شكلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر التي هزت برجي مركز التجارة في مدينة نيويوركالأمريكية في العام 2001م، مفصلاً حاسماً في تاريخ الولاياتالمتحدةالأمريكية، وشقت تاريخها إلى نصف، ما قبل، وما بعد «أحداث سبتمبر»، في كل نصف إمبراطورية تختلف عن الأخرى، وعندما يؤرَّخ إلى هذه «الأحداث» ستكتب الكثير من الدراسات عن وجوه الاختلاف بين كل نصف ونصفه الآخر، وبالقدر ذاته غيرت تلك الأحداث العالم، وخصوصاً المنطقة العربية التي نالت نصيباً مقدراً من التغيرات ابرزها حرب العراق والكوارث التي رافقتها. وبعد مضي نحو عقد من الزمان على تلك الأحداث التي هزت البرجين، وهزت معهما هيبة الولاياتالمتحدةالأمريكية وسطوتها في العالم، وكشفت العورة الأمنية والاختراق المخابراتي اللذين ينخران جسد الإمبراطورية الأمريكية، ما زالت الجذور الفكرية التي نهضت عليها دوافع دك البرجين تعمل بفاعلية على ضفتي المحيط، حيث تزامن الاحتفال بذكرى تلك الأحداث مع بروز أجيال جديدة من التطرف هنا، وهناك، وهنالك. إن تلك الأحداث التي تشبه أفلام السينما في إثارتها وسرعة تتابعها وتطورها، والتي أعادت إلى الأذهان أحداث «بيرل هاربر» عندما اقتحم الطيارون اليابانيون في الحرب العالمية الثانية حاملة الطائرات الأمريكية وأسقطوا طائراتهم عليها في عملية انتحارية تكشف عن شجاعة نادرة، بالغة الجرأة والمغامرة، وقد أخرجت تلك الأحداث في ذكراها العاشرة «فجأة» إلى مجال الشهرة رجلا مغمورا يبدو محدود القدرات الذهنية وضيّق الآفاق في مجال الفكر هو القس «تيري جونز» صاحب فكرة حرق نسخ من القرآن الكريم، وهي فكرة جهنمية رغم تفاهتها.. إن تلك الأحداث كشفت كيف يخدم التطرّفُ التطرفَ، ويغذي بعضه بعضاً ويمده بأسباب الحياة والاستمرارية. تغير العالم وصارت بلداننا العربية والإسلامية غير تلك التى كنا نعرف قبل الحادى عشر من سبتمبر 2001، فقد اجتاحت قطاعا مهما منها وبحجة القضاء على الإرهاب القوات الأمريكية لتحتلها وتعيث فيها تدميرا وتخريبا كما هو الحال اليوم فى العراق وأفغانستان، وحذت حذوها القوات الإسرائيلية وبنفس الحجة فى لبنان وغزة. وبعيد «الأحداث» التاريخية اجتاحت معظم البلدان الإسلامية والعربية داخليا موجات واسعة من التغيرات السياسية والأمنية بنفس حجة القضاء على الإرهاب أسفرت من ناحية عن اتساع نسبى لظاهرة العنف الإسلامى المتطرف ومن ناحية ثانية عن اتساع أكبر لحركات الإسلام السياسى المعتدلة والجماعات السلفية الأكثر محافظة وتشددا وبعدا عن العنف والسياسة. وفوق كل ذلك عرفت غالبية البلدان العربية والإسلامية موجات أكثر اتساعا من الحراك السياسى المعارض بصفة خاصة، أسفرت عن تحريك كثير من الأوضاع السياسية التي كانت قد وصلت إلى مستوى بائس من الركود والتحجر على الرغم من عدم تحولها إلى تغيرات محورية في أحوالها السياسية، وكانت مصر وبعض الدول العربية القريبة منها هي المثال الأبرز لها. ومع كل هذه التغيرات المهمة، فطوال تلك السنوات التى انقضت منذ وقوع هجمات سبتمبر ظل شىء واحد لم يلحقه التغيير وهو تلك الرواية الشائعة المتعلقة بطريقة وقوع هذه الهجمات والجهة المسئولة عنها.