شهدت قرية (الطويشة) بشمال دارفور في العام 1956م مولده، بمدارسها تلقى تعليمه حتى أمسك بالطباشير مؤدياً دوره في إزالة الغباش والأمية أستاذاً بالأساس، انتخب عضواً لمجلس تشريعي ولاية شمال دارفور ممثلاً لذات المنطقة، ثم تدرج إلى أن صار رئيساً للمجلس التشريعي بالولاية، تم اختياره بعدها مقرراً لآلية بسط هيبة الدولة، ثم والياً لشمال دارفور في 2003م، وتم التجديد له إلى أن تم انتخابه والياً في استحقاق أبريل المنصرم. يوصف بأنه مثير للجدل عندما يتعلق الأمر بشخصيته السياسية.. الأدوار التي ظل يقوم بها تفسِّر ملامح صعوده، كما كان لكاريزماه الخاصة عظيم الأثر في المدارك التي بلغها في الترقي التنظيمي. بمنزله العامر بمدينة (الفاشر) استضافنا السيد عثمان محمد يوسف كبر والي ولاية شمال دارفور، طرحنا عليه عدداً من الأسئلة المتعلقة بتشخيص قضية دارفور، استمرارها ل (7) سنوات، تأثير الحركات المسلحة، تقييمه لأداء السلطة الانتقالية والأموال التي صرفتها في المشاريع التنموية، نظرته لمفاوضات الدوحة وغياب (عبد الواحد) و(خليل) عنها، فضلاً عن نظرته لحقوق دارفور المشروعة، تطرقنا معه إلى الاستفتاء وتأثيره على دارفور، الاتهامات المقدمة للمعارضة التشادية، نظرته لحركة مناوي وعدم تنفيذها لبند الترتيبات الأمنية، مشروعات المانحين في دارفور... و.. و.. الرجل أجاب على جميع أسئلة (الأهرام اليوم) بكل طيبة نفس وأريحية وكانت حصيلة ردوده هذا الحوار: { الطموحات الشخصية التي تحدثت عنها.. كيف يمكن أن نلجمها في (الدوحة) حتى نتجنَّب ما حدث في (أبوجا)؟ - أعتقد أن الاتفاق الذي سيتم توقيعه بالدوحة يجب أن يكون اتفاقاً لأهل دارفور، ويكتسب أهميته من كونه يصب في حل قضيتهم، بخلاف ذلك فلن تكون له قيمة على الأرض، لأنه سيكون عبارة عن طموحات شخصية تمت تلبيتها للناس، والمؤكد بالطبع أن هناك آخرين خلافهم لديهم طموحاتهم هم أيضاًً! { ولكن ما يرشح من (الدوحة) ينبئ بأنكم تعيدون اكتشاف العجلة! تمضون في اتجاه ثنائي محصلته لن تبارح ما تتداوله ألسنة المراقبين، سلام ناقص ومعالجة جزئية بينكم و(التحرير والعدالة)!! - لا أحسب أن اتفاق الدوحة يسير بالشكل الجزئي الذي يمضي فيه حالياً، حسب ما أعلم؛ ستكون هناك مسودة يعدها الوسطاء، وهذه (الاتفاقية) أو المسودة كل إنسان يوافق عليها يأتي ويوقع في أي وقت. { بصفتك أحد القيادات الدارفورية المؤثرة، هل ستوافق على مطالب الحركات المسلحة المتمثلة في الإقليم الواحد والتنمية والعدالة والتعويضات؟ - أتفق معها الحركات في التنمية، وأتفق معها في العدالة، والتعويضات أتفق معها في عمومياتها لكن في تفاصيلها نظر، أتفق معها في التنمية وفي التعويضات الجماعية المتفق عليها، مع إعطاء مساحة للفردية إذا تطلب الأمر ذلك، أما الإقليم فلا أتفق معها فيه، وكذلك الواقع والحقيقة والمعطيات، كلها لا تتفق معها.. رابع المستحيلات أن تعود دارفور إقليماً واحداً! أي إنسان يفكر بهذا الشكل يخدع نفسه، الواقع على الأرض يهزم هذا الحديث، حتى إذا أبدينا رغبتنا، وكذا فعلت الحركات، فإن أهل دارفور