السودان الافتراضي ... كلنا بيادق .. وعبد الوهاب وردي    إبراهيم شقلاوي يكتب: يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح    د.ابراهيم الصديق على يكتب:اللقاء: انتقالات جديدة..    لجنة المسابقات بارقو توقف 5 لاعبين من التضامن وتحسم مباراة الدوم والأمل    المريخ (B) يواجه الإخلاص في أولي مبارياته بالدوري المحلي بمدينة بربر    الهلال لم يحقق فوزًا على الأندية الجزائرية على أرضه منذ عام 1982….    شاهد بالفيديو.. لدى لقاء جمعهما بالجنود.. "مناوي" يلقب ياسر العطا بزعيم "البلابسة" والأخير يرد على اللقب بهتاف: (بل بس)    شاهد بالصورة والفيديو.. ضابطة الدعم السريع "شيراز" تعبر عن إنبهارها بمقابلة المذيعة تسابيح خاطر بالفاشر وتخاطبها (منورة بلدنا) والأخيرة ترد عليها: (بلدنا نحنا ذاتنا معاكم)    لماذا نزحوا إلى شمال السودان    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    شاهد بالصور.. المذيعة المغضوب عليها داخل مواقع التواصل السودانية "تسابيح خاطر" تصل الفاشر    جمهور مواقع التواصل بالسودان يسخر من المذيعة تسابيح خاطر بعد زيارتها للفاشر ويلقبها بأنجلينا جولي المليشيا.. تعرف على أشهر التعليقات الساخرة    أردوغان: لا يمكننا الاكتفاء بمتابعة ما يجري في السودان    مناوي .. سلام على الفاشر وأهلها وعلى شهدائها الذين كتبوا بالدم معنى البطولة    وزير الطاقة يتفقد المستودعات الاستراتيجية الجديدة بشركة النيل للبترول    المالية توقع عقد خدمة إيصالي مع مصرف التنمية الصناعية    أردوغان يفجرّها داوية بشأن السودان    اللواء الركن"م" أسامة محمد أحمد عبد السلام يكتب: الإنسانية كلمة يخلو منها قاموس المليشيا    وزير سوداني يكشف عن مؤشر خطير    شاهد بالصورة والفيديو.. "البرهان" يظهر متأثراً ويحبس دموعه لحظة مواساته سيدة بأحد معسكرات النازحين بالشمالية والجمهور: (لقطة تجسّد هيبة القائد وحنوّ الأب، وصلابة الجندي ودمعة الوطن التي تأبى السقوط)    بالصورة.. رجل الأعمال المصري نجيب ساويرس: (قلبي مكسور على أهل السودان والعند هو السبب وأتمنى السلام والإستقرار لأنه بلد قريب إلى قلبي)    إحباط محاولة تهريب عدد 200 قطعة سلاح في مدينة عطبرة    السعودية : ضبط أكثر من 21 ألف مخالف خلال أسبوع.. و26 متهماً في جرائم التستر والإيواء    الترتيب الجديد لأفضل 10 هدافين للدوري السعودي    «حافظ القرآن كله وعايشين ببركته».. كيف تحدث محمد رمضان عن والده قبل رحيله؟    محمد رمضان يودع والده لمثواه الأخير وسط أجواء من الحزن والانكسار    وفي بدايات توافد المتظاهرين، هتف ثلاثة قحاتة ضد المظاهرة وتبنوا خطابات "لا للحرب"    أول جائزة سلام من الفيفا.. من المرشح الأوفر حظا؟    مركزي السودان يصدر ورقة نقدية جديدة    برشلونة ينجو من فخ كلوب بروج.. والسيتي يقسو على دورتموند    "واتساب" يطلق تطبيقه المنتظر لساعات "أبل"    بنك السودان .. فك حظر تصدير الذهب    بقرار من رئيس الوزراء: السودان يؤسس ثلاث هيئات وطنية للتحول الرقمي والأمن السيبراني وحوكمة البيانات    ما الحكم الشرعى فى زوجة قالت لزوجها: "من اليوم أنا حرام عليك"؟    غبَاء (الذكاء الاصطناعي)    مخبأة في باطن الأرض..