{ حتى وقت قريب جداً كانت تبريرات المسؤولين والوزراء عن عدم إكمال أي مشروع أو عدم الإيفاء ببرامج وعدوا بها في لحظات جلوسهم الأولى على المقعد الوثير، وتلك لحظة يرتفع فيها «الأدرينالين» ويعمل عمايله، فينداح المسؤول فارشاً الورود والوعود بأنه حيسوِّي وحيسوِّي.. حتى وقت قريب كانت التبريرات إما بسبب أن وزارة الماليَّة لم تقدِّم الدعم الكافي، أو أن خزانة المؤسسة أو الوزارة المعنية تتحمل ما لا طاقة لها به، أو أعذار لوجستية يمكن أن نبلعها.. لكن الجديد لنج والجديد شديد، أن يبرِّر السيد معتمد محلية كرري - لدى لقائه بمبدعي محليته - عدم اكتمال مسرح المحلية بسبب «الشيطان»، وهو لعمري تبرير عايز تبرير، إذ أنَّه ورغم إيماني الكامل بالغيبيات وسكان العالم الآخر، على وزن سكان العالم الثالث، إلا أنه تبرير مضحك لا أحسب أنه قد دخل في مخ أحد الحاضرين، إذ أن ما نسمعه عن هكذا قصص، بأن «الشيطان» يسكن البيوت، إن كانت مشيدة أو غير مشيدة، مقبول، لكن أن يمنع أن تُشيد فهي حاجة من اثنين، إما إنه الشيطان ده ما بحب المسرح في المطلق، أو أنه من عشاق السينما ! يا سيدي المعتمد، هذا التبرير خطير ولا أدري دلالاته ولا معطياته، وليس معنى أن تنشطر الشركة السودانية التركية.. أن هذا بفعل الشيطان، أو أن تقاعُس المحلية عن الاهتمام بهذا الصرح الإبداعي.. هو بفعل الشيطان، وأعتقد أن مثل هذه التبريرات ستفتح المجال واسعاً لمثلها، إذ أن أي مسؤول يخفق في وزارته سيقول إن السبب شيطاني، وما في زول يقدر يقوم «بم»، اللهم إلا أن يفتح الله عليه بقوله «محمد معانا ما تغشانا». { يا جماعة نحن في زمن أصبحت فيه الدول تخطو بأفرادها نحو سماوات السمو الفكري، وتعزز أنشطتهم بالتحفيز والدعم والتدريب والتأهيل وتوفير الجو الملائم والمناسب للعطاء والإبداع، ونحن نلوك مثل هذه «الخرافات» المضحكة. { طيِّب فلنقل إننا صدقنا معتمد كرري بأن مسرحهم يسكنه شيطان يرفض رفع الستار، وتزعجه الدقات الثلاث ما قبل عرض المسرحية، فيا سيدي معتمد بحري أي شيطان ذاك الذي يسكن مسرح خضر بشير بشمبات؟ ويا سيدي وزير الثقافة أي شيطان ذاك الذي يسكن المسرح القومي بأم درمان؟ وهو المسرح العتيق، فيجعله على هذه الصورة البائسة المتخلفة عن ركب المسارح العربية، لأنه إن ظلت التبريرات معلقة في رقبة الشيطان أقترح أن تمنح إدارة المسارح السودانية بكاملها للشيخ أبكرونا، لأنه سيكون القادر على إنشائها بشوية لبان بخور وحبة كمون!! { كلمة عزيزة أستطيع أن أقول وبمنتهى الصدق وبخبرتي المتواضعة في الحياة إن الشخص مهما ارتفع أو اكتفى بماله أو ولده أو حتى صحته، لا يستطيع أن يستغني أو حتى يشعر مجرد شعور باستغنائه عن أشقائه أو عائلته المقربة.. أقول هذا الحديث وأشعر أن الحياة بمشاكلها والتزاماتها قد فككت جداً من روابط وأواصر العلاقات الإنسانية، وربما أن الناس ما عادوا حتى يلتقون إلا في المناسبات والأعياد، وربما أن هذا البعد قد يدخل في النفس شيئاً من مرارة أو بوادر تجافي، لكن المواقف الحقيقية التي تجعلك عندما تضيق بكل الدنيا وتتلفت فلا تجد إلا أن تقع في حضن أخيك، وتجده عندها راضياً ومستعداً لاحتوائك.. تتأكد أنها وحدها هي العلاقة التي كتبت بأحرف الدم ومزجت بالحمض النووي الذي يجمع بينكما. ونصيحتي لكل من ظن أنه ممكن يعيش براه، إنه «الليك ليك لو لبن عشر سوي في عينيك» { كلمة أعز أعتقد أنه بعد أن دخل الشاعر الحلنقي دائرة منع البلابل من ترديد أغنياته كما فعل بشير عباس بألحانه، أعتقد أنه آن الآوان للبلابل أن يتكلمن!!