تظل القوة هي المسيطرة على العلاقات الدولية وتتخذ أشكالا مباشرة أو غير مباشرة وتحت مسميات مختلفة إما قوة عسكرية أو سياسية أو اقتصادية أو نووية تؤصل الرعب في نفوس الخصوم. هذا ما تمارسه الولاياتالمتحدةالأمريكية اليوم باسم الحرب على الإرهاب الذي اتخذته ذريعة لتبرير موقفها من الدول المخالفة لها في الايدولوجيا أو التي تخشى خطرها ، ودرجت أمريكا على خيار الدبلوماسية والشعارات البراقة التي تحاول إقناع الرأي العالمي بها وان كان يؤثر على سياساتها كثيرا فهي درجت على التصرف منفردة وتبؤ مراكز القيادة منذ خروجها عن فترة العزلة التي كانت تمارسها قبل الحرب العالمية الأولى وحتى قدرة القطبية الأحادية الذى طوت فيه أمريكا العالم تحت قبضتها بالرغم من المقاومات والمعارضات من بعض القوى التي لم تستطيع حتى الآن أن تبرز وجودها وثقلها، كان نصيب كل بقعة في العالم من حرب الإرهاب واقعا ومازال وبالذات الدول التي كانت تحت الاتحاد السوفيتي أو الدول ذات التوجهات الايدولوجية المختلفة وهي الدول الإسلامية في المنطقة العربية وفي القرن الأفريقي فكل الدول التي أعلنتها أمريكا في قائمة أولويات الحرب على الإرهاب تقع في هذه الدائرة . إن التطور الأكبر لمصطلح الإرهاب والذي لفت إليه انتباه العالم هو ما أعقب أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001م بعد الهجمات التي تعرضت لها أجزاء من نيويوركوواشنطنبالولاياتالمتحدة، والتي مثلت نقلة نوعية هامة في تطور ظاهرة الإرهاب وبدت أقرب إلى ما يعرف بالإرهاب الجديد أكثر من كونها شكلاً من أشكال الإرهاب التقليدي القديم وكان مفهوم الإرهاب الجديد قد دخل إلى الأدبيات السياسية خلال عقد التسعينات من جانب العديد من الأكاديميين والسياسيين بوصفه شكلاً متميزاً من أشكال الإرهاب تحركه الايدولوجيات ذات الأساس الديني المتطرف كما يتميز هذا الشكل باعتماده على شبكات تنظيمية واسعة بالإضافة إلى كونه أكثر تنظيماً لاستخدام أسلحة الدمار الشامل لضرب أهداف محددة ( *) ولا تقتصر أهمية هذا التحول على ما يمثله من تهديد جديد جزئياً للأمن الدولي ، ولكن أيضا على ما إستثاره من ردود افعال من جانب الولاياتالمتحدة والقوى الدولية الاخرى والتي لم تقتصر فقط على شن حملة دولية واسعة بقيادة الولاياتالمتحدة ضد الارهاب ولكنها وصلت لتبني الرئيس الامريكي جورج دبليو بوش لموقف يقوم على أن وقف الارهاب ومحاسبة الدول التي ترعاه أصبح التركيز الرئيسي للادارة الامريكية وهو ما يعني أن أحداث الحادي عشر من سبتمبر قد غيرت السياسة الخارجية الامريكية بصورة جذرية حيث أصبحت هذه السياسة موجهة بالكامل نحو أهداف مكافحة الارهاب بما ينطوي عليه هذا الامر من تخصيص للموارد المادية والبشرية وإعادة تشكيل التحالفات الخارجية الامريكية وعلاقاتها الدولية وهو ما يعتبر أوضح تعبير على المكانة التي بات الارهاب يحتلها كشكل رئيسي من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية , ومن هذا المنظور فإن الارهاب الجديد يمثل في واقع الامر الجيل الثالث في تطور الظاهرة الارهابية في العصر الحديث فالجيل الاول كان عبارة عن موجات الارهاب ذات الطابع القومي المتطرف التي إجتاحت اوربا منذ اواخر القرن التاسع عشر وحتى عقد الثلاثينات ، وكان القائمون بالارهاب في الاغلب من الوطنيين المتطرفين واعتمدوا على