك في ملتقى يناقش قضية محسومة، كما أن لديها قنوات للتفاهم مع شريكها ولا تحتاج لمثل هذه الملتقيات، و بأي فهم تحالفت القوى السياسية مع الحركة هذه المرة؟ مهتم آخر فضل حجب اسمه علق على مشاركة مالك عقار والي النيل الأزرق ونائب رئيس الحركة الشعبية، وعلي الرغم من ما صاغه من مبررات أكد فيها إنه شارك كوال لولاية شمالية وجاء ذلك استجابة لدعوة الرئيس؛ قائلاً أن هناك أشياء أخرى لم يقلها عقار وهي اختلافه مع الحركة الشعبية حول مشروع وحدة السودان وشعوره بأن الجنوب اقترب من لحظة الانفصال وتأسيس دولة لوحده، وقد تزيد هذه المشاركة من حجم الخلافات التي حدثت أيام الانتخابات بينه وبين باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية وخرجت لعامة الناس عبر الصحف، وأيضاً شارك مكي بلايل رئيس حزب العدالة وللتنمية المعروف بتضامنه مع أحزاب جوبا. رغم ذلك بحسابات أهل السياسة لم يحقق الملتقى أهدافه بسبب عدم مشاركة الأحزاب التي كانت معنية بالدعوة ومشاركة أحزاب محسوبة على المؤتمر الوطني وغياب الأهداف الأساسية للاجتماع، وهي التشاور مع الأحزاب السياسية حول كيفية إجراء استفتاء مرضٍ للجميع وخاصة شعب جنوب السودان وتحديد ما هو مطلوب منها والتعرف على كيفية تنسيق أدوارها للقيام بهذه المهمة، هذا لبّ القضية وجوهر الدعوة كما أكد حزب المؤتمر الوطني على لسان قيادي بارز، وبالمقابل ماذا كسبت أحزاب التحالف من المقاطعة؟ وأين كان موقع الوطن من أجندة الحكومة والمعارضة؟