لا يخفى على أحد الصراع الذي كان قائماً حول شركة الصمغ العربي وتضارب السياسات ما بين إبقاء الاحتكار والامتياز للشركة وفكه. الأمر الذي ادى الى أن يفقد السودان سوقاً عالمياً لهذه السلعة الإستراتيجية المهمة .. فالصمغ العربي كان يساهم بدرجة كبيرة في زيادة الإيردات ودعم خزينة الدولة كما أن عائده من العملات الحرة كان يذهب في استيراد عدد كبير من السلع. ورغم الإستراتيجية التي يتمتع بها الصمغ العربي إلا انه ظل يقبع في المربع الأول بالرغم من أنه لا يكلف الدولة كثيراً فهو يعتمد على الطق فقط والطق هذا لا يكلف المنتج سوى كوب شاي يتجرعه بين الفينة والأخرى كما قال د. عبدالعظيم ميرغني المدير العام للهيئة القومية للغابات. إذاً من المسؤول عن تراجع سلعة الصمغ العربي ونحن الدولة الاولى في الانتاج حيث يمثل انتاج السودان (80%) من الانتاج العالمي ثم تأتي نيجيريا وتشاد؟ .. هل هي السياسات ام صراع المصالح ام الامتياز؟ وهل سيساهم مجلس الصمغ العربي الذي تم تشكيله برئاسة د. تاج السر مصطفى في إعادة هذه السلعة لسيرتها الاولى؟ وهل يستطيع السوق العالمي الآن ان يستقبل الصمغ السوداني وذلك بالرغم من أنه يستقبل في ذات الوقت الصمغ السوداني المهرب من دول اخرى؟ .. عبدالماجد عبدالقادر الامين العام لمجلس الصمغ العربي اكد في حديثه ل«الاهرام اليوم» أن حزام الصمغ العربي في السودان يمثل (80%) من الحزام الافريقي ويتمدد في (11) ولاية من الولايات الوسطى ويعيش فيه (13) مليون مواطن وتنتج فيه كل انواع الاصماغ بالسودان كما يستضيف اكثر من (70%) من الثروة الحيوانية بالبلاد، ومن هنا جاءت اهمية حزام الصمغ العربي كقاعدة اساسية للإنتاج الزراعي والحيواني لأغراض الاستهلاك المحلي كما يعتبر الصمغ العربي سلعة (سيادية) يتميز بها السودان وسلعة (سياسية) تدخل ضمن كروت (اللعبة) الامريكية. وقد لوحظ ان الولاياتالمتحدة عندما قامت بتطبيق العقوبات الاقتصادية التجارية على السودان كانت مضطرة لاستثناء سلعة الصمغ العربي من الحظر كما ان سوق الصمغ العربي ظل خلال الفترة من الاستقلال وحتى حين قريب جد يعتمد على غرب اوربا فقد كان السوق الاوربي تقريباً هو المحتكر الرئيسي لكل صادرات البلاد من الصمغ العربي وهنالك (5) شركات كانت تحتكر استيراد هذه السلعة وتقوم بتصنيعها وإعادة تسويقها الى بقية دول غرب اوربا والولاياتالمتحدةالامريكية وهذه الاحتكارية الدولية جعلت سوقنا العالمي مغلقاً وتحت رحمة شركات غرب اوربا. واضاف أن هنالك احتكارا محليا تمثل في وجود شركة واحدة ظلت تحتكر تصدير الصمغ العربي منذ عام (1969) ولم (ينكسر) هذا الاحتكار إلا بعد ظهور شركات التصنيع. هذا الاحتكار ادى الى تقليص النشاط التجاري المحلي وغياب المنافسة مما ادى الى تقليص دور القطاع الخاص وتقليل حجم الصادر وغياب امكانية الاستهلاك المحلي. بالاضافة الى الاحتكار فقد منحت نافذة التصدير امتيازاً يقضي بأن تحتكر هذه السلعة في مقابل أن تقوم ببعض الالتزامات نحو حزام الصمغ العربي منها 1) تجنيب (20%) من أرباح الشركة لتطوير الحزام. 2) تركيز الأسعار المحلية وتطوير البحوث. 