{ وأشهر ما قيل في العيد:«بأية حال عدت يا عيد.. بما مضى أم بأمر فيك تجديد؟» والعيد يعود دائماً في موعد ثابت ومعروف لا يتبدل ولا يتأخر ولا يتغير بحدوث ظرف طارئ أو لأمر قاهر. العيد يعود في كل عام ليجدنا نحن من تغيرنا وتغيرت أوضاعنا وتفاصيلنا وحتى مبادئنا.. يعود العيد فيجد بعضنا قد رحل عن هذه الفانية حاملاً معه ذكريات حميمة وطيبة وأعمالاً صالحة أو تاركاً خلفه سيرة سيئة وأفعالاً مشينة وقلوباً ساخطة، وفي كلٍّ لم يعد له مكان في هذا العيد الجديد العائد بأمر مجهول أو معلوم. { والعيد يعود علينا ليجدنا قد تبادلنا المواقع فصعد بعضنا إلى القمة وانحدر آخرون إلى الحضيض، البعض قد نجح وأنجز والبعض قد فشل وتراجع والفرحة تغمر أناساً والحسرة تكاد تقتل آخرين، والعيد عاد على الجميع بأمنيات طيبة نرجوها دون أن نكون أكيدين من نزولها إلى أرض الواقع وفي كلٍّ خير. { بعض السعداء يحتفون في هذا العيد بمناسبات مفرحة هي في الغالب بداية لمرحلة جديدة من مراحل حياتهم تبدأ غالباً بسعادة غامرة وعسل حلو المذاق ثم لا تلبث أن تبدأ في التحول نحو أبعاد أخرى. يتفاءل الناس بالعيد فيختارونه توقيتاً يرونه مناسباً للأفراح والتزاوج ربما تيمناً بفرحة العيد وبهجته، ولكن هل ما زالت للعيد فرحة وبهجة؟ وهل لا يزال هو ذات العيد السعيد؟! { تُرى هل يشيخ العيد ويهرم؟ إنه يأتينا منذ الأزل، تعاقبت عليه أجيال وأحداث وهو حريص على موعده، فهل تراكم كل ذلك الوقت فوق عمره لهذا أصبح واهناً وباهتاً وكئيباً؟! أم أنه إحساس شخصي قبيح أخشى أن يحاسبني عليه الله؟ ولكن الحقيقة الثابتة أن العيد قد تغير، ربما لا يزال وفياً لموعده ولكن ملامحه تغيرت وإحساسنا به تغير وأصبح مصنوعاً ورتيباً وفقد نكهته مثلما فقدنا حماسنا له. { عيد بأية حال عدت..؟ هل تحمل لنا بشريات الوحدة أم أنباء الانفصال؟ هل ترانا سننعم في العام الجديد بكل تلك المعاني الرنانة التي نسمع عنها طويلاً من رفاهية وسلام واستقرار أم أنك عدت بذات الوعود البراقة التي لم ينزل منها شيء إلى أرض الواقع بعد؟! هل بإمكاني الآن أن أحلم بمستقبل سعيد لهؤلاء الصغار الذين يكاد قلقي على غدهم يغتالني؟ هل سيكون حظهم هذا العام أفضل من السابق أم أن المزيد من الجرائم والانتهاكات ستمارس ضد طفولتهم البريئة وتمنع النوم عن عيوننا الشاخصة المندهشة؟! { بأية حال عدت يا عيد؟... بضمانات الصحة والعلاج والتعليم أم بالمزيد من التردي واللامبالاة وفي كل المجالات والمرافق؟ بواقع أفضل وحياة كريمة أم بفقر أكثر وضنك أشد وطأة ومستقبل مشوش وغير واضح الملامح؟! لم أعد أنتظرك أيها العيد.. ولماذا الانتظار وأنت قادم لا محالة؟ دقيق أنت في موعدك لدرجة مزعجة ومقلقة، وكأنك حريص على تجديد أوجاعنا ومخاوفنا وسحب أعمارنا من بين أصابعنا لتعود وتجد الحال على ما هو عليه سوى المزيد من الآلام والإحباطات. لم أعد أنتظرك، فلم تعد لديَّ ملابس جديدة أحتضنها حتى الصباح، على أمل قدومك البهيج.. ولم تعد لديَّ حقيبة صغيرة أمنِّي نفسي بأن أملأها بالحلوى والعيدية من كل بيوت الحي التي هي بيتي، الآن لا يعرف أبنائي معنى العيدية ولا عايشوها ولم أعد أسمح لهم بالتنقل كيفما شاءوا بين طرقات الحي وبيوته دون أن أقلق على أحدهم «فمرام» الصغيرة اغتال براءتها ابن الجيران ظهيرة العيد السعيد وراح يبحث عنها بين الجموع بقلق زائف.. فكيف آمن على أبنائي بعد هذا؟ { أيها العيد.. مرحباً قد لبسنا لك الجديد ولكننا نتلقاك بالدعوات الصادقات بألا يكون في ركابك المزيد من العجائب والغرائب ونسألك بحق من جعلك يوماً ميموناً للفرح المشروع أن تترفق بما أنت عائد به.. فلم نعد نحتمل. ٭تلويح: العيد جاء.. ولم يجدنا.