حادثة غريبة في الخرطوم    رونالدو يفاجئ جمهوره: سأعتزل كرة القدم "قريبا"    صفعة البرهان    حرب الأكاذيب في الفاشر: حين فضح التحقيق أكاذيب الكيزان    دائرة مرور ولاية الخرطوم تدشن برنامج الدفع الإلكتروني للمعاملات المرورية بمركز ترخيص شهداء معركة الكرامة    عقد ملياري لرصف طرق داخلية بولاية سودانية    السودان.. افتتاح غرفة النجدة بشرطة ولاية الخرطوم    5 مليارات دولار.. فساد في صادر الذهب    حسين خوجلي: (إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار فأنظر لعبد الرحيم دقلو)    حسين خوجلي يكتب: عبد الرجيم دقلو.. إن أردت أن تنظر لرجل من أهل النار!!    الحُزن الذي يَشبه (أعِد) في الإملاء    السجن 15 عام لمستنفر مع التمرد بالكلاكلة    عملية دقيقة تقود السلطات في السودان للقبض على متّهمة خطيرة    وزير الصحة يوجه بتفعيل غرفة طوارئ دارفور بصورة عاجلة    الجنيه السوداني يتعثر مع تضرر صادرات الذهب بفعل حظر طيران الإمارات    تركيا.. اكتشاف خبز عمره 1300 عام منقوش عليه صورة يسوع وهو يزرع الحبوب    (مبروك النجاح لرونق كريمة الاعلامي الراحل دأود)    المباحث الجنائية المركزية بولاية نهر النيل تنهي مغامرات شبكة إجرامية متخصصة في تزوير الأختام والمستندات الرسمية    حسين خوجلي يكتب: التنقيب عن المدهشات في أزمنة الرتابة    دراسة تربط مياه العبوات البلاستيكية بزيادة خطر السرطان    والي البحر الأحمر ووزير الصحة يتفقدان مستشفى إيلا لعلاج أمراض القلب والقسطرة    شكوك حول استخدام مواد كيميائية في هجوم بمسيّرات على مناطق مدنية بالفاشر    السجائر الإلكترونية قد تزيد خطر الإصابة بالسكري    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الإسلاميون والشيوعيون، وأمريكا .. (الأمريكان ما بُلدا، يا شيخ حسن!!)
نشر في الأهرام اليوم يوم 01 - 12 - 2010

في حوار أجريته مع د. عبدالله علي إبراهيم، ونُشر بجريدة (الصحافة 16، 19 ديسمبر 2000) .. وفي مداخلة لنا تعقيباً على حديث للدكتور عن دور الحزب الشيوعي في نشر الوعي وسط الجماهير، قلت له: على الرغم مما ذكرته عن دور الحزب الشيوعي في نشر الوعي، فالغلبة كانت للقوى المتنفذة وانتهى الصراع بحل الحزب الشيوعي ذاته وتدميره لاحقاً.
قال: الحزب الشيوعي لم يدمره الحل ولكن دمرته المؤامرة، فالثأر واليأس دفعا بالبعض إلى ارتكاب الحماقات واحدة تلو الأخرى، وكان الحل في الصراع السياسي مشروعاً ولكن الانقلاب غير مشروع، وحل الحزب الشيوعي كان متوقعاً والحزب (ما انضرب) من الخارج وإنما من الداخل، فحركة حله كانت سطحية على عكس ما هو متصور، وكان حل الحزب ثورة برلمان على نفسه ولم يكن ثورة شعب على الحزب الشيوعي بل نحن كنا قد حركنا وقدنا مظاهرات ضد القوى المطالبة بحل الحزب، وكانت القوى التي نحركها أقوى من القوى الأخرى.
لا شك في أن الحماقات التي قام بها البعض من الحزب الشيوعي، في توصيف د. عبدالله علي إبراهيم، وأن الحزب قد (انضرب من الداخل)، هي حقيقة يعكسها (الجدل الموثّق) الذي كان دائراً في داخله قبل انقلاب مايو، عن دور البرجوازية الصغيرة من الضباط، السلبي، في إنجاز التغيير الثوري وضرورة العمل وسط الجماهير، وفق رؤية عبدالخالق محجوب.