اسلحة خفيفة ، أما الجيل الثاني فهو عبارة عن موجات الارهاب ذات الطابع الايدولوجي اثناء الحرب الباردة وكانت في جوهرها اداة من ادوات الصراع بين الشرق والغرب ، أما الجيل الثالث او الحالي فهو إرهاب يتسم بخصائص متميزة ومختلفة عن إرهاب العقود السابقة من حيث التنظيم والتسلح والاهداف فمن حيث التنظيم تتسم جماعات الارهاب الجديد بغلبة النمط العابر للجنسيات حيث تضم أفراداً ينتمون الى جنسيات مختلفة ولكن تجمعها أيدولوجية دينية او سياسية أما من حيث الاهداف فإن الارهاب الجديد يركز على ايقاع اكبر الخسائر مادياً وبشرياً وليس فقط مجرد لفت الانتباه الى المطالب السياسية والعقائدية على غرار ارهاب السبعينات والثمانينات، كما يتسم الارهاب الجديد بكثافة التعبير عن الكراهية والرفض الشديد للآخر من خلال استهداف رموز بارزة لديه , وكانت الولاياتالمتحدة بصفة خاصة هدفاً رئيسياً للعديد من عمليات الارهاب الجديد سواء بسسب مكانتها الدولية كقوة عظمى وحيدة في العالم بعد الحرب الباردة أو بسسب ما تتسم به سياستها الخارجية من إختلالات وتحيزات صرفة أو بسسب تعقيد بيئتها الداخلية ( *) . وفي الوقت نفسه فإن هجمات سبتمبر مثلت مأزقاً عسكرياً حقيقاً للولايات المتحدة فعلى الرغم من قوة الولايات الهائلة في المجال العسكري الا أن هذه القوة لاتستطيع أن تفلح في مواجهة مصادر عدم الاستقرار الداخلي, ففي أفغانستان لم تمارس القوات الامريكية قتالاً برياً حقيقياً دائماً على قوات التحالف الشمالي الموالية لها مما يعكس افتقار الولاياتالمتحدة للوسائل القتالية والتكتيكات الملائمة لمثل هذا النوع من الصراع المسلح ، لذلك بدأت الولاياتالمتحدة بعد احداث سبتمبر تراجع خططها وتحدث تغييراً في هياكلها التنفيذية و السياسية. (* ) كما كان لأحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001م تأثيرها الواضح على مفهوم الأمن، إذ طرحت مفهوماً جديداً للأمن الدولي، سواء في شِقِّه المتعلق بالترتيبات أو الاستراتيجيات الأمنية الجديدة، حيث حاولت الولاياتالمتحدة فرض أجندتها الخاصة بمفهوم الأمن، والذي يقوم بالأساس على "أن الإرهاب هو أخطر مصادر التهديد التي تواجه أمن الدول والمجتمعات، وأن العالم كله معرض لاعتداءات إرهابية شبيهة بأحداث سبتمبر"، وشرعت في بناء تحالف دولي ضد "الإرهاب"، وقادت حملة ضده، استخدمت فيها كل الوسائل بما فيها العسكرية كما حدث مع الإطاحة بحركة طالبان في أكتوبر 2001م، أي بعد الأحداث بشهر، والإطاحة بنظام صدام حسين في أبريل 2003م، فضلاً عن الوسائل الأخري كتجفيف المنابع المالية والاقتصادية والثقافية للإرهاب. في نفس الوقت إن هجمات الحادي عشر من سبتمبر تُعَدّ حادثاً تاريخياً بكل المعايير، كما يُعَدّ أضخم وأجرأ هجوم مُعاد للولايات المتحدةالأمريكية، ينفذ داخل أراضيها منذ قيام الاتحاد الأمريكي، ولذلك نتجت عن تلك الهجمات تأثيرات قوية، خاصة على الصعيد الداخلي الأمريكي، خاصة على صعيد "عقيدة الأمن القومي الأمريكي" ، حيث اقتصرت هذه العقيدة في العقود الماضية على تصور "تهديدات إستراتيجية" من جانب عدو خارجي، يهدد الأرض أو المصالح الأمريكية، سواء كانت دولة أو عدة دول يمكن تحديدها، ويمكن الرد عليها في حالة نشوب عداء متبادل، وطُوِّرت هذه العقيدة بعض الشيء في السنوات الأخيرة لتتضمن مخاطر إما من قبل دول أو منظمات