الأكياس تنتصر، أقصد أكياس البلاستيك، وستظل لفترة طويلة مرغوبة لاحتضان الكثير من المواد .. غذائية وغيرها ! الانتصارات بدأت منذ وقت مبكر، حين أزاح (كيس التمباك) الحُقة الشهيرة، وبات هو المسيطر في جيوب أهل الكيف ! ثم توالت الانتصارات، خصوصا بعد انتعاش الصناعات البلاستيكية، فدخلت الأكياس بشكيمة وقوة حديدية، لتكون هي المفضلة .. والوعاء الأنسب للألبان، والفول الحار، والرغيف (الحار أيضا)، والزيوت، والأجبان، والبهارات، والعصائر، و(الداندرمة)، والترمس، والكبكبي، والتسالي، وفول الحاجات بأنواعه، والدكوة، والدقيق، والكسرة .. وحتى العرقي بلحاً أو عيشاً !! طبعا الانتصار لم يكن دون خسائر، فالأكياس تركت آثارها غير المرصودة إحصائيا على صحة الناس، وقادتهم لدروب تنتهي بالتهلكة وليس غيرها. كما فتكت بالبهائم السائبة والمملوكة، فالماعز يأكلها بنهم وتلذذ .. لتكون وجبة الموت الوداعية !! والضأن الذي يتوقف أصحابه بقطعانه في أماكن استراتيجية، يبحث بنظرات نهمة عن نصيبه من الأكياس المتطايرة .. فمن لم يمت بالكيس مات بغيره!! كذلك اكتظت الخيران، والشوارع، وبراميل القمامة بالأكياس، وتركت آثارها الخطيرة على البيئة، فضلا عن حوادث فردية ملحوظة، سمعتُ بعضا منها خارج السودان، ولا أظن أننا مستثنون منها .. تتمثل في اختناق الأطفال حين يلبسونها على رؤوسهم، خصوصا في مراحل الطفولة المبكرة غير المدركة للمخاطر. الآن أفاق القوم على مخاطر الأكياس، بعد أن بادرت ولايات أخرى بحسم موقفها منها، وقامت لجنة الشؤون الهندسية والزراعية بالمجلس التشريعي لولاية الخرطوم قبيل أيام، بزيارة عدد من المصانع التي تعمل في مجال تصنيع أكياس البلاستيك في المنطقة الصناعية بأمدرمان، حيث تعهدت تلك المصانع بالعمل على تقديم مقترحات عملية للمساعدة في إصحاح البيئة، والتعريف بطرق التخلص من أكياس البلاستيك توطئة لتدويرها بإعادة تصنيعها. الأكياس البلاستيكية مهمة، وكنا قبل عقود قليلة نعاني من صعوبة الحصول عليها، بل وكنا نشتريها أحيانا من البائعين المتجولين، في حين كان العالم كله يوفرها مجانا بالمحلات التجارية، والآن بتنا مع الناس .. وأفقنا على المشاكل المحتملة، والوجوه الأخرى لهذه الأداة المهمة في حياتنا، وأصبح صعبا شطبها من حياتنا، فكان لا بد من البحث عن طرق للتأقلم معها .. والحد من أفلام الرعب التي تثيرها. طبعا العالم له تجاربه، وليتنا اطلعنا على ما يفعلونه، رغم أن شوارعهم لا تجوبها الأغنام، وأسواقهم لا تعرف (ود عماري)، لكن تجاربهم ستكون قطعا مفيدة، وستختصر كثيرا من الوقت والجهد والمال. أكياس البلاستيك ستواصل انتصاراتها، لكن لا بد من ترويضها، كي لا تفتك بصحتنا، وتدمر بيئتنا، وتبيد أغنامنا .. السائبة منها وغير السائبة .. في شوارع عاصمتنا العتيدة !