الماهية ستطير، إذا كان هناك عيد .. أو لم يكن ! صحيح أن الأعياد أكثر فتكا بالماهية، فأجنحة الفلوس تتحول لمحركات نفاثة، وكل المصروف الذي تتم مباصرته لأكبر عدد من أيام الشهر، يذوب فجأة، فلا يبقى منه ما يسد الرمق بعد ذلك ! لكن الأيام التي لا تشهد أعيادا، تفعل أيضا أفاعيلها بالماهية، ولا أعرف أحدا قط .. يستطيع الآن توفير جزء من ماهيته، بل لا أعرف شخصا .. يستطيع الإيفاء بكامل مصروفاته والتزاماته .. من راتب واحد ! أحد أصدقائي .. كثير الطنطنة من مشاكل الماهية، ولأنه غارق حتى أذنيه في المعاناة، فهو يظن أنه وحده في محنته، وأن حظه التعيس وراء مشاكله، وأن (ظروفه) رعناء .. ولا تقدير لها أبدا ل (الظروف) ! قال لي الصديق : تصور، كنت سابقا أقبض راتبي لإنفاقه خلال الشهر، ثم رويدا رويدا، بدأت أقبض راتبي لأسدد به ديوني التي تلتهم نصف الراتب، والآن .. أقبض الراتب لأسدده كله لأصحاب الديون، حتى أضمن بقائي حيا .. وقادرا على الاستلاف بقية أيام الشهر !! طبعا مشكلة صديقي تتفاقم مع الأعياد، وخصوصا إذا كان العيد قبل مواعيد الراتب، صحيح أنه يسعد بزيارة الصراف مبكرا، حيث يتم في العادة التبكير بالصرف ابتهاجا بالمناسبة، لكن المشكلة أن الراتب الذي يعقبه يأتي بعد أربعين يوما، ولا يتم صرفه مبكرا .. لأن العيد يكون قد طار ! العيد هذا العام سيكون يوم الخميس 8 سبتمبر، أو الجمعة 9 سبتمبر، وبحساب الناس على شاكلة صديقي، فإنهم سيبيدون الراتب كله في الأسبوع الأول من الشهر، فلا صوت يعلو فوق صوت العيد، وستكون بيوتهم مزدانة بالجديد، وأجسادهم متألقة بالملابس الزاهية الجميلة .. وجيوبهم خاوية على عروشها .. وعليك يا الله ! إدارة الصرف للماهية، وخصوصا في العيد، تشبه إدارة الأزمات .. كتلك التي نتعرض لها سنويا جراء الفيضانات، أو التي نتعرض لها يوميا .. كانقطاعات الكهرباء، وكوارث الماء الليموني الذي يأتينا عبر المواسير، فنختار أن نموت بشربه، بدلا من أن نحرده، فنموت جفافا وعطشا ! طبعا كل شخص معني بأزمته، والديون التي كانت تمنع الجفون من الكرى، أصبحت شيئا عاديا، وأصبح (الدائن) هو الذي لا ينام، في حين يمارس المدين الشخير هانئا قانعا بحاله. العيد يطرق الأبواب، والماهية دخلت الجيوب، لكن محركاتها النفاثة تزمجر للطيران، وما دامت الفلوس ستطير .. بالعيد أو دونه، فلا بأس من الفرح .. والانبساط .. والسهر في الأسواق لرش الحياة في أوصالها، ثم العودة أخيرا لممارسة الشخير الهانئ .. .. وعليك يا الله !