منذ أن تولى محمد بشارة دوسة مهام وزارة العدل اتجهت أنظار الناس نحو هذه الوزارة لا سيما أن اختياره تزامن مع وجود ملفات عديدة ومثيرة للجدل مثلما كان الحال بالنسبة لملف سوق المواسير الذي ما زال يشغل أذهان شريحة كبيرة من المواطنين، وبعض المسؤولين، وينتظر قرارات الوزير وإجراءات وزارته، وحينئذ ربط الناس بين اختيار الوزير والقضايا التي ينبغي أن تفصل فيها وزارة العدل خاصة ان أغلبها يخص إقليم دارفور المنكوب، وكان من أبرز القرارات التي اتخذها دوسة بعد مباشرة مهامه، إرسال عدد من وكلاء النيابات لمتابعة قضية سوق المواسير التي لم تظهر نتائجها حتى الآن، والقرار الثاني اتخذه أمس بإعلانه إعفاء المدعي العام لجرائم دارفور نمر إبراهيم محمد من مهامه وتعيين وكيل وزارة العدل عبد الدائم زمراوي خلفاً له. وبحسب المقربين من نمر فإنه تخرج في الجامعة عام 1970 وكلف مدعياً عاماً لجرائم دارفور في أغسطس 2008م بواسطة وزير العدل الأسبق عبد الباسط سبدرات، ويشهد له الناس بالخبرة والتميز في عمله، وأبرز تصريحاته التي أثارت حفيظة المسؤولين أثناء تأدية عمله كانت في مارس 2009من حينما قال: التحري مستمر مع مولانا أحمد هارون، الأمر الذي سارع بنفيه آنذاك أحمد هارون بنفسه. كذلك قيل إنه كان يتحدث دائماً عن أن لا كبير أمام القانون، أما خلفه عبد الدائم زمراوي فقد تخرج عام 1979م وفقاً لحديث أهل الشأن وتدرج حتي وصل منصب وكيل وزارة العدل وخلال عمله أظهر اهتماماً كبيراً بملف دارفور ، وكان لصيقاً به وعندما أعلن دوسة قرار الإعفاء حرص علي دعمه بجملة من المبررات من بينها رغبة الوزارة في تعزيز جهود العدالة في الاقليم ورفع مستوى التمثيل، ونيتهم اللجوء الى آليات الصلح التقليدية في دارفور لانعدام البينات حول الجرائم التي ارتكبت أثناء الحرب كما قال، وتشكيل لجنة تضم كبار المستشارين ورتبا عليا من الجيش والشرطة وجهاز الأمن لإعانة المدعي العام ، رغم هذه المبررات فقد أفرز هذا الإعفاء كثيرا من التساؤلات في الساحة وسط المهتمين والمختصين من شاكلة: ما هي دواعي اتخاذ مثل هكذا قرار؟، وماذا أراد به الوزير تحديداً؟ وهل ستتبع هذه الخطوة إجراءات وتعديلات أخرى؟ وهل أخفق نمر أم نجح زمراوي؟ المراقبون حاولوا إعادة قراءة حيثيات القرار واستوقفتهم الإشارة التي وردت فيه حول تعزيز جهود العدالة في الاقليم وسألوا هل كان نمر بعيداً عن هذا التعزيز أم أن هناك آليات تنوي الوزارة اتباعها لتعزيز هذه الجهود ووجدت المعارضة من نمر ابراهيم؟.. وقد يكون اعترض أيضاً على مسألة رفع مستوى التمثيل التي قيل إنه سيضم كبار المستشارين والرتب العليا من الجيش والشرطة وجهاز الأمن، بينما أبدى زمراوي استعداده لتنفيذ الخطة. مقربون من ملف دارفور لم يستبعدوا أن يكون هناك اختلاف في وجهات النظر بين زمراوي ونمر حول نتائج بعض المحاكمات في دارفور التي ربما تقود الى محاكمة شخصيات تجد الحماية من زمراوي، أو أراد وزير العدل وضع زمراوي أمام تحدي الجرائم الجنائية والمدنية في دارفور المرتبطة بالقضاء الدولي ونقل نمر ابراهيم الى جهة أخرى أو وضع نهاية لعمله لا سيما أنه وصل مرحلة المعاش. وبالمقابل فإن إحداث تغيير في هذا الملف يعكس للمتابعين في الداخل والخارج جدية الحكومة في إجراء العدالة، ويبدو أن هذا الأمر متفق عليه لأنه صدر عقب لقاء الرئيس البشير مما يدل على أنه يجد المساندة من أعلى سلطة. المحللون المختصون في الشأن القانوني كذلك لم يخرجوا عن سياقات الفهم العام حيث اتفق معظمهم في أن القرار هدف الى رفع مستوى التمثيل، وهكذا ابتدر حديثه ل( (الأهرام اليوم) علي السيد المحامي حينما قال إن الخطوة جاءت في سياق رفع مستوى التمثيل كما أن هناك محاولة من الحكومة للتأثير على مفاوضات الدوحة وإظهار جديتها في حسم جرائم دارفور ومحاسبة مرتكبيها، كذلك المدعي العام مسؤول عن ملف الجرائم الجنائية وهذه القضية - وفقاً لعلي السيد - اذا وجدت التعاون يمكن أن تحقق النجاح. متسائلاً عن مدى الجدية في تقديم الناس للعدالة قبل أن يضيف «هذه الخطوات مجرد محاولة للتشويش». وأشار الى أن تعيين وزير العدل نفسه كان يفرض الاستعانة به في استخدام آليات الصلح كما أكد دوسة في ثنايا القرار لكن العدالة لا تحل بالتصالح وانما تحتاج لتطبيق القانون، ولم يستبعد علي السيد أن تكون هناك إشارة سالبة في القرار تدل على أن الاستبدال سببه عدم فعالية دور نمر ابراهيم لذلك تم استبداله بزمراوي، أما اسماعيل الحاج موسى فقد طالب الناس بعدم تحميل هذا القرار أكثر مما يحتمل، لأن وزير العدل منذ قدومه الوزارة ابدى اهتماماً كبيراً بقضية الأمن في دارفور، ويبدو أنه وجد الأمور في ما يختص بالتحقيقات تحتاج الى دفعة، ووضح ذلك عندما نوه الى أنهم يريدون رفع مستوى التمثيل خاصة أن أنظار العالم في المرحلة القادمة ستتجه نحو المحاكمات والتحقيقات في دارفور، لهذا السبب أراد دوسة أن يطمئن الجميع بأن لا أحد يمكن أن يفلت من العدالة، ولتحقيق ذلك عين وكيل الوزارة، الأعلى سلطة، في منصب المدعي العام. وتطابقت وجهة نظره مع الصادق الشامي المحامي المعروف الذي رأى أن سبب اعفاء نمر قد يعود الى تقييم العدل للأداء وما صاحبه من إخفاقات أو تكون هناك ظروف صحية أدت الي اعتذار نمر عن مهامه ، وبين هؤلاء وأولئك تظل الأسباب محصورة في نطاقات ضيقة لكن الشهور القادمة بإزالة الضباب العالق في ثنايا المشهد.