ولكن أيضاً كانت هنالك عوامل خارجية ساهمت في ضرب الحزب الشيوعي، إذ كان انقلاب مايو ومساندة الحزب الشيوعي له ومشاركته في حكومته (مشاركة مشروطة)، بمثابة جرس إنذار للدوائر الاستعمارية الغربية، فوقتها كان المد الاشتراكي على أشده وانتصار حركة تغيير اشتراكي في السودان كان يعني انتقال العدوى إلى كلٍ من أفريقيا والوطن العربي من خلال (البوابة) الواصلة بينهما، أي السودان.
بمرجعية فؤاد مطر في كتابه (الحزب الشيوعي السوداني، نحروه أم انتحر؟) – وبمرجعية تيم نبلوك في كتابه (صراع السلطة والثروة في السودان)، فبعد انقلاب مايو تدفقت أسلحة إسرائيل على الجنوب، بتوافق مع أمريكا، وفيما بعد ساهمت بريطانيا، حليفة أمريكا، في إجهاض انقلاب 19 يوليو الشيوعي، وبعد فشل الانقلاب انفتح (النميري الاشتراكي) على (أمريكا الرأسمالية، والمؤسسات المالية الدولية صار رهن إشارتها، وفي خدمة سياستها الخارجية) وتم الانفتاح على أمريكا والمعسكر الغربي بمشورة البيروقراط والتكنوقراط الذين أوعزوا للنميري بإبعاد الوزراء الشيوعيين، كمعوق للتواصل مع المعسكر الغربي، فأبعد النميري فاروق أبو عيسى ومعاوية إبراهيم.
وفي المقابل، فهو ذات تخوف الغرب الإمبريالي من العقديين، الذي ذكره د. الترابي في الحوار الذي أجريته معه – حوار جَدَل النقائض – ونُشر بصحيفة الرأي الآخر، تستثيره في أمريكا والغرب، هنا، الحركة الإسلامية، باعتبار أن الحركة الإسلامية أيضاً كانت ناقلة لجرثومة التغيير، والمقاربة بين دور الحزب الشيوعي في الستينيات إلى انقلاب (مايو، يوليو)، ودور الحركة الإسلامية في الثمانينيات إلى انقلاب الثلاثين من يونيو وقرارات الرابع من رمضان، وموقف أمريكا والغرب من الحزبين الشيوعي والإسلامي، هي (مجهر النظر الأبعد) لما يجرى الآن من مساعٍ أمريكية غربية لتفكيك السودان وإعادة تركيبه من جديد وفق عامل العرق والدين وعلى ضوء مصطلحات جديدة و (موضة) .. منها (فوضى كونداليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية السابقة، وفدية باقان أموم، صاحب المرقوعة في حلقات الذكر، بشأن أبيي).
وما نقصده بالعامل الأبعد في النظر هو أن الأكثر استهدافاً في المخطط الأمريكي الغربي، هي الأحزاب السودانية العقدية ذات الفكر المُهدِد بالانتقال، بالعدوى، إلى دول الإقليم، بما يهدد المصالح الغربية فيها، ومن ثم فإن إعادة تشكيل السودان على أساس عرقي يعوِق من نشاطها وعودتها للحياة بعد تجربتي مايو 69 ويونيو 1989، اللتين هددتا مصالح الغرب، فما يوصف بالديمقراطية التوافقية التي طبقتها أمريكا على العراق، هو ذات ما تخططه للسودان، وهي ليست بديمقراطية حقيقية، ولكنه وضع يستمر فيه العرق والدين بالعمل في إطار دستوري وفق المصالح الأمريكية.
عن الحركة الإسلامية وعن (العدوى بالفكر) قال د. الترابي في حوارنا معه – المذكور من قبل (المؤتمر الوطني كيان واسع والرؤية لا تشمل حدود السودان ولأن العالم لا ينتهي عند القطرية والعالم قد ينتهي إلى حكومة عالمية وأعوّل كثيراً على الأمم المتحدة، وأنت لا تتدخل في شؤون الدول ولكن الأفكار لا تحدها الحدود والتدخل بالقوة محظور ولكن الأفكار من طبعها الانتشار وأنت تنشر أفكاراً عبر الراديو و التلفزيون وكل العالم يفعل ذلك، وكنت أقدِّر امتداداً واسعاً للحركة الإسلامية يتجاوز حدود السودان).
