وإنه موجود ومتوفر ويعلو سعره لأوقات ثم يستقر في أحواض البيع سمسما (دقاق) لا يحصل على فرصة مبيوعات عالية إلا في موسم المولد النبوي الشريف وأحيانا مثل هذه الأيام لصالح إضافته المتميزة في مخبوزات الحلويات.. وعلى قمة هرمها كعك العيد (الناعم)! ناعمة الملمس صغيرة جدا مخروطة الشكل وممتلئة بالمكونات الصحية العالية، تتراص حبات السمسم جوار بعضها في وحدة منسجمة ومترابطة - سبحان الله - لدرجة أنك تشعر أن السمسمات الصغيرات بهنّ خاصية المغناطيسية فينجذبن بشعيرات دقيقة إلى بعضهنّ البعض ويأبين التفرقة، لهذا فإن السمسم لا يجدي نفعاً الى بكمية كبيرة أو على الأقل متجمعة من كم سمسمة! وسمسم لقب محبب لكثير من الأطفال، بنات وأولاداً، يطلق تحببا لتصغير الاسم (سامي، سمير، أسامة، سامية، وسمية الخ.. وربما لتشابه الأطفال في حلاوتهم ودقة وصغر أحجامهم وكلامهم مع السمسم ! وقد اختاره مستثمر ذكي في مجال الأطفال ليصبح اسماً لمحل متخصص لبيع حاجيات الأطفال، في الخرطوم. وهو المفتاح لأشهر القصص العربية المأثورة لحكايات الأطفال (على بابا والأربعين حرامي) (افتح يا سمسم).. وهو كذلك آخر إصدارة كمجلة أطفال من دار الخرطوم للنشر، بارعة في الصور والحكايات (سمسمة). وكما كان أشهر عسل سوداني خالص، من اللحن والكلمات، (أماتو لا تقدنّو العقر ما بلدنّو .. ميتين جنيه من أمو ما بيجيبنّو! ياسمسم القضارف الزول صغير وما عارف.. قليب الريد كل ما هويتك صارف) وهي، والقضارف لا تعرف في الجمال إلا السمسم فهو المحصول الاقتصادي لها، وهو الملهم لشعراء قلوب الصبايا الجميلات، فالسمسم شتلة جميلة خضراء يانعة دوما ممتلئة بالصفق ومتراصة في جوار بعضها واقفة رغم قصرها في اعتداد وأناقة، لا تكون إلا كمحبوبة تترقب الخروج لملاقاة الشباب، وتجود ذاكرتهم في تشبيهها، أن تكون البنت سمسم قضارف نظيفاً وأبيض - أو أسمر- ومملوءاً بالصحة والعافية.. ومضمون النجاح كزرع ومحصول في كافة الأحوال الجوية ولا ريبة دقاق في الجسد والونسة وحساب العمر! تماماً كحبات السمسم التي لا يمكن عدها وخالي -رحمة الله عليه - كان يقول جملة شهيرة (الزول ده روحه أردب سمسم) للذي يكون في حالة مد وجزر بين المرض والعافية! فأردب السمسم لا يمكن عدّه إطلاقا، كما في القصة المأثورة للفتاة التي لا تريدها جدتها أن تخرج مع رفيقاتها فتعدّ لهنّ كيدا عظيما من السمسم تشتته على أرض ديارها ليجمعنه، وحال ما ينتهين من جمعه تذهب معهنّ، وما زلن حتى اليوم يحصدن السمسم! وهو كمحصول سهل الزرع لا يحتاج إلى عمليات رعاية فائقة للحفاظ عليه فهو يقوم بدقته المنظمة متواسياً ومستوياً، ربما حصاده فيه قليل إرهاق.. يمكن أن يختفي تماما حال الحصول على مال المحصول ثم زيته المعروف أنه عافية للأبدان والأرجل بالذات من الرهق والتعب المتداول بين الجلسات والوقفات والمرقات والدخلات، هو زيت الشفاء من البرد