{ ما زالت بعض المؤسسات الحكومية تتمسك بإجراءات عفى عليها الزمن وصارت لا تسمن ولا تغني عن جوع، وعلى رأس هذه الإجراءات المتبعة تلك التي تتصل بالتصوير الفوتوغرافي وهي إجراءات شاقة ومعقدة تتطلب تحديدا دقيقا لما تريد تصويره حتى يصادق عليه ونحن نعيش عصرا تجاوزت التقنية فيه ما نعتقده حصنا منيعا لحماية مقدراتنا ومواردنا ومؤسساتنا بتلك الإجراءات المانعة للتصوير في الوقت الذي أضحى كل شيء على هذه البسيطة مكشوفا أمام الأقمار الصناعية التي تقدم صورا علي رأس الساعة لكل شبر داخل بيوتنا ناهيك عن المساحات الشاسعة في هذا البلد مترامي الأطراف، لقد أضحى متاحا لكل فرد مراقبة منزله مراقبة دقيقة تكشف لك الإضافات والإزالات إن كنت خارج وطنك وقد علمت أن أحد السودانيين مقيم بالولايات المتحدةالأمريكية كان يتابع إنشاءات تجرى بمنزله بالعاصمة الخرطوم من هناك. وفي ذات السياق يقول هيكل إنه شاهد على الأنترنت صوراً التقطت له بواسطة الأقمار الصناعية وهو يجلس على حديقة منزله بالقاهرة وقد كان ذلك قبل ساعة من مطالعته لصوره على الشبكة العنكبوتية . كل شبر من العالم متاح بما في ذلك رئاسات مقار تلك المؤسسات التي كان من الأولى أن تؤسس إجراءاتها على من يصور وليس علي التصوير في حد ذاته طالما هو متاح عبر الأقمار الصناعية وأن تقيد الحق في التصوير المطلق لكل من يحمل ترخيصا بأنه مصور وهذا وحده يكفي وأن تبذل جهدا مقدرا داخل أوساط المصورين لتتعرف على تفاصيل استخداماتهم للصور التي يلتقطونها، فمهما يكن من خروج لهؤلاء عن الغرض فإنه لن يكون أكثر ضررا من تلك الصور التي تلتقطها الأقمار الصناعية بالإضافة الى ذلك فإن بلادنا أحوج ما تكون للصور التي تعكس حقيقة الأوضاع وتبرز جمالياتها ومواردها وتنوعها والنهضة الشاملة التي تطل من كل الاتجاهات وفي كل الجوانب الحياتية في بلادنا، فالمعركة التي نخسرها الآن في دارفور هي معركة صورة ليس إلا، فالكاميرات التي تصور الآن هي كاميرات أعداء أمتنا وأعداء دارفور في الأساس، أما الكاميرات الوطنية الحية التي يمكن أن تنجز عملا مقدرا فقد حبسناها وقيدناها بإجراءات عقيمة فما عادت تشارك في معركة دارفور بسلاح الصورة . ميادين كثيرة خسرنا فيها الكاميرا الوطنية وهي تنطلق، تحركها رغبة كبيرة في الإبداع وتوثيق الحياة السودانية الثرة في جوانب السياحة والثقافة والصناعة وحراك الحياة الاجتماعي المبهر وخسرناها في معركة الاستثمار والتنوع وخسرناها حتى في المزاج الوطني العام حين نقف مندهشين أمام صور فوتوغرافية التقطت لمعلم من معالم بلادنا ونتساءل: هل هذه في السودان ؟ وخسرنا الكاميرا الوطنية حتى لا تسحرنا بجمال الخرطوم وليلها وأنوارها وجسورها وأشجارها ونهريها وقصرها الجمهوري الأخّاذ ليل نهار وبنايات جميلة وشاهقة تناثرت على ضفاف النيل. أفسحوا المجال للكاميرات لتصور وأقيموا مهرجان الصورة الفوتوغرافية لنحتفل كل عام بجمال بلادنا وأطلقوا حملة واسعة عبر الصورة الفوتوغرافية تبشر الناس بنهضة الحياة في بلادنا وثرائها وتنوعها حتى في الملامح التي ترقد على وجوه الناس هنا في السودان، أرسلوا مئات المصورين الى دارفور ثم انشروا إنتاجهم عبر سفاراتنا وعبر الإنترنت وتعالوا بعد عام لنرى تيرمومتر الأزمة . ساعتان مع الصورة الفوتوغرافية قضيتها صباح الجمعة مع المصور العالمي محمد بشير الشفيع برفقة الدكتور عبد العزيز خالد وقد بهرتنا عدسة الرجل وصوره النادرة.. ليت والي الخرطوم رأى الخرطوم بعدسة محمد بشير وليت الناس في بلادي يرون ما رأيت.. حتى الذباب بعدسة محمد بشير سترى جماله وتفاصيله الغائبة الجميلة.