العمالة الأجنبية في الخرطوم، وخصوصا (الناعمة) الآتية من الجوار الشرقي، باتت ملحوظة .. وموجودة في بيوتنا .. ومطاعمنا، وتحت أشجار العاصمة .. حيث ستات الشاي والقهوة .. حبشية وسودانية ! لست ضد العمالة الوافدة، فقد قضيت النصف (الزاهر) من عمري .. خارج السودان، وأعرف أن العمالة الأجنبية، إذا تم تقنين وجودها، والإفادة من طاقاتها، فستكون حتما من مفاتيح النماء الرئيسية للبلد. والكثير من البيوت السودانية .. تحتاج لعاملات شابات، وماهرات، لمساعدة الأسر على شؤون المنزل، فالناس (ظروف)، وانشغال الأسرة بعمل الزوج والزوجة، فتح ثغرات في العمل المنزلي .. ما جعل (الشغالة) .. مفهوما حديثا لا بد من التعامل معه باعتباره واقعا، وباعتباره ضرورة .. لمن يلجؤون إليه ! طبعا (الشغالة) السودانية عملة نادرة، وهذا ما فتح المجال للعمالة الناعمة من الخارج، وحتى نكون أمناء، فكثير من العمالة الوافدة مخلصة في العمل، وتسعى بجد ل (أكل العيش)، فهي لم تترك ديارها في أعمار باكرة، معظمها دون العشرين، إلا لأسباب قوية وضاغطة، لأجل أوضاع تكفل حياة أفضل .. لها، وللمحيطين برقابها ! المشكلة أن العمالة التي تأتي .. تحتضن أعدادا كبيرة من القادمين تهريبا وبطرق غير شرعية. وهي عمالة (مخالفة) من الناحية القانونية، رغم أنهم يدخلون سريعا في ساحة العرضة، ويتحولون لأمر واقع بما يكتسبونه من تقدير، وما يقدمونه من أعمال وخدمات في الكثير من المجالات. رد الفعل المتسرع، هو (الكشات) المكثفة، واستبعاد القادمين والقادمات بالتهريب .. فنكون قد طبقنا القانون ! لكن رد الفعل (العاقل) .. هو دراسة الأمر، ومعالجة الظاهرة، والإفادة من الطاقات القادمة .. لتأكل لقمة عيش (قانونية)، ولنستفيد من قدراتها وحماسها وشبابها .. لفائدة المجتمع والبلد. المنطق العقلي يقول : إن أمامنا فرصة ل (توفيق) أوضاع القادمين والمتسللين، فبالإمكان إعطاء مهلة معقولة، لجميع الوافدين بطرق غير نظامية، لتوفيق أوضاعهم، وأخذ التصاريح اللازمة للبقاء، بنظام منح (الإقامة المحلية) .. طالما ثبت أن هناك احتياجا لوجودهم، لأننا بحاجة لحصر هؤلاء القادمين، والاطمئنان على أوضاعهم الصحية، ومعرفة جهات قدومهم، والقدرة على الاتصال بهم، وملاحقتهم عند اختراقهم للقوانين، والإفادة منهم ومن خدماتهم في سد الحوائج المتجددة محليا. طبعا هناك تجارب خليجية باهرة في هذا الجانب، ويمكن الاستفادة منها، والإضافة لها، بما يتواءم مع خصوصيتنا، وإذا اقتنعنا بمبدأ (الدراسة)، فهذا يعني تشديد الرقابة الحدودية .. لتقليص التهريب البشري الجديد لأدنى نقطة، مع فتح الفرص القانونية .. عن طريق الاستقدام، والتسهيلات في المجالات التي نحتاجها، وخصوصا العمالة المنزلية الناعمة .. والتي باتت ضمن إفرازات الواقع .. شئنا أم أبينا.