وسخونة الأرجل وأحيانا الرطوبة خصوصاً إذا كان من العصارات التقليدية وكان (ولد) يعني أول عصرة! وحينما وهبني الله تعالى (بنتي) الأولى، عانت في بدايات مجئيها لأسباب تتعلق بحضورها أبكر من ميعادها المعروف، تلافت أمي ذاك الفرق في التوقيت بزيت السمسم! وكانت تغمر جسدها الضئيل بالزيت وتلفه بأكمله إلا رأسها الصغير، لفا محكما بثوب قديم كي لا يلفحها تيار هواء ويصيبها جراءه ما لا تحمد عقباه، وما أصابها - والحمد لله - شيء حتى حساسية الجلد المتقشر للأطفال، ثم أصبح طبيبي المنزلي - زيت السمسم - يراقفني في تغطية أطفالي ليلاً ونهاراً، حيث أن مسح الزيت على الوجه حين القيلولة يقلل من قوة تيارات الهواء في أنفه - كهواء المراوح والمكيفات - كأنما يكون زيت السمسم مزلقان يخفف حدة الهواء فيصل أنف الطفل قليلاً ومترفقاً بمجاري تنفسه، كما أنه الزيت يبعد عنه (ثقالة) الذباب خاصة في الخريف! ولا يمكن أن يكون (الفول) فولا مصلّحا وصالحا للأكل الا بزيت السمسم وياحبذا لو كان دافئا - الزيت - ومضاف إليه الليمون!! كما أنه كزيت يستعمل في كثير من التراكيب الدوائية العشبية كمضاف أساسي أو جانبي يخلط مقومات الوصفة ويمنحها السيولة المطلوبة لاستعمالها، ويستعمل كذلك كملين لواحدة من مشاكل الجهاز الهضمي (الإمساك) مؤخراً أصبح السمسم الحب يضاف إلى أنواع معينة من السلطات ليس لغرض التزيين أو – الفنكهة - أنما لأنه يساعد على التخلص من الكثير من الغازات السامة في الجهاز الهضمي، التي تقلل من الاستمتاع بالوجبات الغنية بالدسم. ويشاع أنه إذا تم عمل مضمضة يومية لمدة عشرين دقيقة بزيت السمسم فإنها كفيلة بأن تطرد البكتريا من الفم والمعدة بل ويزيد بأنه يسهم في تقوية الجهاز المناعي للإنسان! وعند أهلي في غرب السودان يكون السمسم وجبة مصاحبة للرعاة وزاداً أساسياً للمسافرين بالسلامة، بأن يدق السمسم حتى يصبح عجينة قوية، ويتخلص من الزيت الناتج عنه، ثم تضاف إلى العجينة القليل من الملح والسكر - أو نبات المخيط وهو من النباتات الحلوة بعد عملية نقع طويلة له - ثم يمكن أن يضاف إليها بعض بلح وهي في جفافها من الزيت وتكويرها تبقى لأوقات طويلة مشبعة للفرد، لا يصيبها شيء من التلف أو تقليل القيمة الغذائية العالية لها كما هو معروف عنه! وما يعرف عن الإنسان أنه الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يكون عدواً لنفسه في العموم، وفي السودان بالخصوص، فإننا نهمل تمام الإهمال السمسم كمحصول مهم وغني بالفوائد الغذائية والمالية ونتعامل معه كمجرد مضاف إليه مجرور على وجه الحلويات،لا سيما السمسمية المشهورة وكتزيين للفطائر المالحة لا شك (الكرواسون) - فرنسي الأصل والنطق - ولا نبرع في الاستفادة منه أو تطوير إنتاجه ومنتجاته ليصبح واحداً من أهم الصادرات للسودان، فقد تصبح عبره - ومحاصيل أخرى مهمة - ثروتنا إردب سمسم لا يمكن جمعها!