وقف على أطلاله: نادر بله * تصوير متوكل البجاوي ونحن نهم بالدخول «إلى انقاض» مسرح كرري التابع لمحلية كرري بولاية الخرطوم شاهدنا أطنان من الأوساخ والنفايات والقاذورات، اجتمعت داخل باحة المسرح وكأنها انقاض معركة كرري؛ فالمسرح يقف على أعمدة خرصانية بدأت تتهالك وسقف متصدع تحيط به الثقوب ويبدو بأن سقوط السقف سيكون العرض المسرحي القادم على خشبة المسرح الذي تقف لا حول ولا قوة لها. أما المدرجات الخالية في انتظار كاتب سيناريو مقتدر ليطلق عليها رصاصة الرحمة. «مشهد أول» في العام 2003 وضع السيد هاشم هارون إبان توليه وزارة الثقافة بولاية الخرطوم حجر الأساس للمسرح على أن يتم الشروع في العمل في نفس العام. ولكن بحلول خواتيم العام 2004 توقف العمل بشكل نهائي وعزت الوزارة سبب التوقف إلى عدم وجود تمويل كافٍ وأشارت الوزارة أيضاً إلى أن المسرح صُمم بمواصفات عالمية ويحتاج إلى أموال طائلة حتى يتم انشائه واكتمال العمل فيه. ومن العام 2004 إلى يومنا هذا تعاقب عدد من الوزراء على وزارة الثقافة دون أن يرجف لهم جفن تجاه مسرح كرري فأصبح نسياً منسياً في خارطة سياسات الوزراء. «مشهد ثانٍ» في العام المنصرم 2010 التقى معتمد محلية كرري السابق الدكتور كمال الدين محمد عبدالله باعتباره الجهة المنوط بها تنفيذ المشروع التقى بمجموعة من مبدعي المحلية للتشاور حول مشروع مسرح كرري. ولقد برر سيادة المعتمد سبب التأخير لوجود «شيطان» داخل المسرح ونقلت الصحف حديثه حيث يقول الخبر الذي نشرته صحيفة فنون: «عزا الدكتور كمال الدين محمد عبدالله معتمد محلية كرري عدم اكتمال مسرح المحلية بسبب تشييده على أنقاض أماكن رمي الأوساخ أو ما تعرف شعبياً بالكوشة التي قال إن الشيطان يسكن فيها، ما وقف عائقاً أمام الانتهاء من إكمال بقية مباني المسرح، وأوضح الدكتور كمال لدى لقائه بمبدعي المحلية إن اختيار المكان جعل الشيطان يسكن المسرح وبالتالي أدى لعدم اكتمال المراحل النهائية لمسرح كرري إلا أنه استدرك في ذات الوقت مبيناً أنهم محصنون بآيات كتاب الله سبحانه وتعالى وقال إن هذا الشيطان لن يقف حائلاً بينهم والفراغ من وضع اللمسات النهائية رغم الاشكاليات التي تعتري عملية تنفيذ مشروع مسرح كرري والتي قال إنها متعلقة بالشركات العاملة في هذا الإطار فقد سبق أن تم الاتفاق مع شركة سودانية تركية إلا أنها انشطرت إلى شركتين الأمر الذي جعلنا نبحث عن بدائل أخرى تتولى دفة المشروع والذي سوف نكمل تشييده بمشيئة الله سبحانه وتعالى قبل بداية العام الجديد». انتهى حديث السيد المعتمد وأيضاً بدأ العام الجديد أي 2011 حسب التعهد بإكمال المشروع ولم ينتهِ إكمال المسرح!! مشهد ثالث وصف بعض المسرحيين والمراقبين تبريرات السيد المعتمد بعدم المسؤولية والاستخفاف بعقول المبدعين، أما مواطنو المنطقة فقد دخل الهلع والرعب في نفوسهم من هذا الشيطان الذي يقطن على خشبة المسرح فطالب البعض باستخفاف يشبه تبرير المعتمد بأن يتم تعين «فكي» داخل المحلية أو تحويل المسرح إلى جامع أو إلى قاعات لتعليم أصول الدين!! مشهد رابع اكتفى وزير الثقافة بولاية الخرطوم الدكتور محمد عوض البارودي إلى الإشارة إلى ضعف الإمكانات وقال البارودي في حديث لقناة الشروق، تجري حالياً مشاورات مع شركات تركية وإيرانية لإكمال العمل فيه، قائلاً: سنصل قريباً إلى نتيجة وسيتم إكمال هذا الصرح بداية العام الجديد. ومما لا شك فيه أن الوزير استبعد حديث المعتمد حول وجود شيطان ورغم البشريات التي قدمها الوزير نجد أن المسرح ما زال قيد التشييد. مشهد خامس أما قبيلة المسرحيين فقد خيَّمت عليها حالة من الإحباط فقال المخرج والمسرحي أبوبكر الشيخ: إن توقف هذا العمل مخيب للآمال، مضيفاً كنا نأمل أن يشكِّل هذا المسرح إضافة كبيرة لحركة الفن في السودان، خاصة أنه تم تصميمه وفق مواصفات عالمية، ونأمل أن نستضيف فيه ممثلين أجانب للتعريف بالسودان وتاريخ منطقة كرري. وذكر الشيخ أنه يتحسّر عندما يمر بالقرب منه على الحالة التي وصل إليها المبنى، وهو يكاد يكون خالياً تماماً إلا من بعض شجيرات نمت بصورة عشوائية وطوب متناثر هنا وهناك. مشهد سابع كشفت زيارة ميدانية «لنجوع» مدى الإهمال الذي طال بقايا المسرح فتزامن دخولنا مع وجود أحد المارة الذي كان «يتبول» خلف حجر الأساس. وعند دخولنا وجدنا بقايا مخدرات وقارورات «عرقي» بجانب لفافات من «دلاقيين السلسيون» الذي يتعاطاه المتشردون.. فتحول المسرح من مكان للعرض والإبداع والثقافة إلى مكان يأوي إليه المتشردون والمجرمون ومروجو المخدرات فأصبح وكراً للجريمة بكل أنواعها. مشهد أخير هل من مجيب؟