كتبنا بإسراف عن النجوم.. نجوم السياسة والاقتصاد والفن والأدب والرياضة بمختلف مجالاتها خاصة كرة القدم، ولا تقتصر هذه الكتابات المركزة في معظمها على النجوم عندنا هنا في السودان لكنها تشمل العالم العربي وإفريقيا والدنيا بأجمعها. ولذلك كان صحيحاً ما قيل من أننا إذا ما أردنا أن نكوِّن فكرة عن الحياة في أي عصر من العصور التي سلفت هنا في السودان أو في خارجه علينا بالرجوع إلى ما كُتب في ذلك العصر فإننا في واقع الأمر نجد أن الحياة التي بين يدينا هي حياة النجوم في ذلك العصر. أما الشعب أو غِمار الناس كما يقول الكاتب الصحافي الدكتور الأستاذ الجامعي الشيوعي القديم عبدالله علي إبراهيم فلا أثر يُذكر لهم في تلك الكتابات القديم منها والحديث. وهذا ظلم كثير فهم الذين يسيِّرون الحياة. وربما كانت الرواية هي الشكل الوحيد من أشكال الكتابة الذي ركّز على غِمار الناس وأنصفهم بأن جعلهم هم الشخصيات الرئيسة. لقد أصبح غِمار الناس في الأعمال الروائية هم النجوم.. ففيها تجد الموظّف، والميكانيكي، والمزارع، والحلاق، والسائق، والإسكافي، والممرض، والعاطل، والمجنون، وسائر فئات المجتمع بمن في ذلك فئة المتعلمين والخريجين. ولأن قُرّاء الروايات أقل من قُرّاء الصحف، كان الشائع المتداول أن معظم كتاباتنا في السودان وخارجه وفي هذا العصر وفي العصور التي سلفت عن النجوم وليس عن غِمار الناس. هل تستطيع الصحافة السودانية والعربية والعالمية أن توفيهم حقهم في الكتابة عنهم كما أوفتهم الروايات خاصة وأن في الكتابة عنهم تجديداً تفتقر إليه كتابتنا اليومية عن النجوم؟ إن فوائد الكتابة عن غِمار الناس كثيرة ومنها أنها تجعل فهمنا للحياة في أي عصر من العصور وفي الأوطان كافة شاملاً. وهي إن الكتابة عن غِمار الناس تعمِّق فهمنا للطبيعية الإنسانية وتساعد في إنجاح محاولات البعض لتغيير هذه الطبيعة إلى الأرقى والأفضل والأجمل. وهي أكثر صدقاً وأمانة واقتراباً من الحقيقة لانتفاء بُعد المصلحة .. هذا البُعد الذي له أحياناً وجود عند الكتابة عن النجوم! وعندما كنتُ من سنوات أُحرر صفحة يومية في إحدى الجرائد فإنني حرصت على أن أُخصص زاوية ثابتة لأحد هؤلاء الذين يسيّرون الحياة ومن سماهم البعض (الشعب الخالد).. وكان لرئيس تحرير تلك الجريدة رأي مختلف لكنه لم يكن يفرض رأيه على معاونيه، لقد كان في هذه الناحية ديمقراطياً. وقد كانت تلك الزاوية مقروءة وأعتقد أنها كانت مفيدة.. وكان الإنسان العادي الذي هو من غِمار الناس عندما يجد اسمه في الجريدة متحدثاً أو موضوعاً للحديث يفرح فرحاً ما له حدود.. وأكثر منها كانت فرحة الكاتب.