هذا عن الفكرة وانتشارها بالعدوى عند دكتور الترابي، وهو أمر يُكيِّف كلاً من الحزب الشيوعي السوداني، والحركة الإسلامية في السودان، فخطر التمكن الاشتراكي والإسلامي في السودان، هدد مصالح الغرب باحتمال انتقال عدواه إلى دول الجوار. وأيضاً قال د. الترابي في الحوار عن إيمانه بالتأثير الحركي للحركة الإسلامية إقليمياً وعالمياً (الحركة الإسلامية ابتدأت ودأبها التمدد إقليمياً ثم قارياً حتى تسع العالم، وهذا هو إيماني بالتوحيد، درجات درجات).
درجات درجات (وخطوة خطوة يا شيخ حسن، وجبتو لينا الأمريكان في بطن البيت، شعبي ووطني .. لا نستثني منكم أحدا) .. صحيح أنك أردت الحوار مع أمريكا (بفهم)، لثقل وجودكم وتأثيركم (الشخصي)، على الحركات الإسلامية خارج السودان ولكن (الأمريكان ما بُلدا) فأصبحت أنت خارج (السلطة) المقصودة من جانبكم كقوة (نواة) تتمدد على مستوى العالم، بحسب قولكم في الحوار المذكور (أن تسع الحركة الإسلامية العالم).
أرادها د. الترابي (أممية) لم يحتمل الجناح الآخر تكلفتها، فأبعد الترابي، وعليه مثل الحزب الشيوعي كان للعامل الخارجي أثره المدمر على الحركة الإسلامية، بالانقسام.
إذن (أممية) د. الترابي استثارت رغبة أمريكا والغرب في تفكيك السودان وإعادة تركيبه لمحاصرة الحركة الإسلامية، وأيضاً فإن الذاكرة الإمبريالية الغربية لم تسقط تجربتها مع الحزب الشيوعي في السودان .. ومن ثم أصبح السودان وقواه العقدية هدفاً لتفكيك (البوابة الناقلة للعدوى وإعادة تركيبها من جديد).
مارست أمريكا وحلفاؤها الغربيون (خاصة بعد عودة توثيق الروابط بينهم بعد تجربة أمريكا المنفردة في العراق .. فجاءوا السودان كعصبة استهدفت دارفور في مخطط التفكيك والتركيب)، مارست أمريكا وحلفاؤها الضغط على حكومة الإنقاذ انتهاءً عند محطة انقسام الإسلاميين، وانتهاءً عند محطة نيفاشا لينطلق من رصيفها قطار تفكيك السودان وإعادة تركيبه وفق التصنيف العرقي مثلما فعلت أمريكا في العراق (ذات التوجه العقدي المعدي، مثل السودان) ممهدة لذلك بالحصار الاقتصادي بغرض إثارة سخط مكونات الشعب العراقي على النظام واحتمائها أكثر وأكثر بطوائفها وأعراقها تمهيداً لتكريس الوضع العرقي والطائفي في دستور ما بعد الاحتلال.
فتوصيف د. رشيد عمارة الزيدي، رئيس قسم الدراسات السياسية بجامعة النهرين، بغداد .. في دراسة حملت عنوان – أزمة الهوية الوطنية العراقية في ظل الاحتلال – المجلة العربية للعلوم السياسية عدد ربيع 2007. يكاد ينطبق (تفصيلاً) على السودان .. الموعود بالتدخل الدولي في حال تجدد الحرب بين شماله وجنوبه، يقول الزيدي (تجدر الإشارة إلى أن الولايات المتحدة والعالم الغربي قد مهدا لتفكيك رموز الهوية العراقية قبل احتلال العراق ولاسيما في حقبة التسعينيات عندما فرضت الأمم المتحدة حصاراً اقتصادياً على العراق ليس له نظير في التجارب العالمية وضرب هذا الحصار في عمق النفس العراقية، و سخّر العالم الغربي ماكينته الإعلامية للتعميق من أزمة العراق وتفكيك رموزه، عندما ركزت على قضيتي «اضطهاد الأكراد» «ومظلومية الشيعة» بغية دق إسفين بين المكونات الاجتماعية العراقية على حساب الوحدة الوطنية).