3) استزراع الغابات. واعتقد ان الشركة وبحكم ملكيتها للقطاع الخاص فهي اصلاً لم تكن مؤهلة مالياً وغير قادرة عملياً على القيام بأعباء الدعم والتطوير، فهذا الأمر كان يجب أن يكون مسئولية الدولة وليس مسئولية الشركة ومع ذلك فقد قامت الشرطة بأداء دور مهم حيث تمكنت من تكوين شبكة من الوكالات المحلية والأسواق الداخلية ولكن كانت احتياجات حزام الصمغ اكبر من امكانياتها وقد حدث تطور آخر حيث صارت الحكومة شريكاً في شركة الصمغ العربي بحكم أنها امتلكت الاسهم التي صودرت من بعض مؤسسات القطاع الخاص، وقد أدى تدخل الحكومة وملكيتها لحوالى (28%) من اسهم الحكومة الى أن تهيمن على اتخاذ القرار المالي والاداري وأن تتم إدارة الشركة وكأنها قطاع او مؤسسة حكومية. من جانب آخر فإن ضعف التمويل من الجهاز المصرفي وعدم توجيهه التوجيه الصحيح كان ضاراً بقطاع الصمغ العربي بالاضافة الى أن عدم الاستقرار السياسي والامني في بعض الولايات الحدودية المنتجة للصمغ العربي مع دول الجوار ادى الى تفاقم ظاهرة التهريب بحكم وجود فجوة في الاسعار ما بين السودان والدول المجاورة، وبهذا فقد ظهرت بعض الدول في قائمة الأقطار المصدرة للصمغ العربي مع أنه معلوم انه لا توجد بها شجرة هشاب واحدة. فهذه الأسباب مجتمعة ادت الى تفاقم المشاكل المالية لدى شركة الصمغ العربي وقطاع الصمغ بصورة عامة، الأمر الذي ادى الى ارتفاع الأصوات المنادية بفك الاحتكار وإطلاق سراح السلعة خاصة وأنه ظلت الدولة والجهاز المصرفي في بحث عن موارد غير نفطية لسد الفجوة الناتجة عن انخفاض عائدات صادر النفط وما يتعلق به من تعقيدات سياسية واقتصادية ولهذا فقد رأت الحكومة أن تقوم بإصدار قرار خاص بفك الاحتكار وتحرير سوق الصمغ ليلحق بالسلع الاخرى. ولأهمية السلعة من الناحية السياسية والسيادية ولأهمية الحزام من الناحية البيئية والاقتصادية فقد رأت الدولة تكوين مجلس تعطيه قوة النفاذ والفعالية عبر تبعيته لرئاسة الجمهورية على أن تقوم بتطوير السلعة وترويجها ولتنسيق الأعمال المتعلقة بالأسواق الخارجية والداخلية ووضع الخطط والسياسات والبرامج الكفيلة بإرجاع السودان لوضعه الطبيعي كأكبر دولة مصدرة للصمغ العربي وفي ذات الوقت توجيه المجلس للعمل على تنمية كل الحزام وذلك لزيادة عائدات العملات الحرة من هذه السلعة والحفاظ على القطاع الشجري وجعل الصمغ العربي من اكبر السلع التي تحقق مدخلات كبيرة. كما كلف المجلس بإيجاد سوق محلية داخل البلاد عن طريق انتاج صناعي في مجال الأغذية والمشروبات والحلويات. هذا المجلس واجهته عدة مشاكل تمثلت في وجود اصماغ مخزنة ومكدسة لدى البنوك والتجار والمنتجين وركود في السوق المحلي وانهيار في اسعار الصمغ التي وصلت الى سعر (30) جنيهاً للقنطار وركود ايضاً في السوق العالمي والإحجام عن الاستيراد واعتماد السوق الخارجي على الاستيراد من دول الجوار بالاضافة الى المشاكل المالية المتعلقة بغياب التمويل وتعثره في قطاع الصمغ العربي وانكماش في انشطة شركات التصنيع وشركة الصمغ العربي الأم. الآن تم تكوين محفظة للتمويل اشترك فيه (12) بنكاً بتمويل بمبلغ (50) مليار جنيه يتم توجيهها لتمويل شركات التصنيع والمصدرين بهدف إنعاش قطاع الصادر الذي بدوره سينعش قطاع الانتاج بالإضافة لتوفير (4) مليار ات جنيه كتمويل لمنتجي الصمغ في الولايات المختلفة. كما اعلن البنك المركزي موافقته على تخصيص جزء من التمويل الأصغر للقطاع الانتاجي بما يصل الى (10) مليارات. وفيما يختص بالنرويج فإن المجلس اعد سياسة جديدة للاتجاه نحو شرق العالم بالإضافة الى السوق التقليدي بغرب اوربا وامريكا.