يرفضون، لا تستطيع قوة في الدنيا أن تُتْبع نيالا والجنينة إلى الفاشر، ولا تستطيع قوة أن تتبع الفاشر والجنينة لنيالا، وليس بالإمكان أن تتبع نيالاوالفاشر إلى الجنينة! المحصلة ستكون فتنة أكبر من التي ذهبت كثيراً، وهناك ثلاثون سبباً آخر تعضد مسألة أن الوقت غير مناسب بأي حال من الأحوال ليكون هناك إقليم واحد في دارفور. { إذن، ماذا حدث بشأن الاستفتاء على مسألة الإقليم الواحد وفقاً لاستحقاق (أبوجا) الذي أزفت مواقيته؟ وما هو رأي حزبكم بشأنه؟ - الرأي بخطل فرضية الإقليم هو رأي القواعد، القاعدة في دارفور تقول هذا، وشعب دارفور يرفض الإقليم الواحد، بل إنهم يطالبون بزيادة الولايات، وأقروا ولايتين إضافيتين أخريين! هذا هو الاتجاه الذي يسير.. أما موضوع الاستفتاء فهو بند رئيسي جداً في (أبوجا)، بأن يُجرى الاستفتاء في دارفور على أن تكون إقليماً واحداً أو ولايات بعد عام من الانتخابات العامة، والفترة من أبريل الماضي وحتى أبريل القادم هي الفترة التي يجري فيها الاستفتاء، وحتى أبريل القادم يجب أن نكون قد أجرينا استفتاء إقليم دارفور، وهذا بنص الاتفاقية، وليست له علاقة بما يجري في الدوحة. { بين فرضيتيْ الوحدة والانفصال هناك اعتقاد بأن الاستفتاء على مصير الجنوب يؤثر بشكل مباشر على دارفور، وأنه في حالة الانفصال ستبدأ دورة حرب جديدة في دارفور، كيف تعلق على هذا الاعتقاد؟ - أنا أتفق مع أن نتيجة الاستفتاء في جنوب السودان تلقي بظلالها على الوضع في دارفور، ونحن لا ننكر ذلك، وإلا جافينا الحقيقة، بالتأكيد تقرير المصير له أثره على دارفور، ويمكن أن يكون إيجابياً ويمكن أن يكون أثراً سلبياً، دعاة التطرف والانفصاليون بإمكانهم رفع صوتهم في حال انفصل الجنوب ليطالبوا بانفصال دارفور، لكن الواقع المعاش والمعطيات الموجودة في الساحة تقول إن دارفور ليست كالجنوب بأي حال من الأحوال، ومؤكد أن هذا الصوت خافت جداً هنا، ولا يوجد إنسان ينادي بتقرير المصير في دارفور أصلاً. أمنياًً سيكون لانفصال الجنوب تبعاته في ظل الحدود الدارفورية الطويلة ويمكن للفصل أن يفرز جبهات جديدة للحركات، أما الأثر الإيجابي فيبقى معقوداً على آمال الوحدة التي بالتأكيد ستدفع دارفور في المضي باتجاه التسوية. { هناك اتهامات مقدمة للمعارضة التشادية بأنها قامت بارتكاب جرائم وخروقات في ولاية شمال دارفور، كيف ترد على هذه الاتهامات؟ - بخصوص المعارضة التشادية، الحديث الذي ذكرته كان يمكن أن يقال في السابق، منذ أبريل الماضي ومارس وفبراير، بل منذ أكتوبر 2009، المعارضة التشادية كانت موجودة في الركن الجنوبي الغربي، وانتقلت إلى الركن الشمالي الغربي، ودخلت شمال دارفور لأول مرة في نوفمبر من العام الماضي. نستطيع أن نجزم اليوم بأن شمال دارفور خالية من المعارضة التشادية عملياً على الأرض، المعارضة كلها رجعت، وتمت معالجة طيبة بالنسبة لهم، وتم تسلم السلاح والآليات منهم، وتسوية الأمر. { أفراد المعارضة التشادية الذين غادروا، هل غادروا بسلاحهم أم تم تجريدهم منه؟ - غادروا من غير سلاح، وحتى العربات نفسها تم تسلمها منهم، وهذا تم باتفاق ما بين المعارضة التشادية والحكومة في إنجمينا برعاية ولاية شمال دارفور والحكومة الاتحادية. { ماذا حدث بشأن عودة اللاجئين والنازحين إلى قراهم؟ وهل هناك نجاح لبرامج العودة الطوعية التي تبنتها حكومة ولايتكم؟ - هناك عدد من النازحين واللاجئين رجعوا، ولدينا برنامج طموح جداً أعددناه وطرحناه للدكتور غازي، ووجد استجابة كبيرة، وفي إطار الإستراتيجية الخاصة بدارفور والمبالغ المخصصة؛ خصصنا لهم جزءاً من هذه المبالغ بالإضافة إلى الدعم الدولي، السعودية لديها (7) قرى للعودة الطوعية، ونحن دمجنا المدن الثلاث الرئيسية في البرنامج السعودي باعتبارها مدناً رئيسية (أمبرو والطينة وكرنوي)، وبالإضافة إلى برنامج ملحق لنفس القرى النموذجية، وجهدنا متصل. نتوقع خلال فترة قصيرة عودة (أمبرو) و(الطينة) و(كرنوي) إلى وضعيتها الطبيعية.. العدد الذي جاء من الناس كبير، وهم موجودون في القرى والوديان، وزرعوا مساحات معقولة جداً في هذا العام، والحياة تعود تدريجياً إلى تلك المناطق، والحركة التجارية الآن أيضاً انسابت، وبالنسبة للنازحين فقد رجع منهم عدد كبير، والمعسكرات طبعاً واضح أن الأعداد التي كانت مزعومة من المنظمات التي كانت تقدم للناس حدث فيها كثير من التراجع، والشاهد أن المنظمات هي الآن حريصة جداً على إعادة الحصر بالنسبة للنازحين، وتمت إعادة الحصر فعلاً بعد شد وجذب، وبرنامج الغذاء العالمي والأمم المتحدة نفسها أشرفت على برنامج إعادة الحصر في المعسكرات بحجة أنهم أنفسهم شككوا في العدد الموجود، وكانوا ينكرون في فترة من الفترات وجود العودة الطوعية، وعندما أصبحت العودة حقيقية؛ عادوا وقالوا إن الأعداد هذه فيها شك كبير، وأن النازحين عادوا، ورجعوا وأعادوا العد في المعسكرات. وفي تقييمنا أنه أكثر من 50% من العدد الذي كانت تزعمه المنظمات، عاد إلى القرى أو اندمج في المجتمع المحلي، حيث كانت تقول المنظمات إن هناك مليوني نازح ونحن نقول لا يوجد مليونا نازح، وحتى الأعداد التي كانت تخرجها المنظمات الأجنبية شهرياً للناس؛ رجعت وخفضتها إلى 50% ثم خفضت ال 50% نفسها إلى 25%، وبعد هذا قالوا «لازم نعيد الحصر من جديد للتأكد من العدد»، والشاهد أنهم الآن أصبحوا يقدمون إغاثة للناس في القرى، الناس الذين عادوا، وليس في المعسكرات، والمنظمات كانت تريد أن يبقى النازحون في المعسكرات لأطول فترة ممكنة، لكن وجهتنا الصحيحة هي أن نبدأ في التنمية الإنتاجية. { الإستراتيجية الجديدة لنشر قوات الشرطة بولايات دارفور.. هل من إضاءة؟ - بحسب إستراتيجية دارفور الجديدة نفسها، والقائمة على بسط الهيبة وسيادة حكم القانون ونشر الأجهزة الشرطية في كل أنحاء الولاية؛ تم الترتيب لذلك مع وزارة الداخلية، وأعلن الحديث هذا الأخ الوزير في زيارته الأخيرة لنا، وأكد أنه ستتم إعادة توزيع الشرطة من جديد بشكل أفضل من الماضي، في مجمعات أكبر، وبأعداد أكبر، وبتسليح أفضل، وإمكانيات أفضل، حتى تتمكن الشرطة من أن تحمي نفسها ومن ثم تبسط القانون بين الناس. تقريباً هذا هو قوام إستراتيجية الشرطة الجديدة في دارفور.