«سناء حمد العوض» وزير الدولة بالإعلام، أصغر وزيرة في الحكومة، وربما أصغر وزيرة بالمنطقة، عندما تسمع عنها تتبادر لذهنك الكثير من الأسئلة، قدرتها على تحمل التكليف والمسؤولية، أعباء هذه الوزارة الحساسة في بلد ينوء بالتحديات، وفي هذا الظرف الدقيق والحساس من تاريخ البلاد، ربما كانت هذه هي المحاور التي سيطرت على تفكيري عندما قررت محاورتها، وعندما ذهبت إلى مكتبها وجدتها تنتظرني في الوقت المحدّد تماماً، رحّبت بي، وذكرت لي أنها تعرف القاهرة جيداً، وأنها عاشت بها، وأن أسرتها لديها بيت في حي السيدة زينب أعرق مناطق العاصمة المصرية. للوهلة الأولى أحسست أنني أمام امرأة غير عادية، لديها مقدرات خاصّة، وخطاب واع متزن، تحدثت معي عن قضايا مختلفة دافعت فيها عن بلادها بثقة وجدارة، انتقدت نواحي معينة في الإعلام دون تجميل، واعترفت بمناطق الخلل والقصور فيه بكل ثقة، كانت لديها رؤية في معالجة هذا القصور، وخطة بدأت في تنفيذها بوزارة الإعلام، عكست لي المنهج، وأقنعتني بكونها عنوان جيد لتحمل المسؤولية، وعندما عرفت السيرة الذاتية لها تأكدت أكثر أنها إمرأة مناسبة في مكان مناسب، فالوزيرة الشابة لديها دبلوم عال في العلاقات الدولية من جامعة الخرطوم ( 1996م)، وماجستير العلوم السياسية بنفس الجامعة ( 1998م)، وحالياً تعد لنيل درجة الدكتوراة في العلوم السياسية بنفس الجامعة. تلقت عدداً من الدورات وجلست في مدرجات العديد من الجامعات العالمية لنيل كورسات متقدمة في اللغة الإنجليزية (أكسفورد)، وفي الإعلام (مدرسة لندن للإعلام)، وكورس متقدم في السياسة الخارجية وطرق إدارتها (لندن)، وكذلك كورس (أداء المنظمات وإدارتها) (الأممالمتحدة – الخرطوم) ، كورس متقدم في آليات تعزيز وحماية حقوق الإنسان (الأممالمتحدة – جنيف، سويسرا)، كورس التخطيط والإدارة الإستراتيجية (الخرطوم 2006 م) ، و.. و.. فيما يلي نص الحوار معها: على الدوام، الإعلام السوداني لم يكن على قدر التحديات التي تواجه البلاد، ففي العديد من الأزمات التي واجهت الدولة لم يكن فاعلاً ولا مؤثراً.. في تقديرك ما هي الأسباب؟ - مشكلة الإعلام في السودان أنه موغل في المحلية، فقد أدار وشارك في تغطية أزمة دارفور بطريقة تقليدية، لم تواكب الطفرة العالمية في الإعلام، وأدار الأزمة ببراءة على إعتبار أنها ليست المعركة الأولى في الإقليم، فهي صراع قبلي منذ زمن طويل، ولم ينفذ الإعلام السوداني إلى الماورائيات وإلى الأبعاد السياسية والمخابراتية وراء الأزمة، والآن بدأ الإعلام السوداني ينضج، فمن قبل كانت المبادرة في دارفور خارجية، وكان الإعلام الدولي صاحب المبادرة الأولى، والآن الحكومة بدأت تأخذ مبادرة واضحة بإستراتيجية موضوعية، وهذا ساعد الدولة لتمارس سيادتها على أراضيها، وقبلت هذه الإستراتيجية على مستوى الإتحاد الأفريقي، واللجنة التي تدير مفاوضات الدوحة، والمبعوث الأمريكي للسودان، وكذلك قمة نيويورك، فهذا الترتيب جعل جزءاً من الإعلام الدولي ينتبه لحقيقة الأوضاع في دارفور، وربما سلوك الحركات نفسه دفع الآخرين للانتباه بأن هناك خللاً ما في مدى صحة ما يقولونه. هل اتخذتم إجراءات معينة لتطوير الإعلام السوداني وتفعيله؟ - في السابق كانت وزارة الإعلام ترتبط مرة بالشؤون الإجتماعية، ومرة بالثقافة وبالشباب والرياضة، والفنون، والاتصالات وكان التركيز دائماً على الشق الثاني في الوزارة بخلاف الإعلام الذي كان مجرد علاقات عامة. الوزارة الحالية هي أول وزارة خاصة بالإعلام، وترتبط فعلياً بكل هيئاتها، والوزير الأول هو الناطق الفعلي للحكومة الآن، وبدأ التركيز على أولويات في الوزارة أولها قضية التدريب، وهناك معالجات ضرورية اتخذت لتأهيل أكاديمية التدريب، وأصدرنا قراراً بمنع التدريب بالخارج، وربطنا العمل بالحصول على شهادة التدريب من الأكاديمية، ونخطط لفتح مجال التدريب للقطاع الخاص، ونطمح أن يكون لها دور إقليمي، وحريصون أن تكون هي الأفضل من حيث الأستديوهات التليفزيونية، ومن حيث المواد المختلفة بالتدريب الصحفي، ونتطلع لأن تكون مكاناً بديلاً عن التدريب بالخارج، وسوف نجلب لها أكفأ المتخصصين في شتى مجالات التدريب الإعلامي من الخارج، ونحتاج لبعض التخصصات النادرة خاصة من مصر وقطر وماليزيا. ذكرت أنه أول مرة يكون وزير الإعلام ناطقاً رسمياً للحكومة بشكل فعلي. فهل تصريح د. كمال عبيد بأن الجنوبيين في الشمال لن يحصلوا على حقنة واحدة بعد الإنفصال من الشمال هل هذا التصريح كان من الناطق الرسمي للحكومة؟ - هذا الكلام قاله الوزير في لقاء خاص، وكان لقاءً مع وزير الإعلام وليس الناطق الرسمي للحكومة، مع العلم أن حديث د. عبيد كان قانونياً، فالعملية المقبلة في السودان من حيث الاستفتاء، ومن حيث نتيجة الوحدة ومن حيث الوحدة أو الانفصال ليست جديدة، وهناك قواعد في القانون الدولي تنص على أن هناك ترتيبات دستورية لهذا الوضع، فالسودان ليست تجربته الأولى، فقد استقل من قبل عن مصر، وكانت هناك جنسية سودانية منفصلة، وترتيبات خاصة بهذا الانفصال، ولذلك استقل بذاته، وجنوب السودان ليس استثناء، وحديث دكتور عبيد قاله من قبل وزير العمل وهو جنوبي، حيث قال إنه حال الانفصال سيفقد الجنوبيون وظائفهم في الشمال، فمثل هذا الحديث يقرر واقعاً حقيقياً. من المعروف عن المواطن السوداني أنه قارئ جيد، مقارنة بالمنطقة العربية، ومع ذلك نجد أن توزيع الصحف السودانية ضعيف مقارنة بكثير من الدول، ما هي الأسباب وراء هذا التناقض؟ - في عهد الرئيس جعفر نميري كان معدل توزيع الصحف مليون نسخة، ولكن كان عددها قليلاً، وهي مايو والأيام والصحافة، في بداية حكومة الإنقاذ كانت هناك (الإنقاذ الوطني) و(السودان الحديث)، ومجلة الملتقى، والآن واضح أن القنوات الإخبارية، خاصة الجزيرة، التي اهتمت بتغطية الوضع السوداني فاق الإعلام الداخلي، جعل المواطن يهتم بها أكثر لمعرفة أحواله، بالإضافة إلى اهتمام المواطن بالصحافة الاجتماعية، ولذلك نجد أن توزيع الصحف الاجتماعية أعلى بكثير، والصحافة لدينا تهتم أكثر بما يجري في الخرطوم، والشخص داخل الولايات لا يجد نفسه بها، وهناك 18% من الصحف توزع بالجنوب رغم أنها تصل غالية الثمن وفي آخر اليوم نتيجة لنقلها بالطائرات، ولكن المواطن الجنوبي يجدها تخاطب مشاكله وقضاياه السياسية، وبالذات في حواضر المدن الجنوبية، خاصة صحيفة الانتباهة والأهرام اليوم، ولكن حكومة الجنوب أوقفت توزيعهما هناك، ونصيحتي للصحف السودانية إقتحام الولايات وليس حكومات الولايات، فهي لا تعبر عن الواقع، والتحديات الاجتماعية هي التي تعبر عن المواطن. الملاحظ أيضاً في الصحافة السودانية