في المقابل حاصر العالم الغربي السودان اقتصادياً (فزاد الطين بلة) في المركز والهوامش، وذلك بدوره ساعد في شدة دوران ماكينة الإعلام الغربي للتحدث عن مظالم النوبيين والفور والنوبة والبجا (فدق الغرب بذلك إسفينا بين المكونات الاجتماعية في السودان، على حساب الوحدة الوطنية) كما قال الزيدي عن حالة العراق.
عملت أمريكا وحليفها قرنق على تأجيج نيران دارفور تزامناً مع نيفاشا لتضاف دارفور إلى المناطق الثلاث المخصوصة بالمشورة الشعبية: النيل الأزرق وجنوب كردفان وأبيي، كمرحلة ثانية بعد انفصال الجنوب وفوزه بمكاسب على حساب الشمال، ضمنها تبعية منطقة أبيي للجنوب، تمهيداً لاستفتاء تقرير مصير الجنوب بالانفصال كخطوة أولى في مخطط تفكيك السودان، وهذا يقودنا مباشرة إلى الحاضر الراهن (وأخباره المتجددة): أبيي والقضايا العالقة بين المؤتمر الوطني والحركة الشعبية وعلاقة ذلك بمخطط التفكيك.
جاء في صحيفة أخبار اليوم 28/11 عن الاجتماع الرئاسي بشأن أبيي أن الاجتماع قد انعقد بناءً على اقتراح طُرح في قمة الإيقاد الأخيرة بأن يقدم ثامبو أمبيكي، رئيس لجنة حكماء أفريقيا، مقترحاً للشريكين لتجاوز الخلاف حول قضية أبيي وهو مقترح إضافي للمقترحات السابقة التي تم نقاشها في مفاوضات أديس أبابا الأخيرة، وقال أمبيكي (تقدمنا بمقترحات مكتوبة للطرفين من أجل الوصول لاتفاق حول المشكلة، وبما أن الطرفين كما هو واضح قد تلقيا هذه المقترحات للمرة الأولى، فمن الطبيعي أن يكونا في حاجة إلى مزيد من الوقت لدراستها والنظر فيها، ومن ثم فقد تم الاتفاق على أن يقوم الطرفان بمناقشة تلك المقترحات بصورة تفصيلية، وبناءً عليه فسوف يُعقد اجتماع آخر خلال أسبوع وذلك لتلقي ردود الطرفين حول هذه المقترحات)، وقال أيضاً إن تفاصيل هذه المقترحات ستكون متاحة في الأسبوع القادم، رافضاً الإفصاح عنها).
رفض أمبيكي الإفصاح عن المقترحات فهل لمّح بها باقان أموم .. جاء في جريدة الصحافة 25/11 (أكد باقان أموم، الأمين العام للحركة الشعبية، استعداد الحركة لتقديم تنازلات من جانبها للوصول لصيغة اتفاق ينهي الجدل حول استفتاء منطقة أبيي، موضحاً إبلاغهم المؤتمر الوطني أثناء قمة إيقاد برغبتهم في إيجاد صيغة تكون بمثابة حل يتجاوز معضلة المنطقة، لافتاً النظر إلى أن الحل بالنسبة للحركة الشعبية موجود وواضح، ومع ذلك سيستمعون لمقترحات المؤتمر الوطني للحل ومن ثم يقررون ما الذي يمكن أن يُقدم من تنازلات من طرفهم).
الحل الموجود والواضح عند باقان والحركة الشعبية، هو الحل الأمريكي المنحاز للحركة، ويشرح ذلك قول باقان (إن الحركة الشعبية تنتظر وترحب بقرار رئاسي بشأن منطقة أبيي إذا ما جاء وفق الرؤية الأمريكية الداعمة لتبعية أبيي للجنوب مقابل بقاء القبائل الأخرى فيها وتمتعهم بحق المواطنة الكاملة).
ما هي العلاقة بين مقترحات أمبيكي، والمقترح الأمريكي للحل الذي قال به باقان؟ هل ستكون هنالك مقاربة (بمقايسة وضع سكان أبيي من المسيرية و دينكا نقوك، مقايسة تتسم بمعقولية تحفظ حقوق القبيلتين؟ .. فالحرب قد تتجدد بسبب موقفهما الحقوقي القبلي)، والمنطق يقول بأن الحكومة لن تقبل بتبعية أبيي للجنوب، فوجود المسيرية كمواطنين في الجنوب بتبعية أبيي له، تجعلهم رهائن بمنطق سلفاكير وباقان عن أبيي تابعة للشمال، معكوساً، و هو وضع لن يقبل به المسيرية.
