ببرود شديد تعامل الشارع السوداني مع زيارة سلفاكير ميارديت رئيس جمهورية الجنوب للخرطوم وهي أول زيارة له بعد أن انفصل الجنوب وأعلن دولته المستقلة ذات السيادة فى يوليو الماضي، فقد أصبحنا دولتين وشعبين وهذه هي الحقيقة التي يجب أن تقدم على كل الحقائق الأخرى عند التعامل مع الدولة الجديدة ولا مجال الآن للعواطف والذكريات والمشاعر النبيلة والحنين إلى الماضي الذي لن يعود. وليس من المصلحة أبداً أن نخدع أنفسنا والجماهير أيضاً بالحديث عن أشواق الجنوبيين للوحدة بدليل احتفاظهم باسم السودان وإشارتهم لدولة كوش فى نشيدهم الوطني، والعكس هو الصحيح، فالإشارة إلى دولة كوش تكشف عن مطامعهم فى حكم كل السودان، وعلاقتهم بتلك الدولة القديمة كذبة فقد كانت دولة نوبية بحتة، أي دولة شمالية أقامها أسلاف مواطني الشمال الأقصى الحاليين الذين هم الدناقلة والمحس والحلفاويون والسكوت والكنوز وقد استغلت الحركة الشعبية عدم اعتداد الأحزاب الشمالية الكبيرة بتلك الفترة.. فترة دولة كوش وغيرها من الدول والحضارات التى نشات قبل دخول الإسلام. فالسودان كان وطناً حياً يرزق له إسهاماته فى الحضارة الإنسانية قبل الإسلام، والسودانيون الذين أقاموا تلك الدول والحضارات السابقة لدخول الإسلام للسودان كانوا شماليين ولم يكونوا جنوبيين، ولذلك فإن إشارات دولة الجنوب وحزبها الحاكم الذي هو الحركة الشعبية لا يعكس أشواقاً وحدوية ولو أنهم كانوا وحدويين لما نزعوا للانفصال بذلك الفجور فى الفرح، إن صح التعبير، لكنه يعكس مغالطات للتاريخ وأطماعاً توسعية وليسوا وحدهم فى هذه المغالطات وهذه الأطماع وإنما يحرضهم عليها آخرون منهم الولاياتالمتحدةالأمريكية وإسرائيل وغيرهما. واحتفاظهم باسم السودان ليس دليلاً على إيمانهم واقتناعهم بوحدته فى وجود كل مكوناته الحالية لكنهم يرون أن هذا الاسم يرجح أن البلد بحدوده القديمة التي كانت تمتد من حلفا شمالاً إلى نمولي جنوباً ومن الجنينة غرباً إلى بورتسودان شرقاً هو بلدهم هم بالدرجة الأولى، فاسم البلد مرتبط بلونهم هم وليس بأي لون آخر. إننا نرجو أن تحل القضايا العالقة بين الدولتين الجارتين السودان وجنوب السودان وليس من باب الانحياز الوطني أن نقول إن جمهورية السودان كانت هى الأكثر والأصدق التزاماً بالحرص على السلام لكن تمادي الطرف الآخر فى تدخلاته السافرة فى الشأن السوداني الداخلي واختراقاته العسكرية للحدود يجعل السلام بين الدولتين صعباً بل مستحيلاً.