ما بين الترقب والانتظار لمصير دولة السودان الواحدة بعد الاستفتاء، ثمّة مخاوف انتابت الأوساط السودانية خاصة السياسية والاقتصادية تمثلت في انخفاض إيرادات البلاد بعد خروج عائدات النفط في حالة حدوث الانفصال، إذ أن موازنة العام القادم «2011» جاءت وكما قال وزير المالية علي محمود ميزانية دولة واحدة تضمنت إيراداتها عائدات النفط. وأضاف «ما يحكمنا هو الدستور واتفاقية السلام ولا نملك القرار لعمل ميزانيتين للسودان» وأضاف «لن نفتح هذا الباب وسننظر بعد التاسع من يناير» وهنالك فترة انتقالية تمتد ل «6» أشهر للتنفيذ وإذا كانت هناك «حاجة» لإعادة النظر في الموازنة فسيتم إعادتها بمعنى إذا تغيرت الظروف سنغير نحن الموازنة وإذا حدث الانفصال فأشياء كثيرة سيتم إعادة ترتيبها. فإيرادات النفط التي تمثل أكثر من «70%» في الموازنة العامة ستخرج حال الانفصال لتبقى نسبة ال«30%» فقط من القطاعات الأخرى، والمخاوف جاءت من هنا فنسبة ال«30%» لا تفي باحتياجات البلاد. علي عثمان محمد طه نائب رئيس الجمهورية كان قد أكد بالقول «إننا سنسعى من أجل المحافظة على وحدة السودان حتى نصل للوحدة الطوعية لنهزم المكايد التي تتربص بالسودان ولن نستسلم ليس خوفاً على رزق ينقطع لأن الأرزاق بيد الله، ولكن حرصاً على وطن له في التاريخ قدم راسخ وسيف ممدود..» إذن.. فالمخاوف على خروج أكثر من «70%» من الإيرادات يمكن أن تتبدد، فالأرزاق بيد الله تعالى فقط تبقى العزيمة والإصرار من أجل زيادة الإنتاج في كافة القطاعات الإنتاجية والاهتمام بالصادرات غير النفطية وإخراجها من غرفة الإنعاش التي دخلتها كرهاً بعد أن أهملت و(دلل) في المقابل النفط.. فالسؤال الذي يفرض نفسه ما هي الترتيبات التي وُضعت من أجل النهوض بقطاع الصادرات غير النفطية لتساهم في زيادة الإيرادات؟؟ د. محمد عبد الرازق عبد العزيز وكيل وزارة الثروة الحيوانية أكد ل«الأهرام اليوم» وهو يجيب على هذا السؤال.. أكد أن اهتمام الدولة زاد في الآونة الأخيرة بقطاع الصادرات غير النفطية خاصة قطاع الثروة الحيوانية والسمكية، فهذا الاهتمام يتطلّب زيادة الإنتاج والإنتاجية لهذا القطاع والعمل على تحسين جودة ثروتنا الحيوانية ورفع قدرتها التنافسية في الأسواق الخارجية. وتأكيداً لاهتمام الدولة بصادر الهدى والأضاحي لهذا الموسم فقد تم تشكيل لجنة وزارية برئاسة وزير الثروة الحيوانية والسمكية وذلك حسب قرار القطاع الاقتصادي رقم «5» للعام «2010م» بتاريخ «12» جمادي الآخرة «1431ه» الموافق 25 مايو «2010». اللجنة ضمت وزير التجارة الخارجية ووزير الدولة بوزارة المالية والاقتصاد الوطني ووزير الدولة بوزارة النقل والطرق والجسور ونائب محافظ بنك السودان ومدير الوكالة الوطنية لتأمين وتمويل الصادرات ورئيس اتحاد مصدري الماشية واللحوم. ووفقاً لوكيل وزارة الثروة الحيوانية فإن هذه اللجنة قامت حسب التكليف بمتابعة ومعالجة كافة العقبات التي تعترض انسياب صادر الهدي والأضاحي للعام «1431ه» من حيث صحة الحيوان ومواصفات وتهيئة المحاجر البيطرية ونقل الصادر من مواقع الإنتاج إلى الميناء ومعالجة الرسوم المفروضة على الهدي في الأسواق بالمحليات والولايات. واستعداداً لهذا الموسم فقد قامت وزارة الثروة الحيوانية بتأهيل المحاجر البيطرية خاصة المحجر النهائي بسواكن وتوفير كافة احتياجات الموسم من لقاحات ومعدات وبطاقات إذن وملابس واقية للعمل الفني والوسائل الأخرى المساندة للصادر. وزارة الثروة الحيوانية حددت للعدد المستهدف لصادر هدي هذا الموسم «1431ه» مليون و«500» ألف رأس من الضأن الحي للمملكة العربية السعودية والدول العربية الأخرى، فالعدد المستهدف للمملكة العربية السعودية عبر البنك الإسلامي للتنمية «850» الف رأس يفترض استيرادها من عدة دول كالسودان وجيبوتي وإثيوبيا وإريتريا والصومال وأستراليا وأمريكا الجنوبية وقد تم تصدير «419.736» رأسا من السودان حتى «23» ذو القعدة أي بنسبة 49.4% من جملة المستهدف من كل الدول. وحسب د. عبد الرازق فإن المتوقع تصديره في نوفمبر الجاري «200» ألف رأس ضأن فقط للسعودية فيما تم تصدير «9» آلاف و«408» رؤوس لجمهورية مصر العربية خلال أكتوبر لموسم الأضاحي و«11» ألفا و«840» رأس ضأن تم تصديرها في أكتوبر للمملكة الأردنية الهاشمية. إذن نستطيع القول بأن صادر الثروة الحيوانية ارتفع خلال العام الجاري مقارنة