ليس وحده ظهر البعير تقصمه قشة، فالحكايات العظيمة أيضاً قد تقصم ظهرها قشة، والمشاعر الصادقة كذلك، وحتى الأحلام الجميلة قد توقظها قشة، والقشة لا طول لها ولا مواصفات، فقد تكون مجرد شوكة في خاصرة أيامنا. (2) لدي رغبة مجنونة بأن أوقظ الطفلة المشاغبة بأعماقي هذا المساء وأركض عبر الطريق، لدي رغبة بأن أسير حافيه لبعض الوقت، بأن أتمرد على وقاري وأصرخ بصوت عال وأغمس يدي في بحر الألوان، أرغب في أن أجري في أرجاء المنزل وأقفز فوق الأثاث وأرسم على الجدران أشجاراً وأنهاراً، لديّ رغبة في أن أمشط شعري جديلتين بشرائط ملونة، وألعق (مصاصة) من الفراولة لألوّن لساني وأثرثر مع كل الزوار، ولكني أخشى إن فعلت ذلك أن يتهمني أبنائي بالجنون ويرون فيّ ذلك التناقض الذي أخفيه وأنا أزجرهم من كل ما تقدم، فلماذا نزجر أبناءنا دائماً عما قمنا به يوماً؟ (3) المعاناة الحقيقية في أن تكون ممتلئاً بالحب والمشاريع النبيلة لحياتك، ولكن ليس لديك شريك حياة، والمعاناة الحقيقية الأعظم أن يكون لديك شريك حياة وليست لديك القدرة على الحب أو وضع المشاريع النبيلة حيز التنفيذ. (4) لماذا تفعل الخيانة بالنساء الأفاعيل؟ لماذا تنهار قوانا وثقتنا بذاتنا كلما اكتشفنا امرأة أخرى يحاول رجلنا إخفاءها بكل الوسائل؟ إن هذا في حد ذاته يمنحنا الشعور بالرضا، فالفرق بين امرأة يحتاجها الرجل ويخشى أن يفتقدها، وبين أخرى يحتاجها أحياناً ولا يخشى افتقادها هو بعينه الفرق بين الطُهر والعُهر، فاحتفي بطهرك ولا تفسحي المجال لسواه كي يدنس حياتك. (5) في زمانهم، إن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب. وفي زماننا هذا إن لم تكن ذئباً، أكلتك الكلاب، فلم يعد لدينا ذئاب، لأن الذئاب تتمتع بالشجاعة والقوة والقدرة على المواجهة، أما الكلاب فتفعل ما تفعله الآن. إنهم يستكثرون علينا أن نموت بسلام، فينهشون أجداثنا مراراً ليتأكدوا أننا قد فارقنا الحياة لأنهم يخشون أن نعود شهوداً على نذالتهم. (6) إذا وصلكم خبر موتي يوماً ونعاني الناعي إليكم؛ فلا تبكوني ولا تحزنوا ولا تجزعوا، ولكن تذكروا أنه قد زفت إلى التراب اليوم امرأة عشقت الحرف بجنون وامتهنت الكتابة إليكم لدرجة أورثتها الإدمان والقلق، وتسللوا دائماً إلى أوراقي، استعيدوا بعضي، فكل ما كتبته يحمل بعضاً من روحي، وقولوا بكل فخر، زفت إلى التراب اليوم امرأة كتبت بجنون وتلقائية وأورثت أبناءها محبتكم وبعض رضاكم عنها وليتكم ترضون، فوصيتي.. أنتم. (7) أحياناً تكتبني كلماتي، لا أختارها ولا أسعى إليها، ولكنها تتدفق من خاطري وتتزاحم على سن القلم، فأعلم أنه أوان الهذيان، وهو هذيان محمود، لولاه لانفجرت بفعل طاقة لا أعلم مصدرها تثير الجنون والرغبة في التمرد بداخلي، فهل من حقي أن أهذي قليلاً بعيداً عن بذل النصائح والحياد والتزام الموضوعية في كل ما أكتبه؟ هل من حقي أن أكتب بعض الخطرفات وأشكركم فيها كعادتي منذ اتخذتكم شركاء؟ لا أعلم، ولكني لا أستطيع أن أقاوم هذا الهذيان الذي بدأ يتحول إلى حُمى. { تلويح: يرتفع صوت هذيان القلوب، حين ترتفع القلوب إلى قمة الحزن والضجر.