تمثل تهديداً إستراتيجياً للولايات المتحدةالأمريكية، لكن بإمكانها الأضرار بمصالحها سواء داخل الولاياتالمتحدةالأمريكية أو خارجها، أما الآن، فإن هذه الهجمات تُغير تلك الرؤى، حيث ظهر أن هناك منظمات أو مجموعات من الأفراد قد تكون قادرة على تشكيل وتنفيذ "تهديدات إستراتيجية" ضد الولاياتالمتحدة، تشل الحياة السياسية والاقتصادية بالداخل، وهو ما يمثل بالتأكيد انقلابا في الفكر الأمني والإستراتيجي الأمريكي، والذي يضع على المحك كل أنماط التفكير السائد بما فيها مشروع الدرع الصاروخي، الذي تأسس وفق الرؤية التقليدية لتصور التهديدات والمخاطر. وبالتالي كانت أحداث سبتمبر فرصة للولايات المتحدة لصياغة استراتيجيتها الأمنية الجديدة (استراتيجية الهجمات الوقائية)، ( *) والتي تنطلق من حق واشنطن في توجيه ضربات عسكرية وقائية ضد أية دولة أو جماعة ترى أنها باتت تمثل خطراً أو تهديداً للأمن الأمريكي بمفهومه الواسع، وبدأت تتصرّف بمنطق القوة العظمى الوحيدة في العالم، وحاولت توظيف الأحداث من أجل تحقيق مصالح وفوائد ومنافع جديدة تساعدها على الاحتفاظ بموقعها المتميز على قمة النظام الدولي. ولتحقيق هذه الأهداف اعتمدت الإدارة الأمريكية في تحركاتها على التوجهات والمبادئ التالية: ( *) - رفض العمل الجماعي من حيث المبدأ، وربط المشاركة الاستثنائية فيه بشرطين رئيسين، الأول: أن تتم هذه المشاركة تحت قيادة أمريكية، والثاني: أن تحقِّق الولاياتالمتحدة أقصى فائدة ممكنة، ولهذا تحلّلت الولاياتالمتحدة من العديد من الاتفاقات الدولية التي صدَّقت عليها أو وقعت عليها أو وافقت عليها، من قبيل الاتفاقات الخاصة بنزع الألغام، ومكافحة غسيل الأموال، وضبط الأسلحة الصغيرة وتنظيمها، والحدّ من تلوُّث البيئة (بروتوكول كيوتو)، هذا فضلاً عن دعوتها لمراجعة اتفاقية الحدّ من انتشار الصواريخ المضادة للصواريخ البالستية التي وقَّعتها مع الاتحاد السوفيتي السابق عام 1973م؛ وخطورة هذه السياسة الأمريكية أنها تشكِّل سابقة يمكن الاستناد إليها وتكرارها على نحو ينذر بتقويض الشرعية الدولية. - إستخدام الأداة العسكرية في تنفيذ أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، مع ترشيد استخدام هذه الأداة وربطها بتحقيق المصالح الأمريكية المباشرة، كما حدث في حربي أفغانستان (أكتوبر 2001م)، والعراق (مارس 2003م). - إعادة تعريف مفهوم السيادة، وذلك من أجل ملاحقة ما تدعي بانهم إرهابيين والدول التي تحميهم، وإعطاء قيمة قليلة للاستقرار العالمي، وذلك لحاجة الولاياتالمتحدة إلى تجاوز تفكير الحرب الباردة العقيم والاستعداد لترتيبات أمنية جديدة. ( *) - تحديد أولويات الخطر الذي يهدد أمن الدول والمجتمعات على النحو التالي: أولاً: الإرهاب، وثانياً: الأنظمة الدكتاتورية الحاكمة في دول محور الشر، وثالثاً: الخلل في البنيان الاجتماعي والسياسي في بعض البلاد الصديقة للولايات المتحدةالأمريكية، ثم بعض الصراعات الإقليمية التي قد يؤدي استمرارها إلى تهديد أمن المناطق التي تقع فيها أو الأمن الدولي على اتساعه. (* ) هذه التوجّهات قادت إلى وجود مفهوم جديد للأمن ذي أبعاد وقضايا مختلفة من قبيل: هل الأمن مرتبط بأمن الحدود، أم أمن المواطنين، أم أمن المصالح الأمريكية؟ وهل الأمن يكون لكل دولة على حدة بمعزل عن الدول الأخرى، أم أنه أمن جماعي يفترض نوعاً من الاعتماد المتبادل؟ وهل التهديدات للأمن تأتي من الخارج أم من الداخل؟ ، لقد اكتشفت الولاياتالمتحدة أنها تواجه تهديداً من نوع جديد يستهدف الكيان والوجود الأمريكي عبر استخدام أسلحة وهجمات غير متوقعة، بهدف تحقيق خسائر مادية وبشرية جسيمة، ويصل بالخطر إلى قلب واشنطنونيويورك، وإلى المواطن الأمريكي لأول مرة، مما استدعى مواجهته بهجوم ساحق وحرب شاملة من طرف الولاياتالمتحدة، تعبئ فيها كل إمكاناتها العسكرية والسياسية والاقتصادية، مما يجعل هذه الحرب ممتدة ومتنوعة الوسائل، وهي تتطلب إعادة تقويم القوى النسبية التي تهدِّد الولاياتالمتحدة. (* ) وأدى ذلك إلى تدويل قضايا الأمن في ظل سياسة التدخُّل العسكري المباشر التي تتبعها الولاياتالمتحدة، وأصبح هناك توجُّه أمريكي للتواجد في كل المناطق الاستراتيجية في العالم، وبما يحقق مصالحها الحيوية، وكانت نتيجة ذلك تقليص أهمية المدخل الإقليمي لترتيبات الأمن ذاته لصالح "المدخل الدولي" المرتبط بسياسة الدولة العظمى في العالم، وليس ذلك المدخل التقليدي المرتبط بالمعاهدات الدولية . ( *) في ضوء ما سبق، فإن أحداث الحادي عشر من سبتمبر أثارت قضايا أمنية جديدة، أبرزها: (أ) إدخال الفاعلين غير الرسميين ضمن نطاق عملية ترتيب الأوضاع الأمنية على المستوى الإقليمي، فقد كان مفهوماً قبل ذلك بوقت طويل أن الدول لم تعد الفاعل الوحيد في العلاقات الدولية، وأن هناك فاعلين غير حكوميين تجاوزت قدراتهم إمكانات كثير من الدول في ظل وجود أمثلة كثيرة حول التدخلات السياسية لتلك القوى غير الحكومية في الشؤون الداخلية للدول وفي علاقاتها البينية أيضاً . ( *) (ب) إدخال القضايا الأمنية غير التقليدية التي كان اصطلح على تسميتها: "الأبعاد غير العسكرية" للأمن ضمن جداول أعمال ترتيبات الأمن الإقليمية، فقد كانت هناك قائمة طويلة من المشكلات الأمنية التي لا ترتبط بامتلاك أو استخدام القوة العسكرية بالضرورة، إضافة إلى تلك القضايا غير العسكرية التي تكتسب أهمية أمنية عند وصول أوضاعها أو تأثيراتها إلى مستويات حرجة، والتي كانت تدخل ضمن نطاق كل تعريفات الأمن الشامل. فبالإضافة إلى الخطر الذي يمثّله الإرهاب والجماعات الأصولية والراديكالية، سلَّطت أحداث الحادي عشر من سبتمبر الضوء على البيئة الثقافية في الدول العربية والإسلامية، وكيف يمكن أن تشكِّل بطريقة غير مباشرة تهديداً للمصالح الأمريكية، بزعم أنها تشجِّع على التطرُّف والإرهاب من وجهة نظر الولاياتالمتحدة وعديد من الدول الغربية الأخري. (ج) تغيير النظم تحت ستار الحرب ضد "الإرهاب"، حيث أصبح تغيير النظم "المارقة" من وجهة نظر واشنطن أحد أهداف الاستراتيجية الأمريكية، فبعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر دعا تيار المحافظين(الجدد) في الإدارة الأمريكية الذي يمثله كل من: وزير الدفاع الأمريكي السابق "رامسفيلد"، ونائبه "وولفويتز"، ومستشارة الأمن القومي السابقة ووزيرة الخارجية الحالية "كونداليزا رايس" إلى ضرورة العمل على تغيير الأنظمة الديكتاتورية التي تدعم الإرهاب بشكل مباشر، أو التي يمثل مجرد وجودها دعماً غير مباشر للإرهاب من خلال عدائها للحرية والديمقراطية، وتحقَّق ذلك بالفعل في حالتي: أفغانستان، حيث تم القضاء على حركة طالبان، والعراق، حيث تمّت الإطاحة بنظام صدام حسين. (* ) (د) الاستخدام