أن التحقيق الصحفي ما زال ضعيفاً، فهي تعتمد على الخبر والمقال والعمود السياسي، وعدد كبير من المواطنين لا يجدون أنفسهم إلا في التحقيق، وهناك ظاهرة في السودان وهي تأجير الصحف، لأن كل الصحف متشابهة، وهناك شريحة كبيرة في المجتمع وهي جيل الشباب ارتباطها الأكبر بالانترنت على حساب الصحافة الورقية، فظاهرة تراجع الصحف الورقية ظاهرة عالمية وليست سودانية، وانتشار الصحف أصبح أقرب لظاهرة رجال الأعمال والبزنس ففي كل صباح هناك جريدة جديدة. لو كان هذا هو الوضع في الصحف فما هي أسباب تراجع الفضائيات السودانية؟ - مقارنة المدرسة الإعلامية السودانية بالقاهرة وبيروت والدوحة ظالمة، فالمدرسة المصرية في الإعلام قديمة، وكذلك الواقع الإعلامي في لبنان والخليج العربي، حيث رأس المال والتدريب على أعلى مستوى، فالكوادر السودانية موجودة وفاعلة، لكن رأس المال الخاص في السودان شحيح في الصرف على الإعلام، أما التلفزيون الحكومي فضعيف أيضا ولكنه يسير في نفس نسق التلفزيونات الحكومية بالمنطقة حيث الترهل الحكومي والروتين، ولدينا قناة الشروق نعتقد أنها تجربة جيدة من حيث المادة وارتباط المشاهدين بها. دعيني اختلف معك، فالسودان لديه من الإمكانات والكوادر ما يؤهله للمنافسة الإعلامية!! - نفتقد التأهيل المتخصص في هذه المجالات، وفي نفس الوقت نشتكي من أن المميزين لم يجدوا الفرصة، فلدينا حلقة مفقودة في هذا الموضوع، عموماً فترة 4 شهور في الوزارة ليست كافية لإحداث تطور كبير. هناك إتهام بأن سيطرة كوادر المؤتمر الوطني على المؤسسات الإعلامية هو السبب في هذا الخلل؟ - يمكن أن يكون هذا الكلام صحيحاً في بداية التسعينيات، ولكن الآن المعادلة تغيّرت، فالحكومة ليس لديها صحيفة، وأصبحت العملية بزنس خاص، ورؤس الأموال تتاح للإسلاميين للعمل معها من أجل العلاقات. ما تعليقك على تأدية الإعلام السوداني لدوره في الانتخابات؟ وهل كان هذا الدور مؤثرا؟ - الانتخابات كانت أحد أميز ما قام به الإعلام السوداني، فقد مارس دوره بحرية كبيرة، وتغطية إعلامية شاملة وواسعة، وزادت معدلات توزيع الصحف عن المعتاد، مما ساعد على إيجاد ثقافة إنتخابية لنظام إنتخابي يوصف بأنه الأعقد في العالم، وكان دور الإعلام حاسما في تهيئة المواطن لقيام الإنتخابات في موعدها. وهل هناك خطة إعلامية لمرحلة إستفتاء الجنوب؟ - الإعلام في مرحلة الاستفتاء عكس الانتخابات، لأن كل المواطنين في السودان ليسوا شركاء فيه، وبالتالي الخطاب سيكون موجهاً إلى حوالى مليوني جنوبي بالشمال، وحوالى مليون آخرين بالخارج، والإعلام الحكومي سوف يعمل في الاستفتاء وفق ما توجه به مفوضية الاستفتاء، حيث شرح طريقة التصويت، والخطاب السياسي لرئيس الجمهورية والذي سوف يلقيه قبل عملية الاستفتاء بأسبوعين لتنوير المواطن بتبعات الاستفتاء، فالخطة الموجودة مرهونه بالمفوضية، فهو التزام دستوري بالعمل نحو الوحدة، في إطار إتفاقية أسست أصلا على جعل الوحدة جاذبة، وهذا سيكون أساساً لخطاب رئيس الجمهورية، باعتباره مسؤولا عن هؤلاء المواطنين، ويجب عليه تنويرهم بتبعات الاستفتاء، وسيعطي الصورة في حال الوحدة أو الانفصال، بدون حسم أي نتيجة. ماهي رؤيتك للمشهد الحالي في هذه الفترة القصيرة قبل الاستفتاء؟ - السودان يمر بمرحلة مفصلية للمرة الثانية في تاريخه، فكانت المرة الأولى في الثامن عشر من ديسمبر من عام 1955 حينما قررت النخبة والأحزاب السودانية الاستقلال عن مصر، وحينها بني القرار على أن السودانيين لا يرغبون في التخلي عن الجنوب باعتباره جزءا منهم مخالفاً للعرب، وأن السودانيين كيان واحد، واختار السودان وقتها الانفصال عن التاج المصري، ويمر السودان هذه الأيام بذات المرحلة، وكانت لحظات في السابق مليئة بالترقب، والآن هي كذلك، وسيكون كل ما بذل ضاع هدرا إذا لم نكسب السلام. ثمن الاستقلال عن مصر كانت علاقة جوار متميزة دون الحديث عن تاريخ استعماري، ولم يكن الشعور بأننا محتلون من التاج المصري، وكان السودانيون ضباطا في الجيش المصري، وموظفين في الحكومة المصرية، وهنالك علاقات مصاهرة ونسب بين الشعبين، فانفصالنا عن مصر كان بسلام محترم، وأقول إن وجدان الشماليين وحدوي ومصالحهم في الانفصال، ووجدان النخبة الجنوبية إنفصالية لكن مصالحهم في الوحدة، وفي تقديري الشخصي أنا أحبذ الوحدة وأرجوها، ولكن إذا إختار الجنوبيون الانفصال باستفتاء حر نزيه فهذا خيار نحترمه، وأظن أن هذا من أرقى أنواع الحرية أن تسمح لهم بأن يختاروا دولتهم، ومن قبل كان السودان يتعامل مع أصحاب الديانات السماوية المختلفة بالجنوب بأن يمارسوا عقيدتهم بحرية، وكانوا مستثنين من حكم الشريعة المطبق على البلاد، فاختيارهم الحر كمواطنين محل احترام ولكن غير مقبول في القانون الدولي أن تختار دولتك وتعيش في الأخرى كمواطن، فالجنوب سيكون دولة قائمة بذاتها بعد الانفصال ومواطنوها جنوبيون. هل تعتقدين أن الاستفتاء سيقوم بموعده مع كل هذه المشاكل؟ - ليس من المعقول أن نخوض كل هذه التجربة القاسية ذات الجراحات لنعود إلى الحرب مرة أخرى، نريد أن نعبر بها نحو السلام حتى لو كان ثمن تحقيق هذا السلام هو الانفصال، فقضية ترسيم الحدود إستراتيجية، ومنصوص عليها في اتفاقية السلام، وإعلان دولة جديدة الآن بلا حدود معناه نموذج لإسرائيل أخرى، فإذا «أردت أن تطاع فأمر بما هو مستطاع»، فنحن مصرون على قيام الاستفتاء في موعده، وفق ما حددته الاتفاقية، وفق الإجراء الموضوعي، فلابد أن يتم الاستفتاء بمعايير وترسيم للحدود وبضمانات، وهذا أيضاً هو حديث الخارج وليس الحكومة وحدها، وهذا هو حديث العقل والمنطق، والكرة الآن في ملعب الحركة الشعبية، وعليها أن تنظر إلى مصالح مواطنيها، وتعيد قراءة اتفاقية السلام، وتحرص على حسن الجوار. رؤيتك لمستقبل السودان في ظل الوضع الراهن؟ - السودان بعد يناير 2011 سيصل إلى ختام إشكالية هي قضية الجنوب، ولكن في ذات الوقت ستكون بداية لعدد كبير من الأزمات في الدول الأفريقية والعالم العربي، وأتمنى أن يكون اللاعب في المسرح الدولي أكثر حصافة وذكاء بعيداً عن ضغط الأجهزة، فالقضية ليست متعلقة بالسودان وحده، فهي مرتبطة بخريطة أفريقيا كلها، وما سيحدث في جنوب ما بعد الانفصال سيكون نواة لعدم الاستقرار في أفريقيا كلها، وستكون سابقة للجميع في القارة. أقول إن ما يجري في السودان يحتاج إلى تضافر الجهود من الجميع، فأوراق اللعب ليست بيد الحكومة وحدها، والحكومة سوف تظل تلعب لجعل الوحدة هي الخيار لآخر لحظة، ولا نرغب في أن يتفرج علينا العالم بطريقة تجعلنا سلبيين تجاه التحدي الكبير الذي يواجهنا، ويواجه الإقليم في المرحلة المقبلة.