يبدو أن السودان لن يتقدم قيد أنملة، وسنظل محلك سر، دون الدول الأخرى طالما لدينا أشخاص لا يسعون إلا لمصالحهم ومكتسباتهم الذاتية، لن نتطور ولن نلتفت لبناء بلادنا حتى يرحمنا أهل الإنقاذ من الشخصيات الكرتونية التي يدفعون بها يومياً إلى القصر الجمهوري والوزارات السيادية، ظناً منهم بمعالجة بعض القضايا. لن نتقدم ونلحق بركب العالمية حتى نتخلص من العناصر التي تسعى لذاتها من ستار الأهل والأرض والتعويضات والمسلسل المكسيكي الذي أضحت حلقاته ألوفاً ولم نر النهاية حتى الآن. غادر أركو مناوي غاضباً بحجة أن المؤتمر الوطني أي الحزب الحاكم لم ينفذ بنود اتفاقية أبوجا، وأكد من خلال قياداته أنه لن يعود إلى حضن السلطة إلا بتنفيذ كافة المطالب. حديث غريب وأسطوانة مشروخة ومكررة وملَّها الشعب السوداني قبل أهل الحوش، فالبرغم من الاحتفالات الضخمة التي أقامها أهل الإنقاذ لمناوي وأتباعه عند التوقيع، والفرحة الكبيرة التي كانت تحيط بهم؛ إلا أن مناوي أراد - كما يبدو - أن يستحوذ على أكبر قدر من المكتسبات، خاصة ان الحكومة في طريقها للتفاوض والتوقيع مع خليل وآخرين، وهم الفصائل الأكبر الآن في دارفور، وبالتالي فحقوق أهل دارفور ستكون من نصيبهم وهم الأحق بتوزيعها. فقرر مناوي أن يرحل غاضباً ككرت ضغط على الحكومة المشغولة بالاستفتاء والانفصال والمحكمة الجنائية وتربصات أهل الغرب، ويبدو أنها غير متفرغة لمناوي أو خلافه، خاصة بعد أن أضحى دون أتباع في الميدان أو حتى حوله، فمعظم قياداته المعروفة غادرت الرجل وانسلخت وكونت مجموعات تفاوض الحكومة منفصلة الآن، وأخرى انضمت إلى خليل وعبد الواحد، ليصبح مناوي في القصر الجمهوري في مكتبه الفاره مع خمسة وأربعين من أبناء عمومته وأخواله، تفرقوا ما بين القصر ومنزله الأفخم بالخرطوم. لم نشاهد مناوي منذ دخوله القصر متحركاً ومشاركاً فعالاً في قضايا السودان، ولم نقرأ خبراً مفاده اتصاله بأهله حاملي السلاح لإقناعهم بالعودة إلى السودان والجلوس مع الحكومة بدلاً عن الحرب التي أفقدتهم كل شيء. لم نسمع له تصريحات نارية كحال كل السياسيين الذين تنكروا لأفعال الدول الغربية البغيضة وتدخلاتها السافرة في سياسات السودان وسعيهم الدؤوب للسيطرة على السودان. لم نره يجلس مع أهل المعارضة الداخلية والتشاور معهم في أمر السودان وأين سيكون الحل والمخرج. لم نسمع باتصالاته بخليل وعبد الواحد ولم يطالب بأن يقوم بالتفاوض معهم باعتبارهم أبناء عمومة وأقارب وتربطهم دارفور الجريحة. دخل القصر وغادره غاضباً بحجة التهميش وهو نفسه من يعمل على تهميش نفسه، ثم عاد وغادر مرة أخرى ثم غادر ونحن نتفرج في تصرفات لا تصدر إلا من أطفال في بداية مراحل الأساس فلا هو يريد أن يبتعد ويعود إلى ميدانه ولا هو قادر على مقاومة القصر والمنزل الفخم والعربات الأفخم، وبالأمس غادر إلى جوبا في تحرك غير مفهوم، وحسب تصريحات أتباعه أن الأمر مجرد تشاور وتفاكر يتعلق بمسؤوليات الحركة بعد أن جرَّد عدداً مقدراً من قياداتها من أية مسؤولية بحجة أنهم ضعفاء ومتفلتون، ليصبح مناوي بخمسة عشر فقط من الأعضاء حسب القراءات، ولا ندري ماذا يريد الرجل حتى الآن؟ تفاءل الناس بك خيراً أيها الجنرال مناوي، واعتبروك ابن السودان قبل أن تكون ابن دارفور، وما زلنا نؤمل فيك خيراً، فاترك هذه التصرفات غير المجدية وعد إلى مكانك داخل القصر يداً بيد مع إخوانك، فالسودان يحتاج إلى كل أبنائه هذه الأيام، حتى تنقشع الغمة ونبني سوداناً قوياً بأهله، أما أبوجا وأهل دارفور فتقديم ما يفيدهم من داخل القصر وليس من أطراف دارفور أو الجلوس مع الحركة الشعبية التي قررت مصيرها وكفى.