في اتصال هاتفي ذكّرني الصديق العزيز المهندس إسماعيل محمود إسماعيل أسماء بعض النابهين من دفعة 69 بمدرسة كوستي الثانوية، وكنت من يومين ذكرت بعضهم ومنهم الدكتور حمودة فتح الرحمن الذي انتقل إلى رحاب ربه الأسبوع الماضي بالولايات المتحدةالأمريكية. وكان ممَن ذكرني بهم المهندس إسماعيل محمود، الدكتور هاشم علي اختصاصي جراحة العظام، والوزير الولائي إسماعيل بشارة. وطبعاً لم يكن ممكناً في مثل هذه المساحة أن أذكر أسماء كل النابهين من دفعة 69 بمدرسة كوستي الثانوية خاصة وأن الدفعة في معظمها كانت متفوّقة ومثلها الدفعات التي سبقتها وكثير من الدفعات التي تلتها. ومدرسة كوستي الثانوية أثر من آثار نظام الفريق عبود الذي سقط في أكتوبر 1964م، فقد شهد ذلك النظام تأسيس عدد مقدر من المدارس الثانوية التي استطاعت في وقت وجيز أن تُثبت شطارتها بالدليل العملي الذي هو دخول أكبر عدد من طلبتها إلى جامعة الخرطوم. وقد كان هذا الدخول تحتكره تقريباً مدارس معينة هي وادي سيدنا وحنتوب وخور طقت، ومن المحزن أن هذه المدارس الممتازة أصبحت من أخبار الماضي وكانت جميعاً قطعة من تاريخنا المدرسي المعاصر وقد تخرّج فيها تقريباً معظم من تولوا قيادة البلد ليس في المجال السياسي وحده، وإنما في كافة مجالات الحياة. وكان المهندس إسماعيل محمود يتحدث معي من جوبا التي ذهب إليها في رحلة عمل قصيرة وسألته عن الأحوال هناك.. وقلت له بالنص «الناس ديل مفرتقين مفرتقين ولاّ»؟ فقال والحزن يخيِّم على صوته «إن ما رآه ولمسه في جوبا يؤكد أن نتيجة الاستفتاء هي الانفصال»! ورغم ذلك فإن كثيرين ما زالوا عاجزين عن تصديق أنه من الممكن أن ينقسم السودان يناير القادم إلى دولتين!! ومن الملاحظات أن الإعلاميين الرسميين أو بعضهم ممن يسافرون إلى جوبا وغيرها من المدن الجنوبية يقدمون صورة أخرى للأوضاع هناك، فالجنوبيون العاديون وحدويون.. والصفوة هي التي تنادي بالانفصال الذي أصبح اسمه الاستقلال، ولو جاء الاستفتاء حُراً نزيهاً لكانت النتيجة هي الوحدة، ولكن أنّى ذلك والحزب الحاكم هناك في مستوياته العُليا ينشد الانفصال ويعمل لتحقيقه بمختلف الوسائل ومنها الترغيب الذي توفّره أموال البترول والترهيب الذي آلته الفعالة هي الجيش الشعبي. ولقد انفصلت من قبل بعض الدول ولم تقم القيامة، واتحدت دول أخرى وكانت هناك نماذج اتحادية ناجحة أهمها في السنوات الأخيرة الوحدة الألمانية. ولكن لا ينبغي أن نتخذ أياً من التجارب الانفصالية أو الاتحادية نموذجاً نقيس عليه ونتطلع إليه فكل تجربة انفصالية أو اتحادية حالة لها خصوصيتها وظروفها ومناخاتها بما في ذلك حالتنا السودانية. وكنا ومازلنا، وطناً واحداً وفي بعض الأوقات فإن ظروف استمراره وطناً واحداً لم تكن مواتية ورغم ذلك فإنه استمر وطناً واحداً موحداً، ومن هنا كان تفاؤل البعض ومن المهم أن يستمر هذا التفاؤل وأن نتمسك بالأمل وألا نسقط في براثن اليأس والقنوط. ورغم الزمن الضيِّق ورغم قلة نصراء الوحدة في الأوساط العالمية القوية المؤثرة فإننا سوف نظل هاتفين للوحدة!