ما هي حقيقة قول باقان (إن الحركة الشعبية لمست من الوسطاء قبول المؤتمر الوطني بهذه الفدية – على حد قوله – على أن يُرفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب ورفع الحصار الاقتصادي المفروض عليه علاوة على تجميد قرار المحكمة الجنائية الدولية بشأن السودان).
في المقابل وفي ذات الخبر المنشور بجريدة الصحافة، نفى حزب المؤتمر الوطني على لسان الدرديري محمد أحمد، وجود أي صيغة بشأن ابيي مع الحركة الشعبية ووصف حديث باقان (بالتهريج)، وفق شبكة الشروق، وأكد الدرديري أن الحكومة سبق وأن رفضت الحوافز الأمريكية التي تحدث عنها باقان، فما هو وجه الحقيقة في كل هذه الأقوال؟
أيضاً جاء في صحيفة أجراس الحرية بعدد الأمس 30/11 (بأن مصادر سودانية مطلعة كشفت للصحيفة أن ثامبو أمبيكي عرض على الشريكين، في اجتماع المجلس الرئاسي السبت الماضي، ضم أبيي لجنوب السودان بقرار رئاسي مقابل إعطاء قبيلة المسيرية ثلث أبيي).
حديث أمبيكي السابق يقارب تلميح باقان، سالف الذكر .. فهل يكون الخبر الذي أوردته أجراس الحرية صحيحاً؟ وفي حال تأكد صحته هل يرضى به المسيرية؟ ولو ربط المؤتمر الوطني بين تسوية مشكلة أبيي ورضا المسيرية، فلأنه يدرك حساسيتهم تجاه الأرض.
وتبقى حقيقة أن الانخداع بما تعرضه أمريكا من رفع للعقوبات الاقتصادية عن السودان، وربط مقترحات أوباما المقدمة للخرطوم بين رفع العقوبات واستفتاء وسلامة انفصال الجنوب .. ذلك يعني إعطاء أمريكا (شيك على بياض) فبعد الاستفتاء لن تُرفع العقوبات وستظل جبهة دارفور مفتوحة.
في مؤتمره الصحفي المنعقد بالخرطوم .. مؤخراً (نشرت نصه أخبار اليوم، بعدد الأمس 30/11)، نفي باقان أموم وجود الحركات المسلحة الدارفورية بأرض الجنوب .. وقال عن وجود مناوي رئيس حركة جيش تحرير السودان بمدينة جوبا، إن لمناوي مشاكل مع المؤتمر الوطني وقرر المكوث بالمدينة كمواطن له حق التواجد في أي مكان بالسودان ولا يمكن منعه لأن المؤتمر الوطني يرغب في ذلك.
تواجد مني بمدينة جوبا لا يمكن فصله من اللعبة الدولية في السودان .. ولو كان نفي باقان لوجود حركات دارفور بجوبا، صحيحاً، فلماذا ضغطت أمريكا وفرنسا على قادة هذه الحركات للتوجه إلى جوبا، وذلك قبل أشهر قليلة من الآن؟
كل هذه الوقائع تقودنا إلى مخطط تفكيك السودان وإعادة تشكيله من جديد، وفقاً لمعيار العرق والدين، وما الحركة الشعبية سوى مخلب قط لتنفيذ هذا المخطط، ولربما تخطط أمريكا وحلفاؤها للأبعد لو تجددت الحرب بين شمال السودان وجنوبه بوضع السودان تحت الوصاية الدولية بتدخل الأمم المتحدة وقواتها المتواجدة أصلاً في أراضيه، وسبق لغرايشن، مبعوث الرئيس الأمريكي أوباما، إلى السودان، أن هدد الحركة الشعبية بأن أمريكا لن تقف إلى جانبها لو تجددت الحرب .. أمريكا لن تقف إلى جانب الحركة ولكن سيكون التدخل تحت مظلة الأمم المتحدة، مؤكداً.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.