المفرط للقوة بعيداً عن أي ضوابط، فقد كشفت الممارسات الفعلية التي أعقبت أحداث الحادي عشر من سبتمبر عن استخدام مفرط للقوة العسكرية، وتهديد الأمن القومي لعدة دول بحجة مقاومة الإرهاب، لأن الولاياتالمتحدة اكتشفت أنها أمام عدو من نوع جديد يتمثّل في شبكة واسعة من التنظيمات الفرعية التي لا تحكمها هياكل تنظيمية محددة ولا تعمل في إطار خطة عسكرية، ولا يمكن توقُّع أفعالها، لذلك عمدت إلى سياسة الانتشار العسكري التي بدأت باليمن والفيلبين، وتحقيق الانفتاح العسكري في كل من ماليزيا، وإندونيسيا، والسودان، والصومال .. وغيرها، لضمان امتداد المظلة العسكرية الأمريكية إلى معظم المناطق التي يُتوقَّع انتشار تنظيم القاعدة فيها. والمشكلة أن الولاياتالمتحدة تلجأ إلى استخدام القوة خارج نطاق القانون الدولي، بل إنها في أحيان أخرى تُطوّع القانون الدولي ليتناسب مع المرامي والأهداف الأمريكية وبما يؤدي إلى حماية مصالحها، وتفسر ذلك بأن الإطار الحالي لتحريم استخدام القوة في العلاقات الدولية لم يعد ملائماً للتطورات الدولية الراهنة في عالم الألفية الثالثة، وبخاصة بعد أن فشل هذا الإطار في التصدِّي للدول "المارقة" التي تشجِّع الإرهاب وتحمي الجماعات الإرهابية أو ترتكب الفظائع وتنتهك حقوق الإنسان ضد شعوبها، وترى ضرورة أن تعمل الأممالمتحدة على تجاوز الإطار القانوني القائم حالياً إلى النحو الذي يُطلق يدها في التعامل مع هذه الدول من خلال استخدام للقوة المسلحة لا تحدّه القيود التي ينطوي عليها ميثاق الأممالمتحدة . (* ) (ه) التعامل مع قضية أسلحة التدمير الشامل من منظور مختلف، باعتبارها أحد مصادر تهديد الأمن الدولي، حيث بدأت الولاياتالمتحدة تتعامل مع هذه القضية عبر استخدام وسائل غير تقليدية، سواء باستخدام القوة المسلحة (نموذج العراق)، أو التهديد باستخدامها (كما في حالة إيران)، أو بالوسائل السياسية (كما في حالتي كل من ليبيا وكوريا الشمالية)، وتسعى إلى إدارة هذا الملف بعيداً عن الأطر التقليدية . وقد ترتبت على ذلك نتائج خطيرة تمثّلت في توظيف الولاياتالمتحدة هذا الملف كورقة ضغط ضد بعض الدول، كما يحدث مع سوريا وإيران حالياً، وعلى الجانب المقابل يتم تجاهل ترسانة إسرائيل الضخمة من أسلحة التدمير الشامل.(*) وفي مجمل القول شكلت هجمات 11 سبتمبر 2001م نقلة نوعية خطيرة في نمط ما يسمى الإرهاب الدولي، وليس من قبيل المبالغة القول، إن الإرهاب الجديد، أصبح واحداً من الأشكال الرئيسية- أن لم يكن الشكل الرئيسي- للصراع المسلح على الساحة الدولية، ولا يقتصر أهمية هذا التحول على ما يمثله من تهديد جديد للأمن الدولي، ولكن أيضاً على ما استثاره من ردود أفعال من جانب الولاياتالمتحدةالأمريكية والقوى الدولية الأخرى، والتي لم تقتصر فقط على شن حملة دولية واسعة بقيادة الولاياتالمتحدةالأمريكية ضد الإرهاب، ولكنها وصلت إلى حد اعتماد الرئيس بوش، لموقف قوامه أن وقف الإرهاب، ومحاسبة الدول التي ترعاه، أصبحا التركيز الرئيسي للإدارة الأمريكية. وهو ما يعنى بوضوح أن أحداث سبتمبر2001م قد غيرت السياسة الخارجية الأمريكية، بصورة جذرية، حيث أصبحت هذه السياسة موجهة بالكامل نحو أهداف مكافحة الإرهاب، بما ينطوي عليه هذا الأمر من تخصيص للموارد المادية والبشرية وإعادة تشكيل التحالفات الخارجية الأمريكية وعلاقاتها الدولية، وهو ما يعد أوضح تعبير عن المكانة التي بات الإرهاب يحتلها بوصفه شكلاً رئيسياً من أشكال الصراع المسلح على الساحة الدولية. (*) هذا وقد أعطت هجمات سبتمبر مزيداً من قوة الدفع لجهود مكافحة الإرهاب، بحيث استحوذت الأدوات العسكرية على الجانب الأكبر من جهود مكافحة الإرهاب، حيث اندفعت الولاياتالمتحدةالأمريكية بقوة نحو القيام برد عسكري على الهجمات حتى قبل أن تتوافر الأدلة الكافية لها بشأن المسئولين عن هذه الهجمات، ووجدت الولاياتالمتحدةالأمريكية نفسها في حاجة إلى بناء تحالف دولي واسع النطاق لمكافحة الإرهاب، ولكنه ليس تحالفاً عسكرياً تقليدياً، وإنما يغلب عليه الطابع السياسي، ويركز على التعاون والتنسيق في المجالات الأمنية والاستخبارية والمالية، من أجل تعقب الجماعات الإرهابية وضرب شبكاتها العالمية وتجفيف مواردها المالية. وتنبع أهمية التحالف الدولي لمواجهة الإرهاب، من أن هجمات 11 سبتمبر، أكدت أن الإرهاب الدولي أصبح يمثل تحدياً بالغ الخطورة، بحيث لا يمكن لأي دولة أن تواجهه بمفردها مهما كانت قدراتها، وفى الوقت نفسه، ركزت الإدارة الأمريكية والحكومة البريطانية على تطوير التشريعات لمكافحة الإرهاب، ليس فقط في المجال الأمني ولكن أيضاً في مجال تشديد إجراءات دخول الولاياتالمتحدة والإقامة فيها، وكذلك إعادة النظر في سياسات الهجرة. ============ ( ) أحمد إبراهيم محمود ، الإرهاب الجديد الشكل الرئيسي للصراع المسلح في الساحة الدولية ، السياسة الدولية ، العدد 147 ، يناير 2002م ، ص 44. (2 ) احمد ابراهيم محمود ، مصدر سبق ذكره ، ص 46. (3 ) نفس المصدر السابق ، ص 47. (4 ) استراتيجية الأمن القومي الأمريكي الجديد ... رؤية نقدية"، مجلة شؤون خليجية، العدد (33)، ربيع 2003م، ص 28. (5 ) نيفين مسعد، "السياسة الخارجية الأمريكية تجاه الدول العربية بعد أحداث 11 سبتمبر"، في: "تحرير: د. أحمد يوسف أحمد، ود. ممدوح حمزة، صناعة الكراهية في العلاقات العربية الأمريكية"، القاهرة، مؤسسة الأهرام للطباعة والنشر، الطبعة الأولى سبتمبر 2002م، ص 167- 169. )6 ( John Ikenberry, America,s Imperial Ambition, Foreign Affairs. Vol.81, No.5, September - October 2002, pp 49-55. (7 ) مصطفى علوي، "السياسة الخارجية الأمريكية وهيكل النظام الدولي"، مجلة السياسة الدولية، العدد (153)، يوليو 2003م، ص 69. )8 (Kostas Infantis. Anote on The New Security Paradigm After the 11 September Terrorist Attacks, Pereceptions, vol, 11. No. 1 March-May 2002. (9) محمد عبد السلام، "ترتيبات الأمن الإقليمية في مرحلة ما بعد 11 سبتمبر 2001م"، سلسلة كراسات استراتيجية، مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية، مؤسسة الأهرام، العدد (127)، 2003م، ص 27 – 28. (10) محمد عبد السلام، ، مصدر سابق ، ص 28 29 (11 ) د. مصطفى علوي، مصدر سابق ،ص 69. )12 ) Arend, Antoy Clark, International Low and Rouge States The Failure of Charter Framwark, New England Low Review, vol. 36, p 735. (13 ) محمد عبد السلام، "ضبط التسلُّح في مرحلة ما بعد حرب العراق"، مجلة السياسة الدولية، العدد (153)، يوليو 2003م، ص 109. (14) أحمد عبد الحليم، الإستراتيجية الأمريكية في الحرب ضد الإرهاب، ورقة بحثية، ندوة هيئة البحوث العسكرية، القاهرة، مايو2003 ، ص 19.