جاء في جريدة «الشرق الأوسط» الصادرة أمس الخميس الموافق 16 سبتمبر 2010م أن اللجنة المكلفة بالنشيد الوطني الجديد أعلنت قبيل إعلان استقلال الإقليم عن شمال السودان عن اختيارها نشيد «جنوب السودان وياي»، وهي تحية خاصة عُرفت بها الحركة الشعبية، ونص النشيد الجديد مكتوب باللغة الإنجليزية. وقال أحد أعضاء اللجنة للشرق الأوسط «إن النشيد الذي تم اختياره يصف جنوب السودان بأرض كوش والمحاربين الأشداء والمقاتلين السود الذين سالت دماء الملايين منهم من أجل الحرية والعدالة والدفاع عن أمة جنوب السودان وحمايتها.. وبجنّة عدن أرض اللبن والعسل والعمال الأقوياء وأرض النيل والجبال والغابات وموطن حضارات العالم وأن يباركها الله». ونبدأ من الآخر، فقد كانت هناك في الزمن القديم على ضفاف النيل الخالد دولة اسمها كوش، وكانت لها حضارة يُشار إليها، وكانت من أوائل الحضارات، وكانت هذه الدولة هنا في السودان لكنها كانت في السودان الشمالي تحديداً، وكان ولا يزال من حقوق كل السودانيين شمالاً وجنوباً وغرباً وشرقاً أن يعتزوا بتلك الحضارة، فهي حضارة أقامها أسلافهم، ولذلك كان مفهوماً أن تهتم الحركة الشعبية بتلك الحضارة ورموزها حين هي حركة وحدوية وحين السودان بلد واحد موحد. والذين أقاموا حضارة كوش سودانيون، وهم سودانيون شماليون، فهم نوبيون، أي محس ودناقلة وسكوت وحلفاويون. وكما قلنا فقد كان من حق كل السودانيين أن يعتزوا بتلك الحضارة، تماماً مثلما أنه كان ولا يزال من حق الشماليين أن يعتزوا بسلطنة الفور وحضارتهم، ولكن إذا ما انفصلت دارفور عن السودان لا قدّر الله فإن سلطنة الفور وحضارتهم تصبحان بالنسبة لي كشمالي سلطنة وحضارة دولة أخرى، دولة جارة، وشعب آخر. أما داخل السودان الموحّد فإن سلطنة الفور هي سلطة أسلافنا جميعاً وحضارتهم هي حضارة أجدادنا جميعاً. لقد كان اهتمام الحركة الشعبية في الماضي بدولة كوش وحضارتها مفهوماً، وكان يعبّر فعلاً عن وحدويتها، وكان يعبّر عن إحساس بالتاريخ افتقدته الأحزاب الشمالية الكبيرة الثلاثة الاتحادي الديمقراطي والأمة والمؤتمر الوطني، التي وإن لم تصرح ترى أن بداية السودان ترجع إلى دخول العرب والإسلام إلى السودان، ويرى كثير من أنصارهم أن أجدادهم هم العباس وعلي كرم الله وجهه والزبير وطلحة...الخ، وليسوا شبتاكا وبعانخي وترهاقا. فالتقطت الحركة الشعبية القفاز لتعزز اقتناعاتها التي منها أن جماهيرها هم أصحاب السودان الحقيقيون، متعامية عن أنه قبل دخول العرب السودان كان مأهولاً بشعب من مكوناته النوبيون الشماليون والبجة... الخ. ولذلك نرى أن الحركة الشعبية إذا ما اختارت الانفصال عليها أن تصحح الخطأ الوارد في نشيدها الوطني، خطأ وصف جنوب السودان بأنّه أرض كوش. إن أرض كوش وحضارة كوش هي أرض السودان وحضارته، السودان الواحد الموحد. وعند التقسيم تصبح أرض كوش وحضارة كوش هي أرض وحضارة السودان الشمالي. ورغم كل شيء فإننا مازلنا نهتف للوحدة، وحدة السودان من حلفا إلى نمولي ومن بورتسودان إلى الجنينة. وأخيراً نسأل لماذا لا تكون دولة كوش عنصراً جاذباً للوحدة.