· لأزمة دارفور نسختان إحداهما ترقد على أرض دارفور أما الأخرى فترقد داخل الآلة الإعلامية العالمية، ولكل نسخة ملامحها ومعالمها وتفاصيلها التي قد تتداخل بين النسختين ولكن بمفاهيم مختلفة ولأغراض مختلفة، وما بين هذه وتلك يضيع إنسان دارفور وتضيع قضيته الأساسية وتطول أزمته على النحو الذي بين أيدينا الآن وتتعقد حتى تختلط علينا الأشياء فلم نعد نفرق بين اللص والمناضل والباحث عن السلطة والمال ولم نعد نثق في أحد يدعي أنه يقاتل لأجل أهله في دارفور، وتطورات هذه الأزمة تكشف زيفهم ونفاقهم وحقيقة أجندتهم التي لن تتجاوزهم كأفراد ولهذا انقسموا إلى عشرات الحركات واقتتلوا في ما بينهم وسجنوا بعضهم البعض في سجون هي الأفظع والأقذر، والمرارات بينهم أكبر من تلك التي بينهم وبين الحكومة التي يقاتلونها جميعاً. · أكثر من سبعين حركة، عجزت قضيتهم التي يقاتلون من أجلها كما يدعون عن توحيدهم أو إبقائهم موحدين منذ اندلاع كفاحهم وحتى بلوغهم لأهدافهم، ثمة شيء ما أسمى من قضيتهم، إذن ما هو هذا الشيء الذي تجاوز قضيتهم وسيطر على عقولهم وسلاحهم وقسمهم إلى هذا العدد من الحركات؟؟ والإجابة سهلة ومعروفة لكافة أهلنا في دارفور وهي السلطة والمال وليس شيئاً آخر سواهما، ليس في مفكرة هؤلاء إنسان دارفور وقضيته وأزمته ومعاناته وحقوقه ومطالبه التي ترقد داخل النسخة الأصلية وهي نسخة بسيطة وواضحة تطالب بالسلام ورد الحقوق إلى أهلها وتنمية الإقليم والمشاركة العادلة في السلطة وكل هذه المسارات تمضي بشكل جيد وهناك استعداد من قبل الحكومة لحلحلة كافة المشاكل والاستجابة إلى كافة الحقوق المشروعة والمستطاعة يدعمها في ذلك الاتحاد الأفريقي والجامعة العربية بالقدر الذي يجعلنا أمام فرصة تاريخية للوصول إلى سلام ووضع حد لمعاناة النازحين واللاجئين وتنمية الإقليم بدعم قوي من الدول العربية ولكن أنصار النسخة الأخرى من قيادات الحركات المسلحة الذين يعملون لأجل أجندتهم الخاصة التي ترقد في سلام بجوار الأجندة الأجنبية، فيقاطعون مسيرة السلام والتفاوض لأسباب واهية تدعمهم آلة إعلامية ضخمة هي التي نسخت النسخة الأخرى لأزمة دارفور التي شغلت الحكومة لسنوات فأضحت تفاوض على نسخة بديلة غير حقيقية لا صلة لها بأزمة دارفور ولكنها أي الحكومة انتبهت لهذه المؤامرة فطرحت إستراتيجية دارفور التي من أبرز ملامحها أنها أعادت الأزمة إلى نسختها الحقيقية التي ترقد على أرض دارفور تخاطب جذور الأزمة وتضع الحلول الناجعة وتمضي فيها وقد بدأت الحكومة بالفعل في تنفيذ إستراتيجيتها فأسندت إلى أبناء دارفور حقائب وزارية لها خصوصيتها في الكم والكيف كانت هي مفاجأة التشكيل الوزاري الحالي وتواصلت برامج التنمية في الولايات الثلاث ورصدت في الإستراتيجية ملياراً وثلاثمائة مليون دولار لتنمية دارفور وأبقت على التفاوض مدخلاً وحيداً لحل أزمة دارفور عبر منبر الدوحة. · في ظل كل هذه الخطوات الكبيرة تخرج علينا حركة عبد الواحد محمد نور وتغتال ثلاثة من المشاركين في مفاوضات الدوحة كممثلين للنازحين بمعسكر الحميدية بغرب دارفور ويلقى القبض على آخرين متلبسين في تنفيذ عمليات اغتيال مماثلة بمعسكر كلمة بث التلفزيون السوداني أمس الأول اعترافات لقائد عمليات الاغتيالات ومسؤول المعسكرات بحركة عبد الواحد بجنوب دارفور يقر فيها بتكليف الحركة له بهذه العمليات وقال إنها تستهدف المشاركين من النازحين في منبر الدوحة ورغم ذلك ما زالت قوات اليوناميد تتباطأ في تسليم الجناة للحكومة لمباشرة الإجراءات العدلية تجاههم. · تأخرت الحكومة كثيراً في الكشف عن تفاصيل الإستراتيجية التي تنوي تنفيذها في دارفور حتى خرجت علينا بعض الحركات المسلحة لتقول إن إستراتيجية الحكومة في دارفور هي إستراتيجية حرب مما حدا بالحكومة لتدافع عن إستراتيجيتها وبدأت تفصح عنها وهذه واحدة من مشاكل الحكومة في هذه الأزمة بالذات وهي تضع نفسها دوماً في موضع المدافع في ساحة الإعلام وهي التي تمتلك المبادرة دوماً في الساحة السياسية كما يحدث الآن وهي تطرح إستراتيجيتها على المبعوثين الدوليين والوسطاء.