ضاقت بهم ظروف الحياة وضاعت من بين أيديهم معالم كيفية كسب العيش، فكان القرار بيع منقولات المنزل أو بعضها، وبين ليلة وضحاها غدى الأثاثات المستعمل مهنة لهم. المكان الضاحية الغربية لمدينة الثورة بأم درمان، وجيوش من الباعة من كل الأعمار والسحنات والبضاعة، كل ما يخطر على بالك من «الأبرة إلى الصاروخ». كبير الباعة الشهير ب(الجاغوم) قال إنه يعمل في هذه المهنة لأكثر من ثلاثين عاماً، ويبيع كامل أثاثات المنازل حتى الأواني المنزلية المستعملة. وأردف إن الزبائن يأتون في كل جمعة للشراء أو الاستبدال أو لكشف الدلالة مالها وما عليها. أما الدارفوري (توجي) فقال إنه أحب هذه المهنة ويعمل بها لأكثر من (12) عاماً ولا يدري كيف الفكاك منها فقد أدمنها ولا يفكر في العودة إلى أهله بعد أن تزوّج من ولاية نهر النيل وفُرض عليه (موسم الهجرة إلى الشمال). من جانبها أبانت (حبوبة الحاجة) أنها تبيع في هذه الدلالة الأواني المنزلية القديمة التي تشتريها من ربات البيوت مثل «الصيجان، والحِلل الكبيرة، والبُرام النحاسية القديمة، وصحون الباشري» وغيرها. وأكدت أن زبوناتها يأتين كل جمعة للشراء أوالاستبدال أحياناً وعلى جانبي الطريق غير المسفلت الذي يمر أمام الدلالة بطول كيلو مترين يتراص باعة الأثاثات القديمة والجديدة أحياناً حيث تأتي ربات البيوت لتغيير «طقوم الترابيز» و«التسريحة» وكراسي الجلوس والشماعات والابجورات وكامل الأدوات الكهربائية من مكيفات، أفران غاز وكهرباء ، مراوح ودراجات أطفال هوائية وألعابهم وملحقات الكمبيوتر والكل في شغله الشاغل. أحد البائعين قال إن محلية كرري أعادت الدلالة إلى موقعها القديم بسوق الحارة (12) الذي يحمل ذات اسم هذه الدلالة «حلايب» ولكنهم لن يغادروا بسبب ضيق المقر القديم وهرباً من التقنين فسألناه لماذا الهرب؟ فأجاب أن الأمر يتطلب مالاً لاستخراج عقد الإيجار وشهادة البحث وغيرها من الأوراق الثبوتية وقد يفوق المبلغ العشرة آلاف جنيه وهم يكفيهم ما يجدونه هنا في غرب أم درمان من ربح يكفي لشراء اللحم والرغيف لأسرهم. أما باعة الأطعمة والمشروبات والبطيخ فإن كامل نهار الجمعة يُعد عيداً لهم ففيه يجمعون قوت الأسبوع وكذلك الحال لسائقي الركشات والبكاسي والدفارات «نصف نقل» فالكل يحمل ما اشتراه ومثلهم يُنزلون ما أتوا به من المنازل ليُباع. وأرخص ما في الدلالة الأدوات المكتبية والكتب القديمة وكل ما يتعلق بالقراءة.