في صبانا .. نحن مواليد الخمسينيات وفي شبابنا الأول كان الذهاب الى السينما برنامجاً جميلاً وقد اسهمت الأفلام التي شهدناها في تشكيل بعض ثقافتنا وفهمنا لما يجري في الدنيا من حولنا. وما زالت هناك افلام ومخرجون وممثلات وممثلون لن ينساهم المرء من الجانبين الخواجاتي والعربي، وفي الأخير، المصري تحديداً، فقد كانت الأفلام العربية في غالبيتها في ذلك الوقت من ستينيات وسبعينيات القرن الماضي مصرية .. وكانت لنا في سينما كوستي ليال وليال. وأيضاً هنا في سينما الوطنية غرب بالخرطوم والوطنية بأم درمان.. وفي سينما ام درمان. لقد كان الذهاب الى السينما برنامجاً جميلاً وكانت العودة منها إلى البيوت هي الاخرى برنامجاً جميلاً وكانت دواماً على الأقدام .. ثم اصبح الذهاب الى السينما في العاصمة المثلثة وبقية المدن من أخبار الماضي.. لكن الناس ما زالوا يشاهدون الأفلام السينمائية في بيوتهم وذلك بفضل انتشار الفضائيات ومنها ما هو مخصص للسينما فقط. اما في الخارج فما زال للسينما روادها وما زال الذهاب إليها برنامجاً جميلاً يستمتع به كثير من الناس رغم أن عملية الذهاب الى السينما ضمرت الى حد ما بانتشار الفضائيات في البيوت. ولم يكن لنا اصلاً دور يذكر في الإنتاج السينمائي.. فقد كان الخواجات والمصريون يحتكرونه ولكن كان لنا دور في مشاهدته .. فقد كنا شعباً شغوفاً متابعاً للافلام السينمائية في عقر دارها.. وكان ابسط السودانيين يعد مرجعاً في اسماء الممثلين والممثلات والمخرجين والافلام. لقد كانت لنا صفتان مرتبطتان بالثقافة والفن أو احد فروعه وهي اننا كنا شعباً قارئاً ومحباً للسينما ثم تراجع ذلك كله. وأسباب توقفنا عن الذهاب الى السينما كثيرة ومنها الآن أن كثيراً من دور السينما اغلق لكن كثيرين منا توقفوا عن الذهاب إليها قبل إغلاقها.. وكان من الاسباب رداءة نوع الافلام المعروضة واضمحلال مستوى دور العرض وما يقدم فيها من خدمات وكما قلنا فقد كان هناك سبب مهم هو انتشار الفضائيات في البيوت. هل نحلم بعودة دور السينما وبعودة ذلك البرنامج الجميل المتمثل في الذهاب إليها بين وقت وآخر؟ .. ربما لكنها صعبة خاصة في الوقت الحالي. وبالنسبة لدور السينما التي اغلقت فإننا قد نستطيع معرفة بعض الاسباب بالوقفة القصيرة التي حكاها لي أحد اصحاب أو مالكي دور السينما وهو رجل الاعمال المعروف الوزير السابق الاستاذ محمد إدريس محمود صاحب سينما ام درمان الذي اغلقها قبل اربع سنوات فبينما كان ثمن التذكرة الف جنيه فإن الضرائب المفروضة عليها اكثر من الف جنيه! ولقد خاطب بعض كبار المسؤولين لتصحيح هذا الوضع غير المساعد للاستمرار ولكن لم يحدث شيء. وطبعا لم يكن وارداً أن يستمر هو أو غيره في الخسارة وقلت له: إذا افترضنا حل الإشكال بتخفيض الضرائب المفروضة على التذكرة أو حتى إلغاءها هل تعيد فتح سينما ام درمان؟ فأجاب نافياً فقد اتخذ قراراً بأن يبني مكانها عمارة.. ليختفي بذلك احد اجمل الصروح الفنية الترفيهية التثقيفية بأم درمان.