{ إذا انفصلنا عن علاقة ما، أعاطفية كانت أم إنسانية، وغادرناها؛ نبقى رهائن قصة لا تنتهي سريعاً، وأسرى حبكة درامية تلفنا خيوطها، فهل هذا ما يجب؟ أم أنه بعض ضعفنا وانكسارنا؟ وإذا طلَّقنا حياة، وهجرنا بيتاً ظنناه يوماً مملكة واكتشفنا أنه مقبرة، ورغم قناعتنا بصحة قرارنا؛ نبقى رهائن لخاتم عزيز، نخبئه في مكان ما بحيث لا نراه، ورغم ذلك يبقى يحبسنا بذكرياته التي تجعلنا ندور في دائرته حتى ندوخ، فننام، أو نفقد الذاكرة! { كلنا رهائن، لن نهرب من تلك الحقيقة، فإنسانيتنا تفرض علينا أن نتأثر بالعادة والعشرة، ولو إلى حين، فحتى وظائفنا التي نمارسها؛ ترهننا إليها حتى بعد نهاية الدوام، فنذهب إلى بيوتنا ونترك بعضنا على المكتب. ربما الفارق في معدل ارتهاننا لتفاصيلنا، فالبعض له القدرة على التجاوز السريع وهم في الغالب رجال بحكم الفطرة والبعض يبقى طويلاً في أسره مستسلماً، وربما مستمتعاً بدور الرهينة. { وأنا واحدة من هؤلاء المحبوسين، من هؤلاء الأسرى الذين يبحثون عن فدية أو اتفاقية للتبادل ما بين ذكرياتي الموجعة وحاضري الهادئ ومستقبلي المجهول، ولم أستطع أبداً أن أفصل تفاصيلي الشخصية عن كتاباتي، وربما كان هذا واحداً من عيوبي التي تعانون منها. فالحقيقة أنني لا أستطيع أن أضحككم وأنا أبكي، ولا العكس. وحتى إن كانت الشمس مشرقة والسماء صافية والمواصلات سهلة؛ أجدني أحياناً أتحرك داخل زنزانة ترافقني من بيتي حتى الصحيفة، وتجدني أتفرج من شباك المركبة على مارة لا أرى فيهم سوى رهائن مثلي يتحركون في زنازينهم ويظنون أنهم أحرار، أو هذا ما أسقطه عليهم، ليأتي اليوم التالي وأنا أشعر بمنتهى الحرية ولا أرى من حولي سوى الجمال وملايين الأحرار الطلقاء السعداء! فهل هذا هو الجنون أم أنني أكون رهينة لمزاجي العام؟! { وأبقى كذلك رهينة لأفكاري التي تجلدني كل صباح، أفكاري المقلقة، أراها تراقبني وتلاحقني وتحاصرني، حتى إذا قررت أن أكتبها؛ لاذت بالفرار، ورغم هروبها لا تسمح لي بأن أطل على الحياة من نافذة أخرى، لأنها تكون حينها قد سيطرت عليّ وأخذتني رهينة لديها. { وكلنا والله رهائن، بعضنا رهين لمشاعره وعواطفه، حيث القلب يخطف النبضات التي نسمع صراخها ولا أحد ينجدنا، لنجدنا متورطين في حب كبير يسيطر علينا ويرهننا لديه، فلا نتحرك إلا في مجاله، ويمضي بنا في أسره حتى يرهننا لقفص ذهبي ومسؤوليات جسام لا بد من أن نؤديها شئنا أم أبينا. وبعيداً عن كوننا رهائن للحب والوظيفة والزواج والذكريات؛ فإننا نصبح رهائن لما هو أخطر، رهائن لدى صغارنا بمستقبلهم المجهول، وهذا الراتب الذي يكبرون ولا يكبر، وطلباتهم الكثيرة، وأحلامنا الكبيرة لهم وبهم. { ونحن رهائن لرجال المرور، وللساسة، ولرجال المال، ولتجار السوق، ولكل من يتحكمون بنا ويحكمون قبضتهم. رهائن، ولا نعرف ما هي الفدية التي علينا دفعها، ولا أحد يعلن عن رغبته في مبادلتنا أو مسؤوليته عن رهننا هذا، لا أحد يسأل عنا، أو يرغب في تحريرنا من أيدي خاطفينا، ولا أحد يعلم تماماً هوية الخاطفين، فهم مزيج مختلف متفق فقط على إبقائنا داخل دائرة سطوته. كلنا رهائن لبعضنا، كلنا خاطفون، كلنا مربوطون بأغلال متصلة، وكل منا يمارس رهنه للآخرين بطريقة ما وإن تفاوتت الطرق وتباينت، وأقسى ما يعذبني أن أبقى رهينة بين محبسين، أحدهما ذكرياتي بحلوها ومرها، أتحسر على بعضها وأحنق على البعض الآخر، والمحبس الآخر قلقي على مستقبل أبنائي وسعيي الدائم لتوفير الأفضل لهم في ظل هذه الأوضاع المزرية بملامح الغد المتداخلة لوطن كبير عزيز وطيب يظل حتى الآن رهيناً لأمزجة القادة وأطماع المستعمرين وانحسار وطنيتنا. { تلويح: أنا حرة؟ لا أعرف، أنا خاطفة؟ أعتقد ذلك، فلم يعد هناك متسع للحرية وهناك دائماً فرصة للخطف.