بالعام «2009» فالعام «2009» شهد تصدير «2.083.051» طنا للأمارات والأردن وقطر وسلطنة عمان والكويت والعراق ومصر واليمن وتم تصدير «3.913.67» طن خلال العام الجاري لمصر والأمارات والأردن والكويت والعراق وقطر وسلطنة عمان. ونحن نتحدث عن ضرورة الارتقاء بقطاع الصادرات غير النفطية- والحديث ما زال لوكيل وزارة الثروة الحيوانية- فلا بد من قيام كيان مؤسس حكومي للإشراف وإدارة عمل تسويق وتصدير الماشية الحية واللحوم والترويج لها ابتداءً من مواقع الإنتاج الى موانئ التصدير كما هو الحال في بعض الدول مثل بريطانيا وأستراليا وإثيوبيا وقيام مشاريع استثمارية للتربية من اجل الصادر «مزارع» إنتاج وتسمين وزراعة أعلاف «Feed Lots» وتقليل تكلفة النقل بتأهيل خطوط السكة الحديد بين مناطق الإنتاج ومنافذ التصدير الأساسية كمينائي سواكن ووادي حلفا وتوفير بواخر وطنية للنقل البحري والنهري لصادر المواشي الحية وإدخال نظم حزم الأعلاف لتوفير العلف في محطات تجمع الحيوانات «الأسواق، المراكز، المحاجر، الموانئ» ودعم صغار المنتجين لأجل الانتاج بغرض الصادر وذلك بإصدار القوانين المنظمة والمحفزة وتوفير التمويل لهذا الغرض وإزالة كل الرسوم والجبايات المفروضة على حيوانات الصادر والتي يتم تحصيلها دون خدمة تقابلها ومعالجة سعر الصرف بما يشجع المصدرين وإعفائهم من القيمة المضافة ودعم الولايات لصادر الماشية. وفي المقابل كانت هنالك حركة دؤوبة في القطاع الزراعي والتركيز في التوسع في المساحات المزروعة خاصة المحاصيل الإستراتيجية حيث يتوقع أن يتم التوسع هذا الموسم في زراعة محصول القمح بأكثر من «600» ألف فدان. وأشار المتعافي هنا الى أن هذه المساحة تعادل «40%» من استهلاك السودان، فالمساحات المزروعة بالقمح كانت تعادل «16%» من الاستهلاك. وقال وزير المالية علي محمود إنه سيتم تشجيع الزراعة وزيادة الإنتاج المحلي وانتاج الصادر. ووفقاً لذلك فقد تم الغاء الرسوم على سلعة الصمغ العربي، والصمغ، وفقا لحديث وزير المالية، يتمتع بميزة نسبية لذا، وكما قال الوزير، فقد تم تحريره والغاء الرسوم المفروضة عليه.. كذلك يتوقع أن يتم التوسع في زراعة محصول القطن وهنالك إجماع كبير على التوسع في زراعته والتي قد تصل إلى «600» ألف فدان بكل السودان منها «300» ألف فدان بالجزيرة، وقد بلغت المساحات التي زرعت هذا الموسم بالجزيرة «38» ألف فدان كانت بتمويل كامل من شركة السودان للأقطان، فالمزارعون توقعوا انتاجاً كبيراً قد يصل إلى «15» قنطارا للفدان. نائب رئيس الجمهورية علي عثمان محمد طه أكد في زيارته الأخيرة لمشروع الجزيرة أن الذهب الأبيض «القطن» سيظل ابيضَ، فالتباشير الآن بالإنتاج الكبير تؤكد أن المنتجين سيتذوقون طعم انتاجهم من القطن. وأضاف «سنعمل مع إدارة المشروع واتحاد المزارعين على مضاعفة المساحات المزروعة المواسم القادمة بعد أن فتحت أسواق الصادر وسيتم تكثيف الجهود في مجال الصناعات الغذائية والغزل والنسيج التي تشكل قطناً وفولاً ومنتجات بستانية وغابية لتكتسب قيمتها المضافة، إننا ماضون في استكمال هذه المحاور ولا انهزام دونها مهما كلف ذلك وإن الدولة ستعمل على إنجاح كل ما التزمنا به معكم». إذن هنالك إجماع على مستوى القيادة الرئاسية بضرورة التوسع في محاصيل الصادر وعلى رأسها القطن، فمدير البنك الزراعي السوداني عوض عثمان محمد أحمد أكد أن القطن هو المحصول الرئيسي لصادرات السودان فكان يحتل المرتبة الأولى في قائمة الصادرات وبعد ذلك تقلصت مساحته وتدنى انتاجه، الأمر الذي أدى إلى عزوف المزارعين عن زراعته، فالأسعار العالمية المجزية ستؤدي إلى عودة القطن لمكانته الطبيعية، فلابد من التركيز على الصادرات غير النفطية، فالقطن يأتي على رأس القائمة. د. عبد اللطيف عجيمي وكيل وزارة الزراعة أكد أن وزارته بدأت في التوسع في محصول القطن حتى يستعيد السودان مكانته في سوق القطن العالمي. الأمين أحمد الفكي الأمين العام لاتحاد مزارعي الجزيرة والمناقل قال إن الجزيرة هي قلب السودان فلا بد من المحافظة عليها جميعاً. وأضاف «ليس لدينا أعز من أرضنا وزراعتنا، فالرجوع إلى الأرض فضيلة» ولا بد من الصدق مع الأرض حتى تنزل البركات من الله. ويبقى السؤال هل نستطيع أن نعيد أسواقنا العالمية التي فقدت في ظل إهمالنا لكثير من القطاعات الإنتاجية التي أجبرت على الدخول في العناية المكثفة؟؟.