فتيان في ريعان الشباب، نساء بأعمار مختلفة.. تبعثرت أحساسيهم وأعمارهم وعطاؤهم على أعتاب مستشفى التجاني الماحي للأمراض النفسية، سكنوها، وسكن اليأس والإحباط جنباتهم، علا البؤس ملامحهم، سُحقت نفوسهم، غابت التعابير عن وجهوهم، سوى عيون واجمة في ذهول تحكي واقعهم المرير، وعمق الشروخ والندبات النفسية، والفوضى التي ضربت وجدانهم. في محاولة لإعادة المشهد لطبيعته وترتيب الوجدان المتناثر وإعادة الطمأنينة، كانت مجموعة (حنغني ليكم) تشارك مستشفى التجاني الماحي الإحتفال باليوم العالمي للصحة النفسية. ولما علم أهل الفن والموسيقى أن الأمر نفسي، وهم الذين يغزُّون النُّفوس لتتجدد وتزيح الهموم والأحزان عنها، كانت مجموعة (حنغني ليكم) قد أحيت يوماً بالمستشفي منذ العاشرة صباحاً، تدافع له كبار الفنانين والمبدعين يرممون بقايا النفوس الهالكة ويضمدون جراحاتها، ويرأبون تصدُّعاتها. غنى القلّع عبدالحفيظ ورغم الألم غادر المرضى أسرتهم وتحاملوا على آلامهم ليشاركوه الرقص والغناء. أما عند وصلة الفنان الشاب صلاح ولي فقد رقصت التجاني الماحي بأشجارها وغنى مرضاها، كيف لا وقد علم شفرات تحريكهم لأنه كثيراً ما غنى لهم أغانٍ وجدت صداها في نفوسهم. وهروباً من إلفة نشأت بينه وإحدى النزيلات وهو يؤدي أغنية (المفارق عينو قوية) تسلّق الشجرة ليرمي لها بالمايك في أروع فيديو كليب، تأكيداً لخلق الإتزان النفسي. ثم غنى وليد زاكي الدين بإتزان وبادل المرضى الرقص والأحضان وشاركوه الغناء. أما جمهور الفنان محمد حسن من نزلاء المشفى فهم الأكثر هدوءاً وصمتاً. إحداهن كانت مريضة (سارحة) وما أن غنى (قلبي الحابيك ما خان لياليك)، حتى أصبحت أكثر انفعالاً وتناولت المايك وغنت في أسى تقطعت له نياط القلوب. الجانب الإنساني كذلك كان حضوراً وهذا ما أكده حضور الفنان الإنسان عصام محمد نور الذي ضجّ له المكان بالتصفيق وفي وصلته الكل كانوا فرحين تعلوهم الابتسامة وصرخات الإعجاب. وعندما غنى الحلنقي لم تتورع إحدى النزيلات لتُعلن له عن حبها، لكنها منعته من إلقاء قصيدته (المشكلة) مؤكدة أن هنالك مشكلة. كما شارك الشاعر السر دوليب، وغنى تاور، وعوضية عذاب، والأمين عبدالغفار، ومحمد تبيدي، والشاعر السر دوليب، حيث رقص المرضى وابتهجوا وغرق الأصحاء نسبياً وأقرباء المرضى في الدموع، لتُطفئ عفاف حسن أمين شوقها للمرضى النفسانيين، باحتضان إحداهم فكانت لوحة عربون واعتذار من الإنسانية لمرضى التجاني الماحي، ومعظمهم من الشباب الذين تحطّمت مشاعرهم وأحلامهم على صخرة الواقع، ليعمِّق ما كشفه مدير مستشفي التجاني الماحي الدكتور عبدالرحمن عبدالله من المأساة بأن عيادة المستشفى تستقبل يومياً150مريضاً نفسياً معظم من الشباب والنساء، والمستشفي بها فقط 120سريراً وهي ممتلئة.