{ خططت لها الولاياتالمتحدة بإصرار، صرحت بها إسرائيل، وأكدها سلفاكير .. موأمرة تفتيت السودان وفوز الكيان الصهيوني بالبوابة الجنوبية لاختراق العمق الأفريقي، ولغرس شوكة مسمومة في قلب الأمتين العربية والأفريقية . { إذن أصبحت كل الأدوار تلعب على المشكوف دون مواربة أو تستر، ولم تعد هناك أجندة سرية، فالأطماع الأمريكية والإسرائيلية وردت بوضوح في تصريحات المسؤولين بالدولتين من خلال إستراتيجية معدة للإقعاد بالسودان وشل قدراته الاقتصادية والبشرية وتوجهه الإسلامي، وهي ذات الرؤية التي ظلت تلازم السودان منذ الاستقلال، وتمركزت في تقويض الأوضاع الداخلية لإحداث ثغرات أمنية باستغلال الثغرات العرقية كجزء أساسي من التخطيط الإستراتيجي الإسرائيلي، وذلك لإضعاف العمق الإستراتيجي لمصر في حال حدوث مواجهة عسكرية بين الدولتين، وتمهيداً لهذه الإستراتيجية فقد سعت إسرائيل لاكتساب مواقع لها في إثيوبيا وأوغندا وكينيا وزائير للاتفاف حول السودان وعزل الجنوب ودارفور عن باقي أجزاء الوطن، ليسهل التسلل إلى بقية القارة الأفريقية. { الرؤية واضحة والأهداف محددة والأطماع غير مستترة.. الولاياتالمتحدة تسابق الزمن لإجراء الاستفتاء في موعده، والحكومة السودانية تتحدث عن استفتاء شفاف ونزيه، والواقع يقول إنه صوري وكل شيء تم الإعداد له بدقة قبل الذهاب لصناديق الاقتراع وبانت النتيجة مسبقاً، ومن هنا يبرز السؤال: كيف نريد لهذا الاستفتاء أن يكون نهاية المطاف لمشكلات السودان وأن يعقبة سلام دائم؟ { الواقع يقول إن قيام الاستفتاء في مثل هذه الظروف الضبابية وتحت جملة من الضغوط التي تتعرض لها الحكومة السودانية تجعل منه مقدمة لبراكين وعواصف تمزق هذا البلد في كل الجهات، خاصة أن بعض القنابل الموقوتة والقابلة للانفجار بقوة ما زالت موجودة.. التشابك والتداخل الجغرافي والديمغرافي الممتد عبر سنوات طويلة بين أهل السودان سيجعل عملية فصل الحدود من الأمور الصعاب، أضف إلى ذلك توزيع الثروة والمياه والترتيبات الأمنية ومنطقة أبيي وحقوق المواطنة والتملك والإقامة بين أبناء الشطرين المنفصلين، زائداً أوضاع الملايين من أبناء الجنوب يعيشون في الشمال، وبعضهم يتمتع بالامتلاك ويشغل وظائف في مختلف مرافق العمل بالشمال. هل الذين قرروا الانفصال فاتت عليهم كل هذه المخاطر؟ ثم ما هي مقومات الدولة الجديدة ومقدرتها على استيعاب مثل هذه المشكلات؟ { الخطر قادم فما الذي ننتظره؟ وكيف ننظر لاستفتاء نزيه وشفاف ونحن مغلوبون على أمرنا، بل بتنا كالمستسلمين بذات الطريقة التي تذكرنا ببعض الدول الأوربية التي استقبلت جيوش النازيين بالورود والأهازيج خشية الدمار والتقتيل الذي لا قبل لها به، والفرق بيننا وبينهم أننا نستسلم لهذا الواقع الذي سيمزق الأمة كل ممزق، ونعلم أن ما يحدث هو الدمار بعينه.. فالعقوبات الأمريكية ها هي تراوح مكانها، والعصا ما زالت مرفوعة على رأس الحكومة السودانية التي تدرك تماماً أن الغرض من هذه العقوبات إعاقة التقدم الاقتصادي والإقعاد بالتنمية، وهو أمر لا يخلو من عرقلة لقيام الاستفتاء ذاته وجعلة شفافاً. { تحدثت الولاياتالمتحدة عن مكاسب فورية وامتيازات للسودان إذا جرى الاستفتاء في هدوء، مما يؤكد أن العقوبات والحصار الاقتصادي كانا خطوة في مخطط إجبار الحكومة السودانية على القبول بالتقسيم والانفصال، إضافة إلى ذلك فالولاياتالمتحدة لازالت تسلط سيف المحكمة الجنائية على رقبة السيد رئيس الجمهورية مساندة لقرار اعتقاله وتسليمه لهذه المحكمة، والغرض من هذا التهديد هو ابتزاز الرئيس البشير وإرغامة على تقديم تنازلات من أجل فرض سيناريو التقسيم، مشيعة بذلك جواً من البلبلة والزخم دفع بحكومة الجنوب لمساندة بعض الفصائل الدارفورية المارقة لتعوق مفاوضات الدوحة واستمرار حالة عدم الاستقرار في إقليم دارفور تمهيداً لفصله هو الآخر. { الكل كان يأمل في سلام دائم بعد التاسع من يناير القادم، والكل كان يعتقد أن الحلول والسلام سيأتيان بعد هذا التاريخ، ولكن من يتابع الصراعات العرقية والطائفية في السودان والتدخلات الدولية والإقليمية والبعد العربي وعزوف الحكومات العربية عن القيام بأي دور إيجابي تجاه مشاكل السودان، ثم الأخطاء الفادحة التي ارتكبتها الحكومات المتعاقبة بحق القضايا المحلية الشائكة، كلها مقومات تؤكد أن انفصال الجنوب سيؤدي إلى انفضاض وحدة البلاد وتشظيها دويلات، بدليل ما يجري الآن من صراعات حول منطقة أبيي وجنوب كردفان والنيل الأزرق وتعثر سلام دارفور . { لماذا الصمت والاستسلام، فقد حان الوقت الذي تعلو فيه الأصوات ويتنادى أبناء الوطن للتماسك وتوحيد الصفوف ونبذ الفرقة لمواجهة المؤامرة الكبرى، تمزيق وحدة السودان، وهي مؤامرة قصد منها إخلال ميزان القوى وإضعاف القوى الوطنية والإسلامية، مما يتطلب مواجهتها بكل قوة وحزم، وما نريده من الحكومة السودانية في ظل هذه الضغوط والإملاءات أن ترفض رفضاً قاطعاً قيام استفتاء صوري، وألا تمسك بالسكين التي ستمزق وحدة البلاد، وأن تصر على موقف واضح وثابت، وأن تعمل على تعبئة الجبهة الداخلية وتنوير فئات الشعب المختلفة بما يحيط به من مخاطر في حالة قيام هذا الاستفتاء في مثل هذه الظروف، فنحن لا نريد لحكومة الإنقاذ ان تأتي نهاية السودان في عصرها، ولا نريد لها أن توقع على صك الاستسلام للامبريالية الصهيونية، ولا نريد لأنفسنا الهوان، ولابد من مقاومة تذكر، فالتاريخ الذي تحدث عن أمجاد المهدي وثبات عبدالله التعايشي وإصرار إسماعيل الازهري في قيام سودان موحد، هو نفس التاريخ الذي سيكتب أن السودان تمزق بيد أبنائه الذين محقوا العمر في جدال عقيم، اختلفوا ولم يتفقوا، وفتحوا أبواب السودان للأعداء على مصراعيها. { يا أبناء السودان، ويا شعب السودان، الخطر قادم، وسيجتاز الحدود السودانية، وعندها سيدرك الكثيرون أن القنابل التي انفجرت في العراق وأفغانستان أرحم من قنابل الانفصال، وهذا هو الغرض الأمريكي في جعل خيار التقسيم عنواناً لمشروعهم التوسعي وأمن إسرائيل . - خواطر بعيون مغترب - حيدر محمود عدلان - رأس